الصلح يفرض نفسه على القوى
فاضل ميراني
مسؤول الهيئة العاملة للمكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني
الذكي هو من يبذل جهده لتجاوز الصِدام- ايا كان- فأن يقع الصِدام، فعذره انه لم يكن يطلبه، وإن دافع او هجم او استبق و اسس بعد ذلك حواجز منع الاعتداء، فتصرفاته مباحة، وقد مررنا نحن كثيرا بصِدامات لم نردها و تم فرضها علينا و أُجبرنا على خيار الحرب، اما ثوراتنا و انتفاضاتنا و حملنا السلاح، فقضية اخرى، قضية اكبر من معركة بين قوتين، نحن قومية مُنتهبة و حزب مُسْتَدف، منتهبة ارضا و مُتآمر علينا، وادلة ذلك ماثلة لا داحض لها و مفلح الطاعن فيها.
الصلح عندما يفرض نفسه يعني اما توفر القناعة و اما الانهاك من الصراع، و لذا اقول ان الذكي من ينمي القناعة دون بطء.
القوى متعددة، و تفاوت القوى من سمات الصراع، و الصراع بدوره مغلف بحجج تناسب وعي القبول و المرحلة، القوى تفرخ قوى بعضها يخرج عن السيطرة، و كلما تعقدت و امتدت ظروف الصراع كلما انكشف الدافع اكثر، دافع الصراع او دافع مديمي الصراع او رثته، و ظهرت للعلن مستويات التفكير و اولويات اطرافه.
تَغَيَّر مضمون الصراع مذ عرف الانسان المِلْكية، فبعد ان كان تلقائيا الهجوم، تطور ليغلف اطماعه الجديدة بمُغلفات من فعل السياسة الفطرية قبل تنظيره للسياسة بوصفها علما، اذا صار يستفيد من مشاعر المجتمع المصغر و الطبقة المصطفة تحت فكر ديني او عرقي، مستحضرا التاريخ و مشيعا الخوف و القلق على الحاضر و المستقبل.
ان مراجعة الارث الصراعي في تاريخ الانسان فردا و جماعات، حتى الصادقة منها غير المصطنعة، يراها تنتهي دوما عند نقطة اشرت لها سلفا وهي الصلح( راجعوا كل اتفاقيات الصلح او السلام مع مراعاة فوارق مضمونيهما) عن قناعة او انهاك او كلاهما و ان كنت اتصور ان الانهاك في الغالب هو الذي يدفع لتغير القناعة، ذلك ان الانسان و لأنه نسبي فكل القوى التي تصدر عنه ستكون نسبية، و بالتالي فهو محكوم ليس فقط بنقص موارده بل ايضا بقدرة التفكير على اجتناب الذهاب الى نهايته مستعجلا.
ليس سرا ان بلادنا تعيش صراعا معقدا متفجرا حديثا و منذ عقدين، تسيطر عليه مصالح مختلطة داخيا و خارجيا، ذاتية ربما اكثر منها موضوعية، ذلك ان تربة الصراع خصبة، قوميا و طائفيا، حتى بين الشق القومي الواحد، و حتى بين البيوت الطائفية في منطق من التشظي القاسي غير المستغرب، فالدربة السياسية لم تنضج عند كثيرين و لا هم استكملوا فهم معاني السياسة عملا و الحزبية وجودا و الدولة مؤوسسة و آليات حكم.
لا صراع دائما و موجها دون وسائل نقدية او مالية، و مادام ضبط التداول و الحركة الاقتصادية غير مسيطر عليه، و مادامت الارادات الخارجية اقوى ولها توابع مستفيدة داخيا، فأن تمكن الذكاء من تسجيل هدف الصلح مبكرا لم يحن بعد، و الامور ستتحرك لنقطة من اثنتين، اما تصالح قوى اكبر خارجيا و ترك القوى الداخلية تستنزف نفسها فإما تنتهي او تصل منهكة، و إما ان تتطور امور الصراع بين القوى الاكبر لتعيد رسم نفوذها بشكل لايكون في صلحة الشعوب، وذلك ما ينذر دوما بقدوم ثورات، ثم يصار لصلح، و يبقى تقييم الصلح تبعا للقناعة و الموروث الاجتماعي ايصمد ام يكون هشا.
بالتأكيد سيكون خيارا يوما ما، لكنه كلما فرض نفسه كلما تأكد انه لولا الضعف لما كان ليتحقق، حينها سيكتب التاريخ عن فرص ضائعة راحت معها دماء و مقدرات و تغير المسار عن المواكبة.