الدولة الكوردستانية هي صمّام الأمان لتركيا
وفي عصرنا المعاصر، إنّ ولادة الدولة الكوردستانيّة تعيد للدولة التركية هيمنتها السياسيّة واستقرارها الذاتي الداخلي من جديد، بعد أن أوقعت في صراعات وخلافات دمويّة مع حزب العمال الكوردي من جهة، ومن جهة أخرى تواجه المدّ الشيعي بسرعة في المنطقة.
فبقيام هذه الدولة تستطيع تركيا الحفاظ على استقرارها الداخلي ولا سيّما في كوردستانها؛ وساعتها ستكون هناك دولة بجوارها تأمن حدودها، ولا تستنزف طاقاتها البشرية وميزانيتها الطائلة في الحفاظ على الشريط الحدودية لها، كما وأنّ كورد تركيا حفاظا على دولة لغتهم في البقعة المجاورة سيكونون أشد حماساً لنصرة إخوانهم القومية المجاورة واستقراراً لتركيا في الوقت نفسه، وهذا ما سينعكس إيجاباً للدولة التركية، وتعيد لها تلك الميزانيّات الهائلة التي تصرف على الجانب العسكري، وبإمكانها استثمارها في إنعاش مدنها الكوردية.
نعم، فهذه المدن هي سلة غذاء تركيا ومائها ، ومن هنا تحصل استقرار عظيم في هذه المناطق، ولحظتها تكون عاملاً مهما في استقطاب السيّاح للجنّة الطبيعية بمناظرها الخلابة وطبيعتها الساخرة، مما لا يقلّ عن تلك التي تحصدها حتى في اسطنبول.
ويضاف إلى ذلك، إن عدم الاستقرار في كوردستان تركيا تنعكس سلبا حتى على السياحة الاسطنبولية، وكما هو معروف أنّ أكثر من 3 ملايين كوردي تعيش في اسطنبول نفسها، ولهم دور كبير في اللعبة السياحية ومرافئها، فأي ضرر تلحق بإخوانهم في مدنهم الكوردية تنعكس عليهم سلباً، وتحدث عندهم حالة من الإرباك والشعور بالدونيّة، وربما تنهي بإحداث حالات الفوضى وخلق التشاحنات بينهم مع العنصر التركي؛ وهذا ما يعطي صورة سلبية حتى للصورة الديمقراطية والتعايش السلمي في تركيا، ومن ثمّ تعرقل مسيرة التحاقها بالاتحاد الأوربي؛ ذلك الاتحاد الذي يحلم به التركيين دوماً.
ومن جهة أخرى، إنَّ تركيا اليوم في مشاحنات كثيرة مع حكومة العراق الشيعية، والذي حصلت مؤخّرا حال تحرير الموصل ومشاركة الحشد الشعبي فيها؛ حينما جاهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي حال طلبه سحب القوات التركية، في رسالة مشينة لها: " أنت لست محاوري، وعلى مستواي، بل ولست نظيري في الحكم، وعليك أن تعرف جيّدا حجمك، وأننا سنعمل وفق خطتنا ومصالحنا في العراق". بمعنى: لا محلّ لكم من الإعراب، وأنّ حكومتكم في العراق لا تسمن ولا تغني من جوع في تدخلاتنا إذا اقتضت الآخر، وقد صرّحوا أكثر من مرّة: إنّ صرخات رئيس الوزراء العراقي لا يحسب له أي حساب في تركيا، مؤكّدين أن العراق لا يستطيع الحفاظ على مدينة كموصل ولا يأمن حدوده فكيف تواجه حليف الناتو. وهذه التصريحات النارية للرئيس الوزراء التركي غير مقبول في العرف الدولي لأنّ العراق دولة مستقلّة وذات سيادة، وحتى الآن بشكل أو بآخر تحت النفوذ الأمريكي هذا من جهة. ومن جهة اخرى تهديد العراق يعني تهديد لإيران؛ ذلك أنّ إيران تحسب العراق كمدينة إيرانية فإذا بقيت العراق هكذا فلا تستبعد التدخلات الإيرانية والحرب الإقليميّة...
وكما هو معروف، فإنّ الجيش العراقي الآن أقوى بكثير من زمن المالكي، وهذا ما يتعب الدولة التركية وتستنزف قوّاتها كثيرا، فإذا ما استمرت تركيا في جيران مع العراق وبهذه اللهجة النارية لا تقبل منه لا العراق ولا إيران ولا المجتمع الدولي، كما وأنّ العراق تساند حزب العمال التركي أكثر وتعمل وفق مبدأ (فرّق تسد) داخل البيت التركي، هذا وبالإضافة إلى بقاء تركيا مجاورا مع الدولة العراقية تتأثر حتى بالمدّ الشيعي، وبإمكان إيران والعراق أن يعمل بهذا الوتر الخطير في تركيا نفسها؛ وقتها ستكون المواجهة المذهبية أشد بكثير من المواجهة القومية لأن هذه المواجهة ستكون من العنصر التركي نفسه، كما وأنّ هيجان المذهبي أعنف بكثير؛ لأنّ الثائر لحظتها ليس لديه ما يخسر؛ بل حسب اعتقاده المذهبي له إحدى الحسنيين: إمّا الجنّة أو الانتصار المذهبي مهما كلف ثمنه.
ومعطوفاً على هذه المعطيات، بقي أن نقول:
إنّ على تركيا الاستعجال في بيان رأيها لصالح الدولة الكوردستانيّة، فهي من هذا الجانب تفي بدينها للشعب الكوردي في معركة جالديران. ومن جانب آخر، إن الدولة الكوردستانية تضمن الحدود التركية وتبعدها عن المشاحنات الدولية والوقوع في حرب إقليمي ولربّما تكون عالميّاً؛ لإن إيران متعاطفة مع روسيا وهذا ما يزيد الطين بلّة؛ لذا الدولة الكوردستانية ستكون صمّام الأمان لتركيا سياسيّاً، أمّا الجوانب الاقتصادية والتجارية والسياحية فحدّث عنها ولا حرج...