• Friday, 21 June 2024
logo

مؤيد سالم الجحيشي رئيس المعهد العراقي لدعم الفدرالية: الفيدرالية التي أعطيت لإقليم كوردستان لم تعط بمرسوم دولي، بل بمرسوم من الدستور العراقي

مؤيد سالم الجحيشي رئيس المعهد العراقي لدعم الفدرالية: الفيدرالية التي أعطيت لإقليم كوردستان لم تعط بمرسوم دولي، بل بمرسوم من الدستور العراقي

مؤيد سليم الجحيشي هو رئيس المعهد العراقي لدعم الفدرالية، وهو مختص وخبير استراتيجي، وخريج الكلية العسكرية العراقية، باحث وسياسي مستقل. له حضور دائم في الندوات و الحوارات الأعلامية الكوردستانية والعراقية، ومن المحللين السياسيين المستقلين في القضايا الحساسة، وكانت له آراؤه و وجهات نظر خاصة في موضوعنا "إقليم كوردستان منظور الدولة الاتحادية العراقية"  وتحدث عن الموضوع كباحث في تجربة الفدرالية وقدم آراءه ومقترحاته على النحو الآتي:.

بداية، اتقدم بالشكر الى قسم الثقافة والإعلام في المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني على تنظيم هذا الحوار ودعوة جميع ذوي وجهات النظر السياسية التي تشمل كافة المكونات العراقية من الكورد والشيعة والسنة، مما يعني أننا كشعب عراقي يمكننا أن نتحاور بجدية، فالمشكلة ليست بين مكونات الشعب العراقي المختلفة، بل بين الأحزاب والشخصيات السياسية.

اسمحوا لي أن أتحدث بصراحة تامة خارج الإطار المحدد لهذا الحوار، واتحدث  كرئيس لمعهد فدرالي.

المسألة تبدأ من هذه النقطة "ما إذا كانت فدرالية حكومة إقليم كوردستان هي فدرالية قومية أم إدارية؟"

وكان إقليم كوردستان سابقاً يتمتع بالحكم الذاتي، وطلبت الحكومة العراقية من الكورد في ذلك الوقت أن يحكموا أنفسهم في إطار حكمهم الذاتي، وبالتالي فإن وجود الحكم الذاتي يعني أن الكورد أنفسهم قد حكموا أنفسهم، وقد تم حسم هذه المسألة بعد عام 2003 في الدستور العراقي كإقليم فدرالي.

أين مصدر المشكلة بين حكومة إقليم كوردستان والحكومة الاتحادية؟ اعتقد انه عندما تصبح الحكومة الاتحادية ضعيفة، ترى حكومة إقليم كوردستان انها قوية، والعكس صحيح، عندما تصبح الحكومة الأتحادية قوية تتحجج للاقليم وتحاول ان تجد مبررات وتقول لها ان هذه الصلاحية ليست من حقك وسأعطيك هذا ولن أعطيك هذا. وعندما تضعف الحكومة الاتحادية، حينها يرتفع سقف مطالب الإقليم ويقول "استخراج وتصدير النفط، اقتصاد مستقل.. الخ"، كل هذه  هي حقوق وصلاحيات إقليم كوردستان.

وفي هذه المسألة لنعود إلى الدستور الذي كتبناه بأنفسنا، وقد ورد في المادة 112 من هذا الدستور وكما أشار اليه السيد رائد فهمي بالتفصيل، وانا كعربي عندما أقرأ هذه المادة كيف أفهمها، وعلى سبيل المثال جاء" تقوم الحكومة الاتحادية بإدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية" لكنه لم يختم بالقول إنه إذا ماتم استخراج نفط وغاز آخر بعد هذه الحقول، فهل ستتم إدارتها من قبل الحكومة الاتحادية؟ أم من قبل حكومة الأقليم و المحافظات؟.

ولنأتي الى إقليم كوردستان، فقد فسرت الأحزاب السياسية في إقليم كوردستان هذه الفقرة بهذه الطريقة منذ البداية، لأن المادة 112 من الدستور تنص على أنه يجوز ان تديرالحكومة الاتحادية فقط حقول النفط والغاز التي كانت موجودة في عام 2003، وان هذا من حق إقليم كوردستان أن ينتج النفط والغاز بنفسه بموجب هذا الحق الدستوري. ولكنهم تجاهلوا هذا، أن تكون هذه الصلاحية عبر التفاهم بين الإقليم والحكومة الاتحادية، ولكن عندما لم يتم هذا التفاهم، وصلت المشكلة بين الإقليم والحكومة الاتحادية إلى المستوى الذي نراه الآن.

هناك نقطة أخرى مهمة يجب ملاحظتها فيما يتعلق بقطاع النفط والغاز وهي مذكورة في المادة 112 حيث جاء فيها: تقوم الحكومة الاتحادية وحكومات الاقاليم والمحافظات المنتجة معا برسم السياسات الاستراتيجية اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز بما يحقق اعلى منفعة للشعب العراقي معتمدة احدث تقنيات مبادئ السوق وتشجيع الاستثمار ."، لكن بعد أحداث 16 تشرين الأول 2017 في كركوك، رأينا أن الحكومة الاتحادية لم تعمل بهذه المادة الدستورية، وهذه خلقت مشكلة كبيرة وأدى إلى انهيار اقتصاد حكومة إقليم كوردستان، لماذا؟ لأن الحكومة الاتحادية أقوى من إقليم كوردستان، وسابقاً من 2003 إلى 2018، حددت الحكومة الأتحادية حصة إقليم كوردستان و ترسلهاعلى أساس التوافق وليس وفقاً للدستور.

وهذا يعني أن السيد نيجيرفان بارزاني، كان آنذاك رئيساً لوزراء حكومة إقليم كوردستان، لو كان صديقاً لنوري المالكي لأرسل الحصة إلى كوردستان، ولكن على سبيل المثال لو كان لديه خلاف مع حيدر - العبادي لم تكن الحصة تُرسل إلى إقليم كوردستان.

وقد أعطى المشاركون في هذا الحوار مظهراً جميلاً للمناقشات وجَمعنا معاً، يوجد هنا الكثير من ممثلي الأطراف السياسية العراقية، مثلاً"رائد فهمي سكرتير الحزب الشيوعي العراقي، وائل الركابي ممثلاً عن الأحزاب الاسلامية الشيعية، فرهاد الأتروشي ممثلاً عن الحزب الديمقراطي الكوردستاني وأبو كاروان ممثلاً عن الحزب الشيوعي الكوردستاني، وأنا كسياسي عربي سني، يبين لنا هذا الحوار أن المكونات العراقية لا ترفض بعضها البعض، بل على العكس من ذلك، تقبل بعضها البعض وتستطيع التفاوض معاً، وبصراحة أكثر، لا يرفض العرب الكورد، ولايرفض الشيعة السنة،  لذلك دعونا نسأل من أين تأتي هذه المشكلات؟ وهذه المشاكل لاتنشأ بين الشخصيات داخل الأحزاب السياسية، وبصراحة اكثر المشكلة ليست بين حزب الدعوة الإسلامية والحزب الديمقراطي الكوردستاني، أو بين الحزب الشيوعي العراقي والاتحاد الوطني الكوردستاني،لاحظوا اثناء الأنتخابات يدلي المواطن الشيعي صوته لمرشح شيعي، وعكس ذلك يدلي المواطن العربي بصوته لمرشح كوردي والعكس صحيح.

وان شخصنة المشكلات كانت نفسها في عهد حزب البعث، وهذا يعني أن عداء حزب البعث وصدام حسين لم يكن لحزب سياسي بأكمله، وكنا نرى انه كان يصدر عفواً عاماً كل بضع سنوات مرة، لكنه كان يقول لن يشمل فلاناً وفلاناً، كما أصدر ذات مرة عفواً عاماً وقال لن يشمل جلال طالباني.

إذا رجعنا إلى عنوان هذا الحوار، "إقليم كوردستان من منظور دولة العراق الأتحادية"، فإن الفدرالية أمر جيد جدًا ليتم تطبيقه في جميع دول العالم، فأنا كرئيس لمركز أقوم بالتجارب الفدرالية في العالم منذ عام 2017، لم أر ابداً تجربة فدرالية "قومية". وفي 90% من التجارب الفدرالية، تطلب الحكومة الأتحادية من الأقاليم إنشاء أقاليم، وهذه هي إدارة صلاحياتك الاقتصادية والأدارية.

لكن بعد مرور 20 عاماً، جئنا للحديث عن مشاكل والجوانب السلبية للنظام الفدرالي، نتحدث عن كيفية تطبيق هذا النظام بين حكومة إقليم كوردستان والحكومة الاتحادية.

أنا أقيم في هذا الاقليم منذ عام 2009، وغيري من المحافظات الجنوبية يقيمون فيه ايضاً، علينا ان نلاحظ ماذا حققه الاقليم، انه اسس مبانٍ وعمارات سكنية متطورة، الى جانب التطويرالأداري وإدارة الدوائر، وثقافة الترحيب والتعامل مع المواطنين، فرغم كل أوجه القصور، إذا أعطيتك مثالاً: اذا اردتُ تجديد سنوية السيارة في الموصل او بغداد يستغرق من 3-7 ساعات مع كل الواسطات التي عندي،  لكن لا يستغرق ذلك اكثر من ساعتين في اربيل ودهوك، وهذا يعنى انه لديهم ادارة ناجحة، ما نراه في إقليم كوردستان لا يتعلق بالنظام الفيدرالي، بل بتطبيق نفس القوانين التي تطبقها الحكومة الاتحادية، لكن في إقليم كوردستان يتم تطبيقها بشكل منظم،  ولا يتم ذلك  في الوسط والجنوب.

ومنذ عام 2003، ولغاية اليوم تحاول الأحزاب السياسية في اقليم كوردستان تحقيق مستوى كما تمت الأشارة اليه الى ما يسمى الكونفدرالية، وهو ما لم تقبله المحافظات والأحزاب العراقية الأخرى، علاوة على ذلك، هناك أحزاب سياسية في إقليم كوردستان لا تقبل  بالكونفدرالية، بل تطالب بدولة كوردية مستقلة.

وهنا عندما نأتي الى العلاقات بين إقليم كوردستان والحكومة الاتحادية، نسأل بغداد هل هناك أي مشكلة بين إقليم كوردستان وبغداد؟ يقولون في الأجابة عن هذا السؤال إنه بغض النظر عما نفعله أو نقدمه لهم، فإنهم سوف يصرون على إقامة دولة كوردية.

سؤال آخر يتعلق بحدود كوردستان، فمن الواضح أن الحزب الديمقراطي الكوردستاني وجميع الكورد القوميين يقولون "كركوك هي قلب كوردستان". انا من اهالي الموصل، لدى اصدقاء كورد كثيرون وقد سألتهم ما معنى "قلب كوردستان"؟ قالوا لي: "حبنا لكركوك يقابل حبنا لكوردستان"، ولذلك، ولأن كركوك تحتوي على النفط، بلاشك انها قلب كوردستان، وكما ينقل القلب الدم إلى جميع أجزاء جسم الإنسان وينظمها، فإن كركوك ستشكل شريان اقتصاد كوردستان.

وفي المقابل ماذا يقول العرب والتركمان في هذا الشأن؟ بالطبع يقولون أن كركوك محافظة عراقية، لكن حتى الآن لم يتمكن أي من تلك المكونات من حسم هوية كركوك لمصلحة مكون واحد.

والآن بعد وجود رئيس وزراء مثقف مثل محمد شياع السوداني، فإنه يرغب في حل جميع المشكلات، ويقول أن هذا هو الدستور وهذا هو القانون رقم 13 لسنة 2008 الذي قام الإقليم على أساسه، ولكن تأكدوا لو سألنا أعضاء وكوادر جميع الأحزاب الكوردستانية عما إذا كانت لديهم  معلومات عن تجربة الفيدرالية في العالم،

الجواب كلا، ولكن ما نريده هي السيادة والميزانية، انا اجبتهم، إن الموضوع ليس هكذا، فالفيدرالية التي أعطيت لإقليم كوردستان لم تعط بمرسوم دولي، بل بمرسوم من الدستور العراقي، مما يعني أن الأحزاب والشخصيات السياسية في العراق اجتمعت وقامت بصياغة مشروع دستور لهذا البلد، ولقد تم الأعتراف بأقليم وهو اقليم كوردستان في اطار هذا الدستور و ضمن حدود معينة. وإذا تم تعديل هذا الدستور بشكل يتم فيه هذا المرسوم الدستوري الذي تأسس بموجبه الإقليم،  فسوف يزول هذا الاقليم من الوجود.

في رأيي أن المشكلة بين إقليم كوردستان والحكومة الاتحادية ليست في الفيدرالية لأن هذه المشكلة تم حسمها في الدستور، وانما المشكلة تكمن في الاقتصاد وعدة قضايا أخرى اهملتم بأنفسكم فيها وقد سمح لكم الدستور لأنجازها. على سبيل المثال، انكم لم تتمكنوا من إعادة تنظيم اقتصادكم، ولم تتمكنوا من كتابة دستور لاقليمكم، لم تتمكنوا من إنشاء لغة موحدة لأنفسكم، كما لم تتمكنوا وضع منهج دراسي لكم، هذه كلها اخطاؤكم، كنتم قادرين على تجاوزها.

وختاماً، آمل أن يصل حوارنا هذا، الذي نجريه في هذه القاعة وداخل هذه الجدران الأربعة، إلى الجماهير وأن يفهموا الحقائق ويتعاملوا مع الواقع الذي يتعامل معه العالم الآن. ومن الأهمية بمكانْ ان يفكر الحزب وجماهير إقليم كوردستان في عدم رفع سقف مطالبهم أكثر من اللازم إلى مستوى الدعوة الى اقامة دولة قومية، ايها الأخوة.. منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية والنظام العالمي يتعامل بطريقة لا تسمح بإقامة دولة قومية، لذا من الأفضل محاولة حل المشكلات في إطار تطبيق الدستور العراقي.

Top