• Saturday, 29 June 2024
logo

أربيل عاصمة الطبقة الوسطى ومأوى العراقيين

أربيل عاصمة الطبقة الوسطى ومأوى العراقيين

صباح ناهي

 

لم تعد أربيل بوابة عبور للعراقيين الفارين من الواقع المرير في الوسط والجنوب والمناطق الشمالية في محيط الموصل فحسب، بل أصبحت مدينة توطين للأسر العراقية التي تريد البقاء في البلاد، وتعيش في كنفه آمنة مطمئنة، بعد أن ضاقوا ذرعاً بظروف الإقامة في بلدان عربية وأجنبية أخرى.

لقد قصروا طريق رحلة الاغتراب، وفضلوا البقاء في محافظة عراقية تبعد 362 كيلومتراً من العاصمة بغداد، بعد أن آوتهم وفتحت أذرعها لهم للعيش الآمن، ووفرت قيادتها ما يؤكد لهم "هنا يمكن أن تكون حياتكم أفضل من العيش في مدن التوتر والشحن الطائفي والفوضى، لا سيما في العاصمة الملتهبة والمحكومة بمنطق الاستحواذ والفساد والانتقام والمطوقة بالميليشيات، والجنوب الغارق بالفساد والفوضى والصراعات".

 

ذاكرة النزوح القسري

فرض النزوح الموصلي أولاً عام 2014 جراء هجوم "داعش" على المدينة واضطرار مواطنيها إلى الهجرة والنزوح حال تسليم بالأمر الواقع للعيش في المناطق المحررة من هيمنة التنظيم الإرهابي.

واقع يشير إلى تبني تداخلات اجتماعية بين العرب والكرد، تفاعل بدوره ليخلق نوعاً من التفاعل والتفاهم في تقبل الآخر، مما جعل الناس من أهل الموصل بخاصة الأقليات كالمسيحيين والأيزيديين والشبك، وعموم الأقليات التي باتت تحتمي بحكومة الإقليم، يلجأون إلى أربيل ومدن كردستان العراق، رغبة في الحماية والتوطن.

 

استيعاب القوى البشرية

زعامة الإقليم من الحزب الديمقراطي الكردستاني أدركت قيمة أن تكون سباقة لاستيعاب القوى البشرية، مهما كان موطنها أو خلافاتها مع المركز، ففتحت صفحة بيضاء مع الجميع بشرط الإقامة الآمنة، وكان فرض الحصول على تأشيرة الدخول لزيارة الإقليم أول مرة مستفزاً للعراقيين جميعاً، وعدوه شرطاً مجحفاً، حين يطلب منك تأشيرة مسبقة وأنت في وطنك أدركت قيادة الإقليم أن ذلك غير منصف، فألغت ذلك الإجراء ورفعت قيود السكن تعبيراً عن ثقتها بصحة مشروعها الوطني وشرعت الأبواب لكل الراغبين في العيش أو الزيارة.

 

التسامح الكوردي وراء النهضة

يقول الباحث هيثم هادي نعمان الهيتي، وهو أستاذ جامعي وباحث بغدادي اتخذ من أربيل سكناً له ولأسرته "تعود هذه النهضة الأربيلية إلى ثلاثة عوامل رئيسة، أولها النهج السياسي الذي اتبعه الرئيس مسعود بارزاني في قضية التسامح مع الآخر، ما بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، إذ لم يكن للانتقام لغة أو أسلوباً أي وجود في طريقة التعامل السياسي مع الآخر. لذا أصبحت أربيل مدينة التسامح السياسي حيث لجأ إليها القاصي والداني، وهذا المنهج أعطاها خصوصية مميزة طورتها اقتصادياً وثقافياً وزينتها اجتماعياً".

أما العامل الثاني - يقول الهيتي - فيعود إلى النظام الفيدرالي الذي أثبت نجاحه الباهر على رغم كل محاولات انتهاكه، إذ أنتج واقعاً عصرياً من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، لذا أصبحت هذه الفكرة مقبولة ليس في كردستان وحده، بل انتقلت لجماهير أخرى في مناطق متعددة من العراق.

 

فرص اقتصادية

ثم يأتي العامل الثالث، وهو نجاح القطاع الخاص وتحفيزه كنتاج رئيس من العاملين الأول والثاني. ونجح القطاع الخاص في إنتاج الكهرباء والتطوير العقاري وتجارة السيارات ثم اعتبار إقليم كردستان مقصداً سياحياً، لذا تحولت أربيل إلى عاصمة عراقية أخرى، ويجب أن تنتقل تجربتها إلى بقية المناطق في البلاد.

 

رؤية بارزاني الرائدة

بحسب الباحث العراقي هيثم الهيتي فإنه "في مراجعة تاريخية لموقف مسعود بارزاني في مؤتمر لندن عام 2002، بدا واضحاً أنه هو الوحيد الذي دعا آنذاك إلى فكرة التسامح وانتقد خطاب الانتقام الذي سلكته كل القوى السياسية الأخرى، بل تساءل في أحد لقاءاته الأخيرة، قلت لهم كيف ستنتقمون من مئات الآلاف من العراقيين؟ مؤكداً أن هناك كثيراً من الكرد الذين كانوا يتبعون النظام السياسي السابق تم التسامح معهم وأصبحوا جزءاً رئيساً من المرحلة الجديدة التي حولت كردستان وتحديداً أربيل إلى عاصمة يفخر بها كل عراقي".

 

كرنفال شعبي

حين تتجول في أربيل تلمس سيطرة واضحة - ناعمة على أمن المدينة وتعليمات صارمة لقوى الأسايش (الأمن الكوردي) في التعامل مع عموم الناس داخل المدينة، خصوصاً الوافدين إليها، تجلس متأملاً حركة الناس وتسمع أحاديثهم من كل القوميات والأجناس والطوائف، تختلط اللهجات واللكنات في كرنفال مجتمعي، يسوده الوئام والطمأنينة والسلام.

 

 

 

كوردستان24

Top