مخلد حازم خبير ومختص في الشؤون الأمنية والاستراتيجية:مع سقوط نظام الأسد، انتهى مشروع "الحزام والطريق" الصيني الروسی
مخلد حازم خبير ومختص في الشؤون الأمنية والاستراتيجية المستشار الأمني والقانوني في الحكومة العراقية، وهو أحد الباحثين والمحللين السياسيين الذين يتحدثون بصراحة تامة عن القضايا الحساسة في العراق والمنطقة على القنوات التلفزيونية لأقليم كوردستان وشاشات التلفزيون العراقية والقنوات العربية العالمية، في هذا الحوار،" التأثيرات السياسية لسقوط نظام الأسد وعواقبه على اقليم كوردستان والعراق"، وقف بالتفصيل على جذور المشكلات في المنطقة وحدد التوجهات، وأشار إلى الاتجاهات التي تريد القوى العظمى تنفيذها في هذه المنطقة وتغيير خارطة المنطقة بأكملها، ثم طرح أراءه ومقترحاته على النحو الآتي:
نشكر قسم الثقافة والإعلام في الحزب الديمقراطي الكردستاني على تنظيم هذا الحوار وجمع هذه النخبة السياسية لمناقشة مسألة مهمة: " التأثيرات السياسية لسقوط نظام الأسد وعواقبه على اقليم كوردستان والعراق"، دعونا نناقش الأمر بالتفصيل.
للحديث عن هذه المسألة المهمة، لا بد من النظر بشكل أعمق إلى التغيرات التي طرأت على منطقة الشرق الأوسط، وبالأساس هي “المشكلات والصراعات المصالحية”، بين القطبين الكبيرين، وهما«القطب الأميركي وحلفائه»، وكذلك "القطب الروسي وحلفائه".
بدأ هذا الصراع مع بداية "الربيع العربي" عام 2010، لقد انتهت اتفاقية سايكس بيكو، والآن ظهر مشروع جديد لمستقبل الشرق الأوسط ويطلق عليه "مشروع الشرق الأوسط الجديد".
وبدون شك كما أن اتفاقية سايكس بيكو قسّمتْ في اطار اتفاق القوى العظمى الأباطرة إلى عدة دويلات وقد وفُرض ذلك على شعوب المنطقة، كذلك نحن اليوم أمام مشهد آخر هو «مشروع الشرق الأوسط الجديد» الذي يقسم الدول فيما بينها، بمعنى أن أساس مشروع الشرق الجديد هو إعادة إعمار دول المنطقة على أساس بناء النظام الفيدرالي.
إن إنشاء النظام الفيدرالي يعني أن الدول التي تسمى الآن دول "الحرب" وأصبحت عقبات أمام قضايا "الطاقة ومصادر الطاقة وطرق تصدير الطاقة، أصبحت مشكلة لسواحل تعيق التبادل التجاري والنمو الأقتصادي". ويجب أن تكون هذه الدول محدودة النفوذ في إطار الفيدرالية، وهذا يقودنا إلى القول إن الصراع ليس بالدرجة الأولى حول أيهما أفضل أو أسوء، ولكن من سيهيمن على قطاع الطاقة في المستقبل". في بداية اندلاع الحرب في المنطقة، بلاشك ما حدث في غزة ولبنان كان كله مدروساً ومخططاً له، وما حدث في سوريا كان مدروساً ومخططاً له ايضاً.
أساس هذه القضية هو الخارطة التي رفعها رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في الأمم المتحدة، والتي وصف فيها عددا من الدول بأنها مصدر حرب "ذات النقمة"، وكان يقصد بذلك هذه الدول، هي التي عطلت المشاريع المستقبلية للدول العظمى في المنطقة.
ولم تخض إسرائيل هذه الحرب بمفردها، بل حظيت بدعم الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي ودول عظمى أخرى في المنطقة، وكان الهدف من الدعم وقف مصالح روسيا القطب والصين في المنطقة ومنعهما من الهيمنة على طاقة المنطقة.
قطبا روسيا والصين لديهما مشروع "الحزام والطريق" للمنطقة، بينما لدى الولايات المتحدة وحلفائها مشروع "الطريق الأخضر" وهذا الطريق يربط الهند والسعودية والأردن وإسرائيل مع بعضها البعض الى سواحل بحر الأبيض المتوسط، لقد حطّم سقوط نظام بشار الأسد اليوم أهم ركائز الهيمنة الإيرانية على المنطقة، وكذلك مشروع "الحزام والطريق".
ان مشروع إيران لإنشاء هلال شيعي الذي كانت تعمل عليه مستمر منذ عام 1991 "بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية" في إطار نظرية أم القرى ووفق هذه النظرية إن ايران لا تريد الدخول في حرب مباشرة مع أي دولة أخرى. وتحقيقاً لهذه الغاية، اتخذت خطوات لخلق العوائق لنفسها في إطار عقيدة "الدولة الفقهية"، وهي عقيدة عابرة للحدود لن تستقر في مكان واحد، وستنتقل إلى الأماكن التي تقصدها الجمهورية الأسلامية. وعملت الجمهورية الإسلامية على إقامة ثلاثة محاور: العراق وسوريا ولبنان، ولم تأت لتقوية هذه الدول، بل لتقوية الجماعات التي تؤمن بعقيدة "ولاية الفقيه". إن ما حدث لقوات حزب الله والهزيمة التي تلقتها، ألغى مشروعاً إيرانياً يعمل عليه منذ أكثر من 40 عاماً.
ومع سقوط نظام الأسد، انتهى مشروع "الحزام والطريق" الصيني الروسي، وبالمثل اختفى نفوذ إيران في المنطقة. وبلاشك لعبت الأيدي الأجنبية دوراً في سقوط الأسد وصعود مقاتلي هيئة تحرير الشام في دمشق إلى السلطة، وسبق أن عملت تركيا على تشكيل حكومة في إدلب، لكن المشكلة هنا هي ان أحمد الشرع رئيس هيئة تحرير الشام واقع في فخ لا يستطيع الخروج منه، وذلم بأنه إذا خرج واتخذ اتجاهاً آخر قد يتعرض للاغتيال، وسيواجه نفس مصير أبو بكر البغدادي وغيره من قادة القاعدة الإرهابيين.
وفي هذا الاطار، اذا ما لاحظنا انّ الولايات المتحدة لا تزال تدرس ما إذا كان سيتم رفع اسم أحمد الشرع من قائمة الإرهاب أم لا، وإسرائيل تشعر بالقلق من هذا الموضوع وترغب في معرفة ما الذي سينتج عن هذه التغييرات وكيف سيتصرف النظام السوري المستقبلي؟
ولعبت تركيا دوراً كبيراً في دعم مقاتلي هيئة تحري الشام، لأنها كانت تخشى من إنشاء "منطقة فيدرالية للكورد السوريين". وترى أن وجود إقليم كوردستان آخر في سوريا إلى جانب إقليم كوردستان في العراق سيخلق الظروف الملائمة لتكرار التجربة نفسها في إيران وتركيا، وفتح ممر مائي للكورد، وإقامة كوردستان الكبرى في نهاية المطاف. . ولأزالة على هذا التهديد فقد وصلت قوات هيئة تحرير الشام بشكل مفاجئ إلى منبج ، ومن المتوقع أن تتقدم إلى أماكن أخرى، والهدف من هذا التقدم هو منع المدينة والقرى الكوردية السورية من الأرتباط بعضها للبعض.
وفيما يتعلق بالتهديد بوقوع اشتباكات بين قوات سوريا الديمقراطية ومقاتلي هيئة تحرير الشام، فإن الولايات المتحدة تتواجد في هذه المناطق وتسيطر بشكل كامل على حقول النفط "عمر، كونيكو، ديرالزور" ولا تسمح للقوات السورية تجاوز أساس لعبة الحرب.
في هذا الأطار فأن تركيا لديها اتفاق مع الولايات المتحدة بعدم السماح بإعلان دولة في المناطق الكوردية ابداً، لكن الولايات المتحدة قد تدعم ذلك في المستقبل وذلك بمنح الحكم الذاتي للكورد السوريين. كما أنهم لن يسمحوا بإنشاء إقليم مثل إقليم كوردستان في العراق، وكذلك في سوريا، لأنه كما اشرت اليه سابقاً، هذه لعبة القوى العظمى التي لا تريد توحيد أجزاء كوردستان الأربعة.
وفيما يتعلق بتأثير هذه التغييرات على مستقبل إقليم كوردستان، فإن وجهة نظري هي أن مشروع الشرق الأوسط الجديد، تغيير الخارطة السياسية للمنطقة، لن يكون له أي تأثير على مستقبل إقليم كوردستان. والإقليم هو خارج خارطة التي في طريقها الى مستقبل الشرق الأوسط.
أما بالنسبة للعراق فإن النظام السياسي العراقي سيكون آمناً لأنه نظامٌ شاركت الولايات المتحدة في تأسيسه، لكن هناك مشكلة في العراق وهي مشكلة الجماعات المسلحة "فصائل المقاومة". وهؤلاء يعتبرون تبعية إيرانية، لذا يجب على الحكومة العراقية أن تتعامل معها بقرار للقضاء على هذا التهديد.
وربما تكون هناك بعض الأحداث في الأيام المقبلة لم نتوقعها من قبل، لأن التغيرات التي تشهدها المنطقة سريعة للغاية ولا يمكن التنبؤ بها.