• Thursday, 27 June 2024
logo

انهاء البعثة ومبرراتها لا تتطابق مع مبررات الوجود

انهاء البعثة ومبرراتها لا تتطابق مع مبررات الوجود

سيف السعدي

 

عندما نعمل مقارنة ما بين الاسباب والمبررات التي أوجدت بعثة الامم المتحدة في العراق بعد تغيير النظام عام 2003 نجدها لا تنطبق ولا تنسجم مطلقًا مع المبررات والأسباب التي دعت حكومة السيد محمد شياع السوداني إلى انهاء تواجد البعثة في العراق!! بطلب رسمي إلى الأمين العام للأمم المتحدة (انطونيو غوتيرش) بتاريخ 10/5/2024 إذ أنَّ أول يوم لعمل بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) هو 14 / آب / 2003 وهي كيان تم انشاؤه بالاستناد إلى قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1500، وفي التاسع عشر من شهر آب عام 2003 قُتِل البرازيلي سيرجيو فييَرا دي ميلو، مبعوث الأمم المتحدة في بغداد، فضلاً عن عشرين شخصا اخرين من بينهم عراقيون، بعد أشهر قليلة من سيطرة الولايات المتحدة الأميركية على العراق، في حربها الخليجية الثانية (20 آذار ـ 1 أيار 2003)، وتوسّعَ دورُ البعثة بشكلٍ كبيرٍ في عام 2007 بموجب القرار (1770)، وهنا يجب ان نقف على الاسباب التي دعت إلى وجود البعثة في العراق ولعلنا نوجزها بما يلي :

تغيير النظام السياسي في العراق بعد 2003 ، ولا بد من ان تكون مساعدة دولية، فيما يخص تقديم المشورة والدعم والمساعدة إلى حكومة وشعب العراق بشأن تعزيز الحوار السياسي الشامل، والمصالحة الوطنية والمجتمعية، والمساعدة في العملية الانتخابية، وتيسير الحوار الإقليمي بين العراق وجيرانه وتعزيز حماية حقوق الإنسان والإصلاح القضائي والقانوني، والحريات الصحفية، ومراقبة العملية الديمقراطية، والاستقرار السياسي، ومن خلال مراقبتنا وبحثنا في الشأن السياسي أجدُ مبررات وجودها مازالت موجودة، ولاسيما الاحتقان السياسي، وعدم ثقة الشعب بالنظام السياسي ويتمثل ذلك بمقاطعة الاغلبية الدهماء للانتخابات تعبيراً عن غضبهم وسخطهم من الطبقة السياسية الحاكمة، فضلاً عن انتشار السلاح المنفلت خارج سيطرة الدولة، وعمليات الاغتيالات التي طالت ناشطين سياسيين، وأصحاب رأي، وكذلك ملف الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، وملف المختفين قسراً، ومهاجمة البعثات الدبلوماسية، والمطاعم ومصالح الدول في العراق، ملف سنجار، كركوك، حزب العمال الكوردستاني…الخ كل هذه المبررات مازالت موجودة ولم يتم حلها، بالمقابل الخطاب الحكومي يتحدث عن مبررات انهاء البعثة ويربط مابين تواجدها والسيادة العراقية!، ويعدها برج مراقبة أميركي داخل العراق!! معتقدين أنَّ بعثة الامم المتحدة في العراق هي أحد تبعات الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة لذلك تعد ثلم لسيادة العراق!! ولكن الحقيقة أنّ بعثة (يونامي) بعد 2003 تختلف عن البعثتين التي سبقتها في الثمانينات والتسعينات، بحيث في عام 1988 صدر قرار مجلس الامن الدولي رقم (620) ولاسيما بعد أن أشار قرار (612) إلى استخدام الأسلحة الكيميائية بين إيران والعراق الأمر الذي يستوجب اجراء تحقيق بهذا الملف، فضلاً عن قرار مجلس الامن رقم (661) 1990 فيما يخص ملف العراق والكويت، أما بعد 2003 الوضع أختلف تماماً عن الحالتين التي دعت إلى وجود البعثة.

التقرير الاستعراضي الاستراتيجي المستقل لبعثة الامم المتحدة لتقديم المساعدة إلى العراق مكون من (30) صفحة و (101) نقطة وتحدث بشكل مفصّل عن أوضاع العراق والتوقعات المستقبلية: منها في النقطة (20) أشارت إلى "لا تسيطر الحكومة العراقية على الجهات الفاعلة منها العسكرية والامنية في البلد، فضلاً عن وجود جماعات مسلحة أجنبية مثل حزب العمال الكوردستاني الذي يحتفظ بقواعد في شمال العراق خارج سيطرة الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم، وانعدام وضوح القيادة والسيطرة على قوات الحشد الشعبي"، بينما النقطة (26) أشارت إلى التهديدات الحالية لسلامة وأمن العراق، أمّا النقطة (28) أشارت إلى ثلاثة اخطار رئيسة تهدد أمن واستقرار العراق منها:

أ- هشاشة المؤسسات، ب- انتشار الفصائل المسلحة
ج-امكانية نشوء داعش جديدة أو أشكال أخرى من الارهاب والتطرف العنيف، وتتفاقم هذه التهديدات بسبب التصعيد الإقليمي المستمر، بينما النقطة (51) تتحدث على العكس من مبررات الحكومة العراقية فيما يخص انهاء البعثة والتي نصت على "أكدت المشاورات التي اجريت مع القادة السياسيين وقادة رأي في العراق أن البعثة مازالت تشكل جزءاً لا يتجزأ من القضاء السياسي العراقي.

على الرغم من المبررات التي استعرضتها لأهمية وجود البعثة فهذا لا يعني أنَّ البعثة ليس عليها ملاحظات، بل توجد ملاحظات كثيرة منها، أنّها كانت شاهد زور على ما جرى من أحداث اتجاه متظاهري تشرين في العراق عام 2019 وما اعقبها من احداث، فضلاً عن نتائج الانتخابات، والاتهامات التي طالت موظفيها فيما يتعلق بالرشا والفساد المالي، ولم تكن منصفة في نقل جرائم الجيش الاميركي عندما احتل العراق..الخ، ولكن عدم وجود البعثة في العراق يعني استفراد طرف يمتلك جناحين الاول سياسي والآخر مسلح على حساب أطراف أُخر لا تمتلك أجنحة مسلحة، مثل الكورد والسنة وباقي الأقليات، وبعد موافقة مجلس الامن الدولي بقراره رقم (2732) على طلب الحكومة العراقية عن طريق الأمين العام للأمم المتحدة على انهاء تواجد البعثة بتاريخ اقصاه 31/ 12/ 2025 بعد هذا التاريخ سوف تتحول من بعثة إلى مكتب قطري للأمم المتحدة مع (22) وكالة تعمل تحت مظلة البعثة، ولكن الفرق بين البعثة والمكتب القطري هو برفع التقارير والرصد وهنا تكمن المشكلة، لأن بعثة الأمم المتحدة في العراق ترفع تقاريرها بشكل مباشر إلى مجلس الامن الدولي، بينما المكتب القطري يرفع تقاريره إلى الأمين العام للأمم المتحدة، لان عرض التقارير على مجلس الامن بشكل مباشر يحدث صدى دوليا كبيرا، ولك المقارنة والقياس في ظل تواجد البعثة تحدث خروقات كبيرة فكيف الأمر بخروجها؟.

ولنا أن نتخيل أنّ الحجة الحكومية لإنهاء بعثة الأمم المتحدة في العراق هي أنَّ البلد الذي توجد فيه بعثة الامم المتحدة يعطي تصورا وانطباعا للدول الأخرى أنّ هذا البلد غير مستقر!، وهنا يكمن السؤال الرئيس هل العراق بلد مستقر من الناحية السياسية، والامنية، والاجتماعية، والاقتصادية، والمالية والمصرفية؟، لذلك اقول ان مبررات انهاء بعثة الأمم المتحدة في العراق لا تنسجم مع مبررات تواجدها، لان التحديات مازالت قائمة، وهذا ما جاءت به التقارير الدولية.

 

 

 

روداو

Top