• Sunday, 02 February 2025
logo

بغداد وأربيل.. جدلية الحقوق والالتزامات

بغداد وأربيل.. جدلية الحقوق والالتزامات

جليل ابراهيم المندلاوي

 

تبدو العلاقة بين بغداد وأربيل بأنها تسير وفق نمط متكرر وكأنها تدور في حلقة مفرغة من الأزمات الدورية التي تتفاقم مع مرور الوقت، فرغم الاتفاقات المتكررة والتعهدات السياسية تتجلى في قلب هذه الأزمات قضايا الموازنة، والرواتب، وتصدير النفط، كعناوين رئيسية للخلاف المستمر، إلا أن الملف المالي، وتحديداً مسألة الرواتب وحصة إقليم كوردستان في الموازنة، يبقى الأكثر تأزما، وأحد الملفات الأكثر حساسية وتعقيدا في المشهد السياسي، وهو ما تجلى مجددا في الأيام الأخيرة من خلال "حرب البيانات" بين وزارة المالية الاتحادية وحكومة إقليم كوردستان، والذي ينعكس مباشرة على حياة المواطنين في إقليم كوردستان، ويؤثر على الاستقرار الاقتصادي في العراق بأكمله، فمن جهة، ترى حكومة بغداد أن المخصصات المالية للإقليم يجب أن تخضع لضوابط صارمة، فيما تؤكد حكومة إقليم كوردستان أن حقوقها الدستورية تضمن حصولها على حصتها المالية، دون أن يكون ذلك مشروطاً بقرارات أحادية من بغداد، خاصة في ظل غياب آلية واضحة لتنفيذ الاتفاقات المالية.

وفي ظل هذه التجاذبات، دخلت الولايات المتحدة على خط الأزمة، لتعكس قلقا دوليا من تأثير الخلافات المالية على الاستقرار العراقي، وتثير أيضا تساؤلات حول مدى قدرة بغداد وأربيل على حل خلافاتهما داخليا، دون الحاجة إلى وساطات خارجية، فالتدخل الدولي ليس جديدا في هذا الملف، فقد شهدت السنوات الماضية العديد من المبادرات التي سعت إلى تقريب وجهات النظر، إلا أن الحلول غالبا ما كانت مؤقتة، ولم تؤسس لمعالجة جذرية للمشكلة، ما جعل الأزمات تتجدد مع كل موازنة جديدة، ودعت واشنطن البرلمان العراقي إلى تمرير الموازنة الاتحادية لضمان الاستقرار المالي، وتسريع الاتفاق بشأن إنتاج نفط كوردستان، وهو ما دفع مجلس النواب إلى إضافة فقرة تعديل الموازنة إلى جدول أعماله، في محاولة لتهدئة التوتر.
إلى جانب الموازنة، يشكل ملف النفط عاملا رئيسيا في الصراع بين أربيل وبغداد، حيث يمثل مصدر دخل أساسي للإقليم، ويعد جزءا من المعادلة الاقتصادية الوطنية، وقد توصل الطرفان إلى اتفاقات عدة في السابق بشأن تصدير النفط، لكن تنفيذها غالبا ما كان يواجه عراقيل سياسية وتقنية، سواء بسبب تراجع بغداد عن الالتزامات، أو بسبب تعقيدات داخلية في إدارة الملف النفطي، وآخر تلك التطورات كان الاتفاق المبدئي على إجراء تعديلات تتيح تصدير نفط الإقليم، لكن تراجع بغداد عن تلك التعديلات وضع مستقبل تصدير النفط في مهب الريح، ما يفاقم الأزمة الاقتصادية ويؤثر سلبا على الموظفين والمستثمرين في كوردستان.

في ظل هذه التحديات، جاء موقف رئيس حكومة إقليم كوردستان، مسرور بارزاني، ليؤكد على أن كوردستان لن تقبل بسياسات التهميش أو التعامل غير العادل، حيث صرح قائلاً: "علينا جميعا أن نكون ممثلين حقيقيين لشعب كوردستان وندافع عن حقوقه الدستورية والمالية، ولن نقبل بأن يُعامل الإقليم بطريقة ظالمة."
هذا التصريحات تعكس حجم الاستياء في كوردستان من السياسات المالية لبغداد، كما يرسل رسالة واضحة بأن الإقليم لن يقبل بتسويات مؤقتة أو حلول غير عادلة، بل يسعى إلى اتفاق مستدام يضمن حقوقه كاملة، خاصة أن تأخير تنفيذ الموازنة يزيد من حالة انعدام الثقة بين الطرفين، ويهدد بتداعيات اقتصادية واستثمارية خطيرة، في وقت يحذر فيه خبراء ماليون من أن استمرار هذا النهج قد يؤدي إلى انهيار الاستقرار المالي في العراق ككل.

مع استمرار الخلافات، تبقى الخيارات مفتوحة أمام بغداد وأربيل، فإما التوجه نحو تفاهمات جديدة قائمة على الالتزام المتبادل، أو الدخول في مرحلة جديدة من التصعيد السياسي والاقتصادي، قد تكون لها تداعيات خطيرة على الاستقرار في العراق، ففي ظل هذه التحديات، فإن الحل لا يكمن فقط في التعديلات القانونية أو الاتفاقات السياسية قصيرة الأمد، بل في تطبيق الدستور العراقي بشكل عادل ومتوازن، بما يضمن حقوق جميع المكونات دون تمييز، فالتزام إقليم كوردستان بالقوانين المالية والموازنة يجب أن يقابله التزام حكومي اتحادي بصرف المستحقات في مواعيدها، بعيدا عن الحسابات السياسية الضيقة، لذا فإن الحل الأمثل يجب أن يكون قائما على تفعيل الدستور كمرجعية نهائية لحسم جميع القضايا المالية بين الطرفين، مع وضع آلية شفافة لتنفيذ الاتفاقات، تضمن حقوق موظفي الإقليم، وتجنبهم أن يكونوا ضحايا للتجاذبات السياسية الموسمية، وضمان تحقيق العدالة المالية لتعزيز الاستقرار الاقتصادي لإقليم كوردستان والعراق ككل، فشعب كوردستان، الذي يساهم في بناء العراق اقتصاديا وسياسيا، والذي قدم الكثير للعراق، يستحق أن يُعامل بعدالة، بعيدا عن الحسابات السياسية الضيقة ولا يستحق أن يكون ضحية لهذه الصراعات المستمرة، فالوصول إلى حل عادل ومستدام لا يجب أن يكون خيارا، بل ضرورة وطنية تفرضها مصلحة الجميع.

 

 

 

كوردستان24

Top