موقع الدين في الدساتير العراقية
ولكي نفهم هذه العلاقة بين الدين والدستور، وندرك موقع الدين في الدساتير العراقية، نذكر مراحل تطور الدين في الدساتير العراقية.
1) إن أول دستور عراقي في العهد الملكي(الملك فيصل الأول) عرف بالقانون الأساسي العراقي سنة(1925) يتكون من (125 مادة).في المادة (13) ورد أن (الإسلام دين الدولة الرسمي).
2) الدستور العراقي المؤقت (1958) يتكون من (30 مادة) في العهد الجمهوري عهد عبد الكريم قاسم. ورد في المادة(4) أن الإسلام دين الدولة.
3) قانون المجلس الوطني لقيادة الثورة في الانقلاب الأول للبعث بعد مقتل عبد الكريم قاسم (1963) يتكون من (106 مادة)، ورد في المادة (3) أن الإسلام دين الدولة والقواعد الأساسية لدستورها.
4) قانون المجلس الوطني رقم (61) سنة (1964) بعد سقوط الإنقلاب البعثي في عهد عبد السلام عارف يتكون من (17 مادة)، ورد في المادة ر(3) أن الإسلام دين الدولة، والقاعدة الأساسية لدستورها.
5) الدستور المؤقت لسنة (1968) لمجلس قيادة الثورة للبعث بعد الانقلاب الثاني على عبد الرحمن عارف - بعد مقتل أخيه عبد السلام عارف- يتكون الدستور من(95 مادة)، وفي سنة(1970) جاءوا بدستور جديد آخر مؤقت يتكون من (70 مادة). أصبح أحمد حسن بكر رئيسا وصدام حسين نائبا له. وبقي هذا الدستور مؤقتا لمدة ثلاث وثلانين سنة، أي إلى يوم سقوط البعث سنة (2003). حاول البعثيون كتابة دستور دائم للبلد، وقد كتبوا دستورا يتكون من (297 مادة) لكنه لم ير النور. ورد في هذا الدستور في المادة(4) أن الإسلام دين الدولة.
6) قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية لمجلس الحكم، سنة(2004) ويتكون هذا القانون من (62 مادة). ورد في المادة السابعة (7) أن الإسلام دين الدولة الرسمي، ويعد مصدرا للتشريع، ولا يجوز سن قانون خلال المرحلة الانتقالية يتعارض مع ثوابت الإسلام المجمع عليها.
7) الدستور الدائم لسنة(2005) يتكون من (144مادة). ورد في المادة الثانية (2) أن الإسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدر أساس للتشريع: أ/ لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام.
فيما يخص الدستور العراقي نلاحظ تطورا كبيرا في مراحله عبر التاريخ، ففي العهد الملكي كان ينص الدستور أن الإسلام دين الدولة الرسمي، وبقيت المادة كما هي في العهد الجمهوري، مع إضافة فقرة واحدة لا تغير من المادة شيئا، وهي مجرد تفسير وشرح، وأتصور أن مجيء الشيعة إلى السلطة بعد (2003) كان له دور كبير جدا في تغيير مواد الدستور المتعلقة بالدين، وبصورة دقيقة ومدروسة، حيث نلاحظ من خلال تطور مراحل المواد المتعلقة بالدين في الدستور بعد سقوط النظام أنها تنتهي إلى تحقيق ما تصبو إليه المرجعيات الدينية الشيعية، وذلك بسبب أغلبية علماء الشيعة، وعدم مشاركة علماء السنة آنذاك بصورة فعالة، لأن أغلبيتهم كانوا ضد العملية السياسية، لذلك كانت الساحة خالية لعلماء الشيعة، وأما الكورد فكانوا يركزون على مطالبهم القومية، وإن كنت أتصور أن هذا خطأ ارتكبه الكورد، لأن الدستور للجميع، وربما لم يكن من بين الكورد آنذاك من كان خبيرا بتفاصيل هذه المسألة المهمة، ولربما سكت الكورد عن ذلك، مقابل سكوت الشيعة عن بعض مطالب الكورد.
لنعد إلى مراحل تطور هذه المادة في الدساتير العراقية، نلاحظ في قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية لمجلس الحكم، سنة(2004) في المادة السابعة (7) أن الإسلام دين الدولة الرسمي، ويعد مصدرا للتشريع، ولا يجوز سن قانون خلال المرحلة الانتقالية يتعارض مع ثوابت الإسلام المجمع عليها. هذه المادة واضحة لا غبار عليها، في هذا القانون كتبت الفقرة السائدة والموجودة في جميع الدساتير العراقية، وهي أن الإسلام دين الدولة الرسمي، وتم إضافة فقرة (ويعد مصدرا للتشريع)، ثم لكي يطغى الطابع الديني على الطابع المدني أضافوا فقرة (ولا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت الإسلام المجمع عليها)، وهي في تصوري فقرة منطقية، لأن جميع المسلمين على اختلاف مذاهبهم متفقون على الثوابت المجمع عليها، فلا يمكن سن قانون في بلد مسلم يتناقض مع الثوابت الإسلامية التي أجمع عليها المسلمون، ولكن نجد أن هذه المادة في الدستور الدائم تتغير بصورة عجيبة وغريبة، وهي تدل على اهتمام الشيعة بهذه المواد، وذلك من أجل تحقيق هدف استراتيجي ديني مذهبي مستقبلي، حيث نجد في الدستور الدائم لسنة(2005) في المادة الثانية (2) أن الإسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدر أساس للتشريع: أ/ لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام، نلاحظ التغييرات كالآتي:( تم تغيير (ويعد مصدرا للتشريع) في قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية لمجلس الحكم إلى (وهو مصدر أساس للتشريع) تم إضافة كلمة أساس، لكي يرسخوا الأبعاد الدينية في الدستور، ثم أضافوا كلمة(أحكام) للإشارة إلى الفقه الإسلامي، وهم يقصدون الفقه الشيعي الجعفري، وإلا فليست الأحكام ثابتة، بل هي متغيرة، ثم الأدهى من ذلك أنهم حذفوا كلمة مهمة جدا، وهي(المجمع عليها) لأنهم إذا أبقوا هذه الكلمة فلن يستطيعوا تحقيق أهدافهم المذهبية، لأن السنة لا يوافقون الشيعة في فقههم ومذهبهم، وعليه، فإن هذه المواد في الدستور العراقي الدائم ترسخ بلا شك لتأسيس دولة دينية مذهبية، تتناقض تماما مع حقوق الإنسان ومباديء الديمقراطية والتعددية، بل أخشى ما أخشاه أن تتحول بمرور الزمن إلى حكومة المرجع كما أسس قواعدها محمد باقر الصدر، وهي نسخة منقحة من ولاية الفقيه الإيرانية والتي أسسها الخميني بعد نجاح ثورته سنة (1979).
وقد حققوا أخيرا هدفهم في قانون الأحوال الشخصية، حيث تم إلغاء قانون الأحوال الشخصية رقم(188) سنة(1959) من قبل بول بريمر، وصدر قانون الأحوال الشخصية الجعفري (253 مادة) صاغه وزير العدل العراقي حسن الشمري من حزب الفضيلة بزعامة المرجع الديني اليعقوبي. اعتمدوا على مادة (41) من الدستور العراقي الدائم، والتي تنص أن العراقيين أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم. وحتى هذه المادة أعني مادة (41) كتبوها في الدستور من أجل تشريع هذا القانون لتحقيق هدفهم الأيدولوجي.
ونلاحظ في قانون المحكمة الاتحادية في المادة الثانية (2) أولا: تتكون المحكمة من رئيس ونائب للرئيس وأحد عشر عضوا.
• رئيس المحكمة من القضاة.
• نائبه من القضاة.
• سبعة أعضاء من القضاة.
• عضوان من خبراء الفقه الإسلامي.
ثانيا/ أ: يكون للمحكمة عضوا أحتياط غير متفرغين من خبراء الفقه الإسلامي.
ب: يرشح ديوانا الوقف الإسلامي في اجتماع مشترك ستة مرشحين من خبراء الفقه الإسلامي، ممن لهم خبرة في الأحكام الشرعية لا تقل عن عشرين سنة.
ولقد كنت أول المعترضين على هذه المادة في القانون في مجلس النواب العراقي، وقدمت مقترحا برفض فكرة خبراء الفقه الإسلامي، وقمت بزيارة رئيس المحمكة السيد مدحت المحمود، وتكلمت معه بخصوص مقترحاتي، وقد قبلها برحابة صدر، وسبب اعتراضي على هذه المادة أن كلمة خبراء الفقه الإسلامي كلمة تسبب فوضى في المحكمة، خبراء الفقه السني، وهم أربعة مذاهب(الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي) من أي مذهب نختار هؤلاء الفقهاء، وخبراء الفقه الشيعي عبارة عن مدارس ومرجعيات مختلفة، من أي المراجع نختار، لذلك أتصور أن وضع هذه المادة في الأساس هو من أجل تحقيق الهدف المذهبي، ومعلوم أن دور علماء السنة ضعيف، وحتى لو كان دورهم قويا، فإن موقفهم لن يختلف عن موقف علماء الشيعة في القضايا المصيرية للبلد، ففي النهاية تتحول المحمكة الفيدرالية إلى مركز للمرجعيات الدينية وعلماء الدين، وحينئذ ستكون قراراتها وفق المذهب، وليس وفق المصلحة العليا للبلد.
فيما يخص مشروع دستور إقليم كردستان لسنة(2009) وهو يتكون (122مادة) فقد ورد في المادة السادسة(6) (يقر ويحترم هذا الدستور الهوية الإسلامية لغالبية شعب كردستان – العراق... وأن مباديء الشريعة الإسلامية مصدر أساس للتشريع، ولا يجوز أولا/ سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام).
إن الذي كتب هذه المادة نقل ما ورد في الدستور العراقي، وقد نقدنا هذه المادة لخطورتها ومغالطتها، ثم أضاف بعض الفقرات في البداية، وهي فقرات مرفوضة، وهي دليل على قلة خبرته في هذا الميدان، وتأثره بمشاريع الإسلام السياسي، وإلا كيف يكتب مثل هذه الفقرات الأيدولجية، لذلك ينبغي حذف هذه المادة جملة وتفصيلا، واقترح كالآتي: (غالبية شعب كوردستان مسلمون، لذا لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت الإسلام المجمع عليها)