حول أحداث عامودا و إنتهاكات حقوق الانسان !
![حول أحداث عامودا و إنتهاكات حقوق الانسان !](https://gulanmedia.com/public/site/images/single/1.jpg)
و لعل الأخطر في الامر، و الذي يستدعي الانتباه إليه، هو أن مكان الحدث، عامودا، له خصوصية استثنائية، من بين كل المدن و البلدات الكردية في سوريا، كون أهلها معروفون عنهم، شجاعتهم و صلابتهم و رباطة جأشهم؛ فهم لا يقبلون، بالفطرة، قيام أي جهة، أو فصيل سياسي معين، بفرض نظام، أو نموذج سياسي أو أمني او إداري قسري عليهم، لذلك كان على ذلك الفصيل الكردي أن يعي هذه الحقيقة، و يدرك أن إنفلات الأمور في عامودا، من شأنه أن يدفع أبناء باقي المدن و البلدات الكردية الأخرى الى التمرد و الانتفاض على السلطة التي يشيدها، و لعل قيام المتظاهرين برشق المقر الحزبي لذلك الفصيل خير دليل على ما أسلفنا.
أحداث عامودا تنطوي على ما هو أكثر من مطلب خدمي ؛ إذ يتعلق الامر بإدارة شؤون المجتمع و المواطنين من قبل فصيل سياسي معين، و ليس من قبل مجالس محلية يتشارك فيه كل أطياف و مكونات المجتمع، السياسية و الاجتماعية و الثقافية، و عامودا، كونها تذخر بهذه الطاقات و الإمكانات و الكوادر المحلية، فمن الطبيعي ان تقوم الحالة الشعبية القائمة على التنوع، برفض هيمنة جهة، أو فصيل بحد ذاته، على مقدرات و أحوال المدينة.
و باعتبار الحديث يدور هنا حول صدام، جرى بين القوة الأمنية ( الاسايش ) التابعة ل ( ب ي د ) و متظاهرين كرد في عامودا، فقد كان الأولى ب ( ب ي د ) أن يمد الأهالي و المواطنين الكرد، بحصيلة خبراته و تجاربه في تشكيل المؤسسات المدنية و الاجتماعية، و فتح المجال لكل الكوادر المجتمعية للمشاركة في هذه المؤسسات و الدوائر، دون إسباغ طابع حزبي عليه، و رفع الاعلام و الرموز الحزبية المثيرة للحساسية الاجتماعية و الشعبية حيالها.
صحيح أن ( ب ي د ) هو القوة الرئيسية في الساحة الكردية، و يمتلك مناصرين بالآلاف، و عشرات المؤسسات و اللجان و المجالس الشعبية و الأمنية و العسكرية و الإغاثية، إلا إنه لم يشكل، الى الأن، إلا حالة شمولية، إستبدادية ، إقصائية بحق الآخرين، و إستمرار العمل بهذه العقلية، لا بد أن يؤدي إلى إنتهاكات متصاعدة بحقوق الانسان الكردي، خاصة و أن ما حدث في عامودا لم يكن الحادث الأول، و إنما سبقته العديد من الحوادث المؤسفة في مناطق متفرقة، كانت الصفة المشتركة بينها، دائماً، إستعمال شكل من أشكال العنف، إعتقالاً، أو خطفاً ، أو قتلا ً.
إن إستمرار هذه الممارسات و الانتهاكات من قبل فصيل معين، من شأنه أن يزيد من حدة الاحتقان السياسي و الاجتماعي في المنطقة الكردية، و من الطبيعي أن تنحدر الحالة الشعبية جراءها الى قاع من الصدام المستمر بين هذا الفصيل الكردي و فصائل و قوى أخرى، حزبية أو شعبية، و التي لن تتوان جراء قلة الحيلة و الإمكانات لديها، الى الارتماء في أحضان جهات أخرى، بهدف إمتلاك ما يعينها على مواجهة ذلك الفصيل الكردي.
إن الدفع بالحالة السياسية الكردية السورية إلى هذا المشهد الملغوم، بمشاعر الحقد و البغض والكراهية، و شحنه طوال الوقت بحوادث عنف، مرفوض بالمطلق، كونه يحرم الانسان الكردي من حقه في الانخراط في ممارسة سياسية و حراك إجتماعي طبيعيين؛ بل هو تصرف و نهج خطير سيدفع بمكونات المجتمع الكردي، جراء الانقسامات و التناحرات التي يخلقها في داخله، الى التصادم و الإرتطام و الاقتتال الداخلي، و هو ما نخشى منه طوال الوقت، باعتباره يشكل الموت الحقيقي للسياسة و حركة المجتمع.
لذلك، مطلوب من جميع القوى السياسية و الاجتماعية ممارسة أقصى درجات الحذر و ضبط النفس، و الاحتكام الى لغة العقل و المنطق في معالجة الإشكالات الراهنة، و إعتبار المنطقة الكردية ساحة تتسع للجميع ، مع ضمان حق الانسان الكردي في التعبير عن أراءه و معتقداته الفكرية و السياسية، و حريته في بناء مؤسساته المدنية و الاجتماعية و السياسية، دون نسيان مبدأ عدم أحقية اي طرف أو جهة أو فصيل سياسي كردي، بفرض نظام معين على المجتمع لا يرضى به، و لا يلبي حاجاته المادية و المعنوية، أيا كان هذا الفصيل، و الذريعة التي يتحجج بها.
زيور عمر