رياح التغيير القادمة من الغرب
مؤيد رشيد
دمشق و بغداد عاصمتي الخلافة الأموية و العباسية وقبلتا أنظار العالم الإسلامي والحضارة الإنسانية، حيث كان يعيش الناس من كافة الأديان والقوميات جنبا إلى جنب، وهو مظهر حضاري إنساني يمثل مفهوم الكوزموبوليتانية بمفهومها الحالي أو ما يشبه مصطلح العولمة في القرن الواحد والعشرين ..
كان ذلك زمنا مضى قبل عدة قرون ..
تزداد التكهنات اليوم حول مستقبل العراق تصاعديا مع تنامي الأمل وقرب اليقين بالخلاص من النفوذ الفارسي ..
ولكن وما نيل المطالب بالتمني ..
- ليس هناك قواعد ثابتة في السياسة فالمصالح تحكم و دوما،
- لقد كشفت المسرحية الهزلية للهجمات الصاروخية المتبادلة بين إسرائيل و إيران مدى حقيقة الخصومة ينهما والتي كانت مدعاة للسخرية و التندر حول العالم ..
- الحكم في العراق يتشارك فيه الأمريكان والإيرانيين منذ
الغزو عام ٢٠٠٣ وهذه حقيقة ثابتة ..
-الإيرانيون لم يأتوا إلى سوريا على ظهور الدبابات الأمريكية، فلكل بلد خصوصيته في متغيرات السياسة و المصالح،
الإيرانيون هم اصبحوا الأعداء في سوريا، لكنهم حلفاء شركاء في العراق مع الأمريكان، لذلك لا تتفق مصالح أمريكا مع إنهاء نفوذهم في العراق ولكنه تتفق في القضاء عليه في سوريا ..
-في سوريا هناك شركاء ورعاة إقليميين ودوليين وفروا الغطاء اللازم للتغيير، في المقابل على الأرض كانت هناك مجموعات قوى مسلحة ومتمردين ومعارضين للنظام وكانوا منظمين وجاهزين لتنفيذ التغيير المطلوب.. بمعنى آخر، التغيير على الأرض كان على عاتق قوى منظمة و مدربة ولها خبرة وتمويل و إسناد وهم متواجدون فعليا داخل سوريا وغالبيتهم من السوريين، فالتغيير لم يأتي من خارج الحدود كما حصل عند غزو العراق في ٢٠٠٣ ومن قبلها في عاصفة الصحراء و تحرير الكويت عام ١٩٩١ ..
في العراق لا توجد مثل هذه القوى المنظمة و المعارضة للنفوذ الإيراني من العراقيين داخل العراق للقيام بالتنفيذ لأجل التغيير وطرد النفوذ الإيراني، كما لا يوجد اهتمام مماثل او مصلحة مباشرة في التغيير من قبل قوى إقليمية مثل تركيا وإسرائيل وقطر وتحت مظلة ورغاية دولية ومثلما كانت متوفرة في سوريا ..
نتيجة لكل ذلك ربما سيصاب غالبية العراقيين بخيبة أمل كبيرة في التغيير، ولكن تبقى الآمال معلقة على مجيء ترامب بداية ٢٠٢٥ ..
من خلال التسريبات الإعلامية والتكهنات حول التهديد الامريكي للحكومة العراقية بوجوب حل الحشد الشعبي والمليشيات الأخرى والتابعة تنظيميا للحرس الثوري الإيراني مع نزع سلاحها ودمجها في الجيش وقوى الأمن الوطني، هو في حقيقته ليس حلا بل هو تحايل على الشعب وكما يقول المثل ( وَعَرَّفَ الماءَ بعدَ الجهدِ بالماءِ ).، فهذا الأمر إذا ما حدث فعلا فهو مجرد نوع ساذج من تبادل الأدوار وتغيير للوجوه شكلي وليس وجودي ..
ربما قد يتطور الوضع بعد مجيء ترامب إلى استهداف قيادات ومقرات وخلايا في تكرار مماثل لسيناريو تصفية المهندس وسليماني مطلع يناير ٢٠٢٠، وهذا بطبيعة الحال هو مجرد تغيير للوجوه ليس إلا، فالنفوذ الإيراني في العراق هو حالة وجودية وليست حالة مؤقتة وطارئة، فالعراق بثرواته الكبيرة يعتبر رافدا مهما الاقتصاد الإيراني وعمق سياسي جغرافي مهم قرب دول الخليج العربي الغنية.
وحتى مثل هذه التصفيات إن حصلت لبعض قيادات ومقرات تلك المليشيات فهي لن تؤثر على حقيقة واقع الهيمنة الإيرانية في العراق..
كل هذا السيناريو الذي نتصوره في محصلته النهائية ما هو سوى عملية كسب المزيد من الأوراق للتفاوض لكلا الطرفين إيران وأمريكا..
لقد أعطى أوباما من خلال الاتفاق النووي ٥+١ عام ٢٠١٥ الحق لإيران للدخول إلى النادي الذري الدولي (كارت بلانش) ولو كان مؤجلا أو بعد حين، ولا توجد لدينا منذ ذلك التاريخ أي مؤشرات ملموسة وحقيقية للتنصل عنه أو طرد إيران من ذلك الاتفاق سوى رغبة ترامب الشخصية في ذلك الاتجاه، ورغم ذلك فهو لم يستطع عمل شيء سوى فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية على نظام الملالي ..
إذن فالمشروع الإيراني بمشاركة أمريكا في العراق هو مشروع لازال قائما وقويا رغم كل المظاهر المسرحية والهزلية التي نراها من خلال سيناريو مكتوب ومتفق عليه، هو في جوهره إعادة ترتيب وتنظيم لتقاسم المصالح والنفوذ داخل العراق .. وسلاح إيران النووي حسب بعض المراكز الدراسات في اطراد تقدمه المزعوم هو لا يخيف إسرائيل بل ربما يكون مكملا موازيا لهيمنتها وتوسعها في المنطقة وهو رأي له مبررات كثيرة منذ مجيء الخميني محمولا على طائرة فرنسية ليقود إيران، ولكن لا شيء ثابت في السياسة سوى المصالح، وما سيحدث في العراق في الفترة القادمة سيبين للجميع جدية تلك العلاقة التاريخية بين اليهود والفرس..
إسرائيل تتوسع، و التصريح الخطير للمهذار ترامب بأن مساحة إسرائيل صغيرة ويجب أن تتوسع جغرافيا هو في حقيقته تصريح يتجاوز استمالة إسرائيل أو محاباتها لأغراض سياسية، ومؤشرات ذلك بدأت في الظهور الفعلي على الأرض في غزة و جنوب لبنان و سوريا والقادم مجهول ..
في نهاية اليوم لا أحد ممكن أن يدعي علما بما سيحدث مستقبلا أو غدا من أحداث أو تغييرات على حجم النفوذ الإيراني داخل العراق،
ولكن الشيء المؤكد أن المتغيرات الإقليمية و الدولية قد تغيرت اتجاهات رياح مصالحها نحو واقع جيوسياسي جديد بدأ يرسم ملامحه، وهو واقع مختلف نتيجة لتقاطع الكثير من المصالح والتي كانت ولغاية الأمس القريب متنافرة ومتضاربة ..
باسنيوز