• Friday, 27 September 2024
logo

الكاتب والصحفي علي المگدام لحلقة (الحوار): في حال إقرار هذا التعديل فإنه سيتم إنشاء سلطة تشريعية دينية تكون موازية للبرلمان العراقي

الكاتب والصحفي علي المگدام لحلقة (الحوار):  في حال إقرار هذا التعديل فإنه سيتم إنشاء سلطة تشريعية دينية تكون موازية للبرلمان العراقي

يولي الكاتب والصحفي والناشط الحقوقي الاهتمام بالشؤون العراقية والمساواة بين الجنسين وبالشؤون السياسية، وبعد المشروع المقترح لتعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي، قاموا بتشكيل مجموعة لمعارضة هذا التعديل المقترح بأسم جماعة 188، كإشارة الى الدفاع عن قانون الأحوال الشخصية العراقي المرقم 188 لسنة 1959، وتهدف المجموعة التي تضم ممثلين عن كافة المكونات العراقية إلى خلق إرادة عراقية موحدة لمنع إقرار التعديل بأغلبية أو أقلية في البرلمان العراقي، وفي حوارنا لهذه المرة "تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي وتبعاته"عرض آراءه ومقترحاته على النحو الآتي:

نناقش اليوم موضوعا هاماً وحساساً للغاية بعنوان "تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي وتبعياته" وقد أعدت هذه المجموعة "188" دراسة تشمل كافة الجوانب لمنع اقرار التعديل، وقد حددنا الآثار السلبية لتعديل هذا القانون على الأسرة والمجتمع العراقي وانتهاكات حقوق المرأة والطفل.

 وإذا ألقينا نظرة سريعة على التاريخ نرى أن الشريعة الإسلامية تشير إلى الأمور الشخصية كالزواج والطلاق والانفصال بالاتفاق والولاية والوصاية وغيرها، ومن أصل 6000 آية في القرآن الكريم، تتناول 70 آية الاحكام الشرعية للأحوال الشخصية. وقد ذكر النبي (ص) في الأحاديث أحكام الأحوال الشخصية، ولكن عندما أصبح الإسلام دولة فيما بعد، حدثت تغييرات في الدولة،  استحدثت المؤسسات القضائية وأحكام القضاء الصحيحة، بالإضافة إلى إنشاء عدة مدارس مثل "أهل الرأي" في العراق لأبي بكر حنيفة النعمان  وكذلك مدرسة "أهل الحديث" في الحجاز، تبعتها مذاهب: الحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي والشيعي ووسط كل هذا التنوع الفقهي والتوسع اللاحق للإمبراطورية الإسلامية، أدت الحاجة إلى إدارة الدولة إلى أنْ تتحول الأحكام الشرعية الى قوانين، حتى تتمكن المحاكم الإسلامية من تطبيق الاحكام التي تم تنظيمها كقوانين، وليطّلع الناس على الاحكام التي سيلتزمون بها في الأحوال الشخصية.

فيما يتعلق بقانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959، فقبل صدور هذا القانون، كانت "هيئة التمييز الشيعية الجعفرية" و"هيئة التمييز السنية" تديران الأحوال الشخصية للناس حسب مذاهبهم.

بعد ثورة 14 تموز عام 1959، شكلت وزارة العدل العراقية لجنة من القضاة والفقهاء الدستوريين ضمت عبد الله البستاني، حسين محي الدين، محمود خالص، حسين جميل، عبد الله عكيلي، قامت اللجنة بناء على إجماع احكام الشريعة الإسلامية في المذاهب بصياغة لائحة الأحوال الشخصية. التي تحولت فيما بعد الى القانون رقم 188 لسنة 1959، وهذا يعني أن هذا القانون صدر في ضوء أفضل احكام لجميع المذاهب الأسلامية. لقد تم إدخال عدد من التعديلات القاسية للغاية على حقوق المرأة والأسرة بشكل عام في العراق، بسبب ظهور الدكتاتورية والإرهاب.

بعد انتفاضة ربيع عام 1991 وبروز تجربة إقليم كوردستان في التحرر من الدكتاتورية وتأسيس برلمان وحكومة إقليم كوردستان، وافق برلمان إقليم كوردستان على عدد من المقترحات التي تبنتها المنظمات النسائية في الإقليم وطالبت بتعديل قانون الأحوال الشخصية ليتبنى منهجاً حديثاً يتوافق مع الحضارة وحقوق المرأة، وبعد سقوط الدكتاتورية وتأسيس مجلس الحكم، أصدر عبد العزيز الحكيم القرار المرقم 137 الذي دعا إلى رفض قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة ،1959 إلا انّ برلمان كوردستان الذي تُسجل له نقطة مضيئة رفض بالإجماع قرار مجلس الحكم العراقي المرقم 137 مشدداً على أن العراق الجديد يجب أن يكون "دولة قانون ودستور" وألا يُحكم بمنطق الفقه المذهبي.

وفيما يتعلق بمقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية هذه المرة، فإن التعديل يستند على المادة 41 من دستور عام 2005 والتي تنص: العراقيون احرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم وينظم ذلك بقانون"، وورد في المادة 14 من الدستور: "  العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الاصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي ".

ولذلك فإن المادة 14 من الدستور تبطل حكم المادة 41 التي تقضي بالتعديل المقترح لتنظيم الأحوال الشخصية بالفقه الجعفري، ويكون للرجل حق اختيار مذهبه، مما يعني أن الرجل يستطيع فرض مذهبه على المرأة سواء كان الزواج بين السنة والشيعة، أوبين السنة والسنة،أو بين الشيعة والشيعة.

وهذا الواقع يخبرنا أن الاعتماد على المادة 41 لا يعني أن الرجل مخول في فرض مذهبه على المرأة، وبالتالي فإن الاعتماد على المادة التي اعتمد عليها في التعديل المقترح ليس له أساس دستوري وهو باطل وملغي.

نقطة أخرى في التعديل المقترح للقانون هي أن على ديوان الوقف الشيعي وديوان الوقف الشيعي إعداد قانون شرعي للأحوال الشخصية لتنظيم الاحوال الشخصية للعراقيين، مما يعني أنه في حال تمريره فإن هذا التعديل سيعطل القانون 188 لعام 1959 بشكل كامل ويبطله من كل معانيه، والمدون الشرعي  للشيعة والسنة يقع فوق القضاء والقانون.

ولذلك تطلب النساء في هذه الحالة المساعدة لدعمهن وعدم السماح بتمرير تعديل قانون الأحوال الشخصية في مجلس النواب العراقي بالأغلبية والأقلية ويفرض قمعاً كبيراً عليهن،  حيث يحرمن وفق هذا التعديل من حقوق التفريق والميراث والأمومة وتربية الأطفال. . إلخ".

إذا توقفنا على الفقه الجعفري نرى انه يقول: اذا انفصل الزوجان ثم تزوجت الزوجة مرة أخرى، تفقد حقها في حضانة الطفل، وحتى لو انفصلت عن زوجها،  فلا يعود لها حق الحضانة في تربية طفلها، وفي حال الميراث لا تعطى للمرأة أرضاً، بل يمنح لها مبلغ بعد انْ تقدر ثمن الأرض، وليس أمامها خيار إلا قبولها أو رفضها.

والأدلة التي يستند إليها مؤيدو التعديل، يأخذون فقرة من مادة دستورية دون الرجوع إلى مواد أخرى، علاوة على ذلك، فإن الجميع متفقون على أن قانون الأحوال الشخصية رقم 188 مستمد من أفضل المذاهب الفقهية الإسلامية. ولكنهم بهذا التعديل يريدون في الفقه الجعفري وحده خلق مكان للمذاهب الأخرى، رغم أن هذه القوانين مطبقة في محاكم الأحوال الشخصية منذ 65 عاماً ولم تحدث أي اشكالية شرعية.

وحول هذا الموضوع، الذي نرفض هذا التعديل بقوة، يشتكي بعض الأصدقاء في الأطراف الشيعية من أننا قلنا إن "هذا التعديل سيتسبب في فرض الهوية المذهبية وإنهاء الهوية الوطنية والانتقال نحو مرحلة ما بعد الدولة".

اشتكى لنا تيار الحكمة من هذا الموضوع، لكني أكررها بصراحة أن إقرار هذا التعديل سيتسبب في تقسيم العراقيين الى هويات ثانوية، وقمع كل التوجهات، ونشر ثقافة “يجب و لا يجب” ويتم التحكم بتنظيم الأسرة في العراق، وبعيد جداً عن مواد دستور 2005 الذي أقرته أغلبية العراقيين، كما أنه مخالف للمادة 29 من الدستور التي تنص على أن "الاسرة اساس المجتمع، وتحافظ الدولة على كيانها وقيمها الدينية والاخلاقية"، وعندما يهدف هذا التعديل إلى تقسيم تنظيم الأسرة في العراق، فهذا يعني مخالفة لهذه المادة الدستورية.

وهنا نصل الى نتيجة وهي في حال إقرار هذا التعديل فإنه سيتم إنشاء سلطة تشريعية دينية تكون موازية للبرلمان العراقي، وفي هذه السلطة التشريعية الدينية ستكون فتاوى وآراء وقفي النسي والشيعي هي أساس التشريع، وستكون للفتوى قوة القانون. وهذا يعني أنه سيتم إنشاء سلطة تشريعية آخرى تكون فيه للفتوى قوة القانون.

وعندما يتم الحديث عن المدونة الشرعية فالسؤال هو كيف تصاغ هذه المدونة مع وجود أكثر من مرجع عند الشيعة: السيستاني، بيت الحكيم، الخوئي، الطباطبائي، بحر العلوم. الخ، كما أن هناك العديد من المرجعية وأراء مختلفة بين أهل السنة، وعلى أي مرجع تعتمدون في كتابة هذه المدونة الشرعية؟

وأخيراً، من اجل عرض الصورة كما هي، والأهداف من وراء هذه الجهود، سنرى أنه بعد انتخابات 2021، تم تشكيل التحالف بين "التيار الصدري، الحزب الديمقراطي الكوردستاني، ائتلاف التقدم" لتشكيل الحكومة العراقية. وكما رأينا فقد امتدت المعارضة إلى درجة إشتراك مقتدى الصدر في العملية السياسية واستلام السلطة بشكل منفرد في إطار التنسيق الشيعي،  وتم وضع برنامج وزاري لتشكيل حكومة محمد شياع السوداني في إطار ائتلاف ادارة الدولة، إلا أنهم عندما شكلوا الحكومة لم يلتزموا ببنود البرنامج الوزاري، على سبيل المثال النقاط المتعلقة باعادة تنظيم العلاقات بين اربيل وبغداد وخاصة المواد 14 و15 و16 لم ينفذ اي منها، أوصلوا الحال الى ان مقعد رئيس البرلمان شاغر منذ 9-10 أشهر وتم تعيين شخص آخر بالوكالة  من قبل  الأطار التنسقي،  تم تمرير قانون "عيد الغدير" على حساب الأعياد والمناسبات الوطنية.

والآن بعد أن تم تقديم مقترح تعديل الأحوال الشخصية من قبل الكتلة الأكبر في إطار التنسيق الشيعي ويريدون تمريره بالأغلبية، فهذه رسالة لأهل السنة أنه" لا يهمنا إذا كنتم معنا أم لا ونستطيع تمرير القانون". وهي أيضاً رسالة للكورد، بمعنى أن "لديكم بعض المشكلات مع بغداد، فمن الأفضل دعم كتلتنا الكبيرة لتمرير بعض قضاياكم في البرلمان التي تتعلق بحقوق شعب كوردستان".

كل هذا يعني أسلمة الدولة وتشييع الدولة والاستيلاء على السلطة نحو الديكتاتورية، لذلك فإن تمرير هذا التعديل أمر خطير للغاية، وإذا نجحوا في هذا، فسوف يتعين علينا أن ننتظر ونرى ماذا سيفعلون.

 

Top