إنّ حكومة إقليم كوردستان قد عبّر أكثر من مرّة رغبته واستعداده الكامل للمفاوضات وحل الخلافات العالقة بينه والمركز؛ بطرق دستورية وقانونية، وذلك إنطلاقاً من موقفه المعروف المتمثل بالترحيب بجميع المبادرات بهذا الإتجاه، وفي مقدمتها مبادرة آية الله العظمى السيد السيستاني، وبعض الشخصيات العراقية، والدول الصديقة للشعب العراقي حول العودة الى الدستور العراقي لحل الخلافات. وانطلاقاً من حرص الإقليم والتزامه للغة الحوار وحقن الدماء، أنّه جمّد الاستفتاء؛ ذلك الاستفتاء الذي صوّت عليه قرابة 93% بنعم لاستقلال كوردستان؛ إلا أنّ جنوح الإقليم كعادته للسلم ولغة الحوار والتفاوض كبديل للغة السلاح قام بتجميد نتائج الاستفتاء رغم امتعاض شعب كوردستان بأكمله لهذا الموقف؛ ووقتها رحّبت هذه الخطوة من قبل الولايات لمتحدة الأمريكيّة والدول العظمى ولكن السيّد العبادي رفض هذا التجميد بكل بساطة، واعتبر ذلك من قبيل اللعب بالكلمات..! في حين، كان نفسه قبل الاستفتاء ولا سيما حال استنجاده بقوات البيشمركة لتحرير الموصل كان يقول: إنّ من حق الشعب الكوردي أن يملكوا دولة مستقلّة؟! إلا أنّ دخول قواته للمناطق المتنازع عليها ولا سيما في كركوك، وذلك من خلال اتفاق مع أشخاص من إحدى الأحزاب الكوردية ظنّ أنّه قد حرّر تلك المناطق بالقوّة، وأظهر نفسه كالفارس المنتصر ونسي لغة الأمس؛ بل تباهى من خلال لغة لقول والجسد، وليس على الطرف المقابل إلا إلإذعان والسمع والطاعة، وهو نسي أو تناسى أنّ دخوله لو لم تكن هذا الاتفاق المسبق وقوات فيلق القدس الإيراني وحزب الله اللبناني والدعم اللوجستي من تركيا وعدم مواجهة البيشمركة لها حقنا للدماء لمّا تمكّن من دخول كركوك؛ فحينما أراد البيشمركة أن يدافع في بردى (آلتون كوبري) والمحمودية لم تستطع ميليشيا الحشد الشعبي وحزب الله اللبناني مع القوات العراقية من تقدّم شبر. ومع لغة السطوة والأنا لحكومة المركز، إنّ حكومة إقليم قد أمر قواته بوقف إطلاق النار تجاه القوات العراقيّة؛ بل وحتّى أن الإقليم حينما طلب من الأمين العام لمجلس الوزراء الإتحادي في 5/11/2017، قرارها المرقم (122/إتحادية 2017) حول تفسير المادة الأولى من الدستور العراقي والتي تنص على أن (جمهورية العراق دولة إتحادية واحدة مستقلة، ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي، وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق). كان ردّ حكومة الإقليم "احترام تفسير المحكمة الإتحادية العليا للمادة الأولى من الدستور، وفي نفس الوقت قال: إنّنا نؤكد إيماننا بأن يكون ذلك أساساً للبدء بحوار وطني شامل لحل الخلافات عن طريق تطبيق جميع المواد الدستورية بأكملها بما يضمن حماية الحقوق والسلطات والإختصاصات الواردة في الدستور بإعتبارها السبيل الوحيد لضمان وحدة العراق المشار إليه في المادة الأولى من الدستور". ورغم أنّ الكرة الآن في ملعب العبادي، والولايات المتحدة الأمريكية والدول العظمى رحبت بمبادرة الأقليم الأخيرة، وفي الوقت نفسه يطلبون من الحكومة المركزية الإسراع في بدء الحوار والاحتكام إلى قوّة المنطق لا قوّة المنطق؛ ولكن في واقع الحال نرى أن السيد حيدر العبادي يستخدم منطق القوّة؛ ويلعب بالوقت، وفي كل الثلاثاء يبدأ التزامه بالدستور وصرف رواتب الموظفّين إلّا أنّه ميدانياً في مسودّة الدستور عكس ما يصرّحه؛ إذ حدّد مبلغ ٣٣٤ ملیار دینار شهریا فقط لکافة موظفي اقلیم کوردستان، في حین أن المبلغ المطلوب لرواتب موظفي اقلیم کوردستان هو ٨٩٧ ملیار و٥٠٠ ملیون دینار للشهر الواحد، أي بفارق ٥٦٣ ملیار و٥٠٠ ملیون دینار ، كما وقلّص ميزانية الإقليم من 17% إلى الی ١٢،٦./٠، وجاء هذا التقليص متزامناً من ایواء اکثر من ١،٥ ملیون من نازحي محافظات العراق ولاجئي سوریا المستفیدین من کافة الخدمات (الصحیة، التعلیم، الامن، الکهرباء، المیاه الصالحة للشرب والاسکان) مع محدودیة وتدهور الوضع الاقتصادي لاقلیم کوردستان. وفيما يخصّ البیشمرگة، فإنّه لم یحدد أي مبلغ مالي في الجداول الملحقة لمسودة الموازنة الاتحادیة، بل حددت للبیشمرگة وبنص غامض نسبة من مخصصات القوات البریة لوزارة الدفاع، في حین کنا ننتظر تقدیر دور وتضحیات البیشمرگة لمواجهة الارهاب جنبا الى جنب مع القوات العراقیة الأخری وبشهادة شخص السید رئیس وزراء العراق والتحالف الدولي کان ومازال للبیشمرگة دور فعال في دحر الارهاب...أهكذا يكون ردّ الجميل! هذا، ونرى أنّ السيّد عبّادي يتهم دوماً إقليم كوردستان بعدم الشفافية والفساد الماليّ المستشري؛ ولو افترضنا جدلاً أن نسبة كثيرة من كلامه صحيحة، ولكن نحن نتساءل أنسي دولة رئيس الوزراء الفساد المستشري في جميع قطاع الحكومة الاتحادية؛ إذ هناك مليارات الدولارات مفقودة، وتزايد الديون العراقية بشكل رهيب؛ كما وأن المناطق السنّة دمّرت أغلبه إذ شرّد أكثر من 3 مليون سنّي في مناطقهم؛ ولا يسمح لهم في العودة إلى ديارهم المنكوبة والمتحولة ديموغرافياً وطائفيّاً، وحتى الكثير من المناطق الشيعية يرثى لها في العمران بل وحتى ماء الشرب والكهرباء! وبقي أن نقول: إنّ الشارع الكوردي من خلال محادثاتهم اليوميّة يوجّهون تلك الأسئلة إلى السيّد العبادي: ترى إلى متى سيستمرّ غروره؟ وإلى متى لا يتعامل كرجل الدولة؟ ولم لا يحسب نفسه رئيس الوزراء لجميع العراقيين؟ وإلى متى يستغل ورقة الكورد كورقة دعائيّة مسبقة للانتخابات القادمة؟ وإلى متى يريد أن يفرض سلطته؟ ولكن ختاماً: إنّ الشعب الكوردي يمدّ له يد الحوار والتفاوض ثانية وثالثة؛ ولكن لا يقبل كسر الهيبة والشوكة؛ فالأنفلة والقصف الكيمياويّ ونظام صدام حسين القويّ مقارنة به لم يهزّه! فكيف برئيس وزراء تربّع عرش الرئاسة بمباركة التحالف الكوردستاني؟ بل ويقول الشعب الكوردي له: أنّ من يريد فرض سلطته اليوم بالقوة سيسلب منه بالقوة نفسها غداً أو بعد غد؟!...وللكلام بقيّة.