• Friday, 21 June 2024
logo

الباحث والمحلل السياسي العراقي وائل الركابي: ولا استبعد أن تتكرر تجربة إقليم كوردستان ذاتها في محافظات وأجزاء أخرى من العراق

الباحث والمحلل السياسي العراقي وائل الركابي: ولا استبعد أن تتكرر تجربة إقليم كوردستان ذاتها في محافظات وأجزاء أخرى من العراق

وائل الركابي باحث ومحلل سياسي متخصص في تفاصيل العملية السياسية في العراق، وفي مجال العمل السياسي يعتبر الركابي من الشخصيات له حضور دائم في الندوات و القنوات الأعلامية الكوردستانية والعراقية، يتحدث عن القضايا الحساسة بكل صراحة وجدية،  وفي المجال السياسي انه  أكثر السياسيين تأثيرا في العراق وهو مقرب من أطراف تحالف الأطار التنسيقي الشيعي،  والأطار التنسيقي هو جزء أساسي من التحالف الذي يدير الدولة والذي شكلته حكومة الدكتور محمد شياع السوداني وقد تحدث بصراحة شديدة حول هذه القضية وبالتالي قدم آراءه ومقترحاته كالأتي..

احيي قسم الثقافة والإعلام في المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني على دعوته لهذه النخبة المتنوعة لمناقشة هذه القضية المهمة(اقليم كوردستان من منظور الدولة الاتحادية العراقية)، لنتحاور في هذا الموضوع بكل صراحة.

قبل أن اتحدث عن موضوع هذا الحوار، أريد أن أعود إلى التاريخ قبل سقوط النظام السابق عام 2003، أي أقصد العودة إلى الانتفاضات التي بدأت في إقليم كوردستان والمحافظات الجنوبية من العراق في عام 1991. كنا نعتقد  انه الأمر الواقع بسبب قرار مجلس الأمن الدولي الذي حدد الخط 36 كمنطقة ملاذ آمن وحظر الطيران لكوردستان، ثم تم تخصيص الخط 32 كمنطقة حظر طيران للمحافظات الجنوبية من العراق، وكنا نأمل أن يصبح إقليم كوردستان منطقة سلمية فوق الخط 36 ومن ثم تصبح المنطقة الحالية منطقة سلمية أسفل الخط 32 في الجنوب. لكن ما تم تنفيذه في إقليم كوردستان، ولم يسمحوا لجنوب العراق بأن تصبح منطقة الحظر الجوي تحت الخط 32 أمراً واقعاً، ما أريد قوله هو أنه لا أحد لديه مشكلة مع وجود إقليم كوردستان في إطار الدولة الفدرالية العراقية، ان اقليم كوردستان اقليم حقيقي في إطار هذه الدولة وأقره دستور عام 2005.

والسؤال هنا هو: ما هو مصدر الأشكالية بين إقليم كوردستان والحكومة الاتحادية؟ إن الإجابة عن هذا السؤال تتطلب الوقوف وإعادة تقييم العملية السياسية في العراق بعد عام 2003، عندما انهار النظام العراقي السابق وبدأت الخطوات لبناء العراق الجديد.

وكانت الخطوة الأولى بعد عام 2003 عبارة عن كيفية  اتفاق الأطراف السياسية العراقية التي كانت تمثل جميع المكونات العراقية على كتابة دستور ليعيد تعريف بنية العراق الجديد باعتباره “دولة فيدرالية”. ونجحت الأحزاب السياسية العراقية في صياغة دستور ثم صوت الشعب العراقي على الاعتراف بأن إقليم كوردستان إقليم في اطار الدولة الاتحادية العراقية- مما يعني أن دستور 2005 يعترف بإقليم كوردستان إقليماً دستورياً  في اطار الدولة العراقية.

إذاً مشكلتنا ليست في مواد هذا الدستور، بل هي في تفسير وكيفية تطبيق مواد وأحكام هذا الدستور، لنتحدث اخوتي بكل صراحة، عندما ننظر الى بعض مواد الدستور نجد هناك أكثر من تفسير، ولكن رغم كل هذا، هو دستور قائم بذاته وصوت عليه الشعب العراقي، وعلينا الألتزام به.

ومن هنا، عندما نريد أن نتحدث عن إقليم كوردستان في ضوء مواد هذا الدستور، يجب انْ نناقش هذه المسألة من هاتين الرؤيتين:

الرؤية الأولى:  هي الرؤية الدستورية للإقليم، والتي لا يمكن لأحد أن يقف ضدها أو يتحدث خلافها، وهي ان “الجميع متفق على أن إقليم كوردستان إقليم دستوري وقانوني بموجب القوانين المعمول بها في دولة العراق الاتحادية.

الرؤية الثانية: وهي مثيرة للجدل بين حكومة إقليم كوردستان والحكومة الاتحادية، وهي تنبع من التفسيرات المختلفة لهذه المواد من قبل حكومة إقليم كوردستان والحكومة الاتحادية، وعلى سبيل المثال، ان إقليم كوردستان يفسّر المواد التي  مستوى مطاليبها مرتفع للغاية، وفي المقابل  فإن الحكومة الاتحادية يخشى أنه في حال تلبية مطالب الأقليم هذه، فإنه سيكون من الصعب جداً عليها السيطرة على أوضاع الدولة والحفاظ على وحدة العراق.

والسؤال هنا هو هل مطالب الاقليم مشروعة أم لا؟. أعتقد أن الإجابة عن هذا السؤال بحاجة الى الكثير من التفاصيل، هذه المشكلة قائمة بين إقليم كوردستان والحكومة الاتحادية منذ 20 عاماً، وقد لا أتمكن من الإجابة عن هذا السؤال خلال 10-15 دقيقة من وقت هذه الحوار، ولكن تكمن هنا نقطة التفاؤل، هو أن هناك على الأقل قناعة لدى الجانبين بأن وجود المشكلات والخلافات لا يعني أننا وصلنا إلى طريق مسدود، بل هناك استعداد للحوار من قبل الجانبين، وهذه نقطة مهمة جداً.

وبسبب علاقتي الوثيقة والقوية مع الإخوة في الأحزاب السياسية العراقية، وخاصة مع الأخوة في الأطار التنسيقي الشيعي، انا على يقين أن الإخوة في الائتلاف الشيعي جادون في حل المشكلات العالقة بين الأقليم والحكومة الأتحادية، لذلك عندما تحل هذه المشكلات، حينها يتضح لجميع العراقيين ان وجود إقليم كوردستان ضرورة قائمة لنجاح الدولة الفدرالية العراقية ولا استبعد أن تتكرر تجربة إقليم كوردستان ذاتها في محافظات وأجزاء أخرى من العراق، بدأت الحكومة بحل القضايا بين إقليم كوردستان والحكومة الاتحادية، ولذلك فإن مسألة فهم حاجة إقليم كوردستان للدولة الاتحادية العراقية تبدأ من حل القضايا بين إقليم كوردستان والحكومة الاتحادية.

قد يتوارد الى اسماعنا أحياناً أن بعض المحافظات العراقية تطالب بإنشاء إقاليم، لكني كنت أقول لهم دائماً أيها الإخوة، نحن لدينا إقليم واحد فقط، وهو "إقليم كوردستان"، الذي لم نتمكن منذ 20 عاماً من حل مشاكله، واذا ما تم انشاء اقاليم اخرى في العراق،  فإن هذه الخطوة لن تخدم العملية السياسية فحسب، بل ستقودنا إلى مزيد من الفوضى.

وعلى هذه الخلفية من المهم ان نتحاور حول هذه القضية الحساسة، ونطرح الواقع كما هو، وفي نفس الوقت نراعي آراء الشارع لكلا الطرفين، على سبيل المثال، عندما يتعلق الأمر بتلبية مطالب الأقليم، فإن بعض العراقيين "لا اقول كلهم" يعتقدون ان هذه المطالب اكثر من مستحقات وحقوق الأقليم. ويرتبط هذا الأمر بحقيقة أن معظم العراقيين ما زالوا غير راغبين في تطبيق مفهوم اللامركزية، أو لايهمهم تطبيق نظام اللامركزية، وكما أشار الإخوة في هذا الحوار، فإننا لم نتوصل بعد إلى تفسير مشترك للمواد الدستورية من أجل ترتيب العلاقات بين إقليم كوردستان والحكومة الاتحادية في ضوء تلك المواد الدستورية.

ولذلك أود أن أؤكد مرة أخرى أننا بحاجة إلى حوار مباشر وصريح، وأنا من الذين يدعون باستمرار إلى الحوارعبر المؤتمرات والقنوات في كوردستان والعراق، بعد زيارة السيد نيجيرفان بارزاني إلى بغداد هذه، هي بالفعل دعوة حقيقية لتقريب وجهات النظر بين مختلف السياسيين وتعزيز العلاقات بين إقليم كوردستان والحكومة الاتحادية،  أنا لا أعتقد أن إقليم كوردستان يريد أن تكون هناك فجوة بينه وبين الحكومة الاتحادية، بل يرغب في تقليص تلك الفجوات وتحجيمها، كما يرغب في حل جميع المسائل العالقة مع الحكومة الأتحادية، وهذا يعني أن مرحلتنا القادمة ستكون مرحلة الاستقرار في الإقليم وفي الحكومة الاتحادية.

لا أقصد في الأستقرار، الاستقرار الأمني فحسب، بل أيضاً الاستقرار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي وما إلى ذلك، ولن تتحقق كل هذه الأنواع من الاستقرار دون التقارب واتخاذ الخطوات اللازمة لحل الخلافات، ولهذا ستكون لدينا نظرة تقديرية وإيجابية للغاية لإقليم كوردستان من قبل الحكومة الفدرالية، وفي الوقت نفسه، هناك نظرة إيجابية ومقدرة للحكومة الفدرالية.

ما أريد أن أشير إليه في هذه الفترة القصيرة من الوقت، هو أنه لا ينبغي لنا أن نلقي بمسؤولية كل تلك المشكلات على طرف واحد ونستبعد الطرف الآخر، وهذه مسؤولية مشتركة، وانا كمراقب سياسي يجوز ان القي المسؤولية في بعض المسائل على عاتق الحكومة الفدرالية، ولكن في قضايا أخرى تقع المسؤولية برأيي على عاتق إقليم كوردستان، لذا فإن هذه القضايا بحاجة إلى مزيد من الحوار والتفاوض. في الواقع، لا يمكن ان تكون لنا خلافات حول تنفيذ الدستور حيث شاركنا جميعاً في صياغته وقد وافقنا عليه أو لانستطيع تنفيذها، نحن بحاجة إلى الوساطة الآن، تلك الوساطة هي المحكمة الأتحادية، ويرى البعض أن المحكمة نفسها هي مصدر بعض المشكلات،  أما إذا لم يتوصل طرفا النزاع إلى نتيجة من خلال المفاوضات، فيجب عليهما اللجوء إلى طرف ثالث ليحسم تفسير المادة الدستورية، وفي النهاية يجب أن يوافق الجميع على هذا التفسير.

النقطة الأخيرة التي تمت الأشارة اليها في هذا الحوار، وأريد التعليق عليها، هي الحديث عن قيام الدولة الكوردية أريد أن أقول: أيها الإخوة، النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية لا يسمح بالانفصال وانشاء الدول المستقلة، إلا في حالة واحدة، وهي ان تلك الأمة تتعرض للأبادة الجماعية، وقد يستجيب المجتمع الدولي في هذا الأمر لهذه الأمة ويفعل لها شيئاً، ولكن في العراق الحالي، فإن إقليم كوردستان إقليم معترف به دستورياً، وله حكومته وبرلمانه ومؤسساته، ولا يتعرض لتهديد من أي طرف، ولذلك فإن المطالبة بالدولة المستقلة هي رفع سقف الطلب إلى مستوى غير مقبول لدى المجتمع الدولي.  لقد رأينا كيف رفض العالم كله استفتاء إقليم كوردستان، اطرح هذا الموضوع بصراحة ادق، لو كان النظام الدولي قد سمح بإقامة دولة مستقلة، لكان بعد انتفاضة عام 1991 في المحافظات الجنوبية للعراق،  وسمح للمحافظات الجنوبية للعراق لتصبح دولة للشيعة، وأنتم تعلمون أن الشيعة هم الأغلبية، لكن ليس هذا فقط، لم يسمحوا لنا بإنشاء منطقة تحت خط 32 مثل إقليم كوردستان، وأود ان اقول في الختام إن الخطوات المتخذة لحل القضايا بين إقليم كوردستان والحكومة الاتحادية هي خطوات جدية، فالعراق هو مصيرنا المشترك ويمكننا أن نبني معاً مصيراً مشرقاً.

 

Top