و دول تبيع المياه
فاضل ميراني
مسؤول الهيئة العاملة للمكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني
من يتتبع رؤية نوري السعيد و مجلس الاعمار على ايامه، يكتشف ان الراحل كان يدرك قيمة الوقت و مناغمته مع الطاقات التي يمكن ان تتحرك و تقارب التطور العالمي ولا اقول تواكبه، فالرجل من ناحيته التنفيذية الادائية لا خلفيته العسكرية و السياسية، كان متفوقا و بمنجز سبّاق على اراضي العراق واقعا لا وهما ووعودا، وقسم من ثمار اعماله جرى افتتاحها بعد رحيله المأساوي.
كان العراق الناشيء و كيانه السياسي ابعد ما يريد ان يتورط في دوامة تبطيء نموه، فلا الملك فيصل الاول و لا نوري السعيد قليلي الحكمة و الذكاء ليتجاوزا معنى التراص الجغرافي الذي يتغذى العراق بمقتضاه بشرايين حياته و من عليه، وحتى مع الجارين العتيدين تركيا و ايران، كانت الحكمة و التبصر مقدمتان على اي اجراء قد يعيق نجاح مشروع الدولة الجديدة يومها.
لا يعارض منصف مدى الفهم الكبير و الواقعي لصناع عراق ١٩٢١، و احاطتهم بالملفين الوطني( الداخلي) و العلاقات الخارجية و موازين قواها و توجهاتها، و لا ينكر ذكي ما للمؤوسسين للكيان من جهد يقرب من معجزة، خاصة و ان الرجلين: فيصل و السعيد خدما سوية في اماكن متفرقة و التقيا على رؤية واحدة كان فيصل فيها رمزا و السعيد منفذا.
كان ملف المياه احد اهم و اعقد و اضخم ملفات السياسية التي علقت برقبة حكومات نوري پاشا، ومع كل اهتمامه بالتنمية على تعدد وجوهها، فأن الزراعة و المياه و التحرك نحو استباق تبدل الحاجات في سياسات الجوار، كانت تشكل قلقا للسعيد و للعراق عموما بأعتباره دولة مصب و بأعتبار ان دول المنبع تعرف معنى الدخول في اتفاقيات معه فأكتفت بالتفاهمات.
قال وزير الخارجية السعودي الراحل سعود الفيصل يوما: هناك دول تبيع البترول و دول تبيع الكلام. و اضيف لكلامه ان هناك دول تبيع الماء ان لم يكن بالنقد فبمقايضة بسلع او بمواقف.
بناء الدول ينطلق من تجربة و دراسة، تجربة ثرة و دراسة ضخمة قابلة للتنفيذ مفيدة، و اخذ تجارب الناجين في تخليق الواقع من شبه عدم او انطفاء او ركود الى الافضل ليس سبة و لا امرا غير مشرف، اما مخالفة ذلك او الاكتفاء بوساطات للضغط فلن تجلب الا تراجعا في البنى و الاركان الداخلية و ذلك يعني نموا سريعا للهزال و امتدادا لليد بالحاجة.
مقال نشر في صحيفة الزمان