شيء عن العشرين الاخيرة
فاضل ميراني
مسؤول الهيئة العاملة للمكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني
مثل هذه الايام، و قبل عشرين سنة، كنا نستعد لدخول مرحلة جديدة مغايرة في العراق.
كنا نحن الكرد قد عملنا لاثنتي عشرة سنة بعد انتفاضة ١٩٩١، في ادارة الاراضي التي حررناها مع الجهد الدولي الذي اعقب انتهاء غزو الكويت في الشهر الثامن من عام ١٩٩٠.
صفحات كثيرة ناصعة و اخريات مقبولات و قسم من صفحات مرة مرت بنا خلال سنوات ما بعد الانتفاضة و الى نيسان ٢٠٠٣، الانتخابات الاولى بكردستان و تأسيس السلطة التشريعية و بعدها الحكومة، وملفات ثقال من تركة نظام اجهز على نفسه و على كثير من مكتسبات العراق الذي نحن جزء منه بعد ان جرب جبرية انهت دولا قبله، وقبلها و خلالها اتى على دم و عقل و حقوق الملايين التي تهدمت مقدراتها و تهشمت طرق نجاتها فرادى و مجتمعين.
كان اصعب دور خلال حكم النظام السابق و بعده، إصلاح ثقافة العنف المزروعة و وايضاح و مسح التوجهات المقلدة لسلوكه، وهي توجهات تقبلتها تربة كثيرين فبذرتها و اثمرت نتائج كارثية سريعة، فقد طرحت نفسها بعيد ٢٠٠٣، وما ان انتهت شهور قليلة حتى طفت مجاميع متنوعة من الجهالة و الانتهازية و الترديد الاعمى لتغرف من الاوهام ماسعته معاجلة التجربة بكوابح التفخيخ و الاغتيال، ضاربة بقصد او بعمى خلايا مجتمعاتنا.
كانت الاوضاع مهيأة للتجربة و مضاداتها، و هذه من الخصوصيات الغريبة المؤذية في النسيج الوطني، حيث تفجرت خلافات و منافسات كانت موجودة مؤجلة بين اطراف لا ترى ذاتها هي الاحق بالسلطة فقط بل ترى غيرها لا يصلح ان يبقى حيا، وهذا التأزم ظهر حتى قبل بدء العمل العسكري في ٢٠٠٣.
ليس سهلا ان تتحول من معارض الى حاكم او شريك حكم، لكن ان تتصير الى نموذج حكم سيء فذلك ليس صعبا، بل مدعاة لتفحص فكر تالف او مستعد للتلف مستعد للتحول الى ورم.
كما انه ليس سهلا ان تتحول من فرد اعتيادي محكوم الى جهاز حاكم او شريك بالحكم، يدعي مثلما يدعي المثال السابق العمل المعارض الجارح بكل عقيدة نظام يعارضه و كل تشريع و قانون و ممارسة قديمة، فتجيء انت لتفصل ما تشاء من تشريع و قانون و ممارسة تكرس مضاد برنامجك الدعائي و تبقي ما يعاكس تشريعك الجديد ثم و عند حاجتك للتحرك لمصلحتك الضيقة تقوم بضرب نافذ التشريع و القانون.
العشرون سنة الماضية ليست قليلة في عمر الشعوب، فخراب عشرين سنة سواء في عمر الحقبة يقابل الفترة من ١٩٦٨ الى ١٩٨٨ او بحجم ضررها المتحصل لا يكاد يفترق بحج الدم المراق و المال المنهوب و المهدور و الدعاية التبريرية له،مع فارق ادائي لصدور ذلك من شمولية سابقة، و تصير الكثيرين لاحقا الى شموليات مجزءة تفكر في الثغرة قبل القانون لتنفذ منه.
اكتب هذا ليكون واضحا الان و كما اوضحنا قبلا و عملنا وسط جو يجمع بين عدم المبالاة مرة و الانفصام عن الواقع مرة و الحيرة لأستنساخ نماذج مدانة مثلت امام المحكمة الجنائية العليا.
المتكرر و الرابط بين الذين فتحوا على العراق بابي الخراب القديم و الجديد هو تعويلهم على الحظ و هو تعويل لم يتكرر مع من قبلهم فيكون سابقا ليعتدوا بها.
في الارشيف بصنوفه المكتوبة و المرئية و المسموعة مواد متاحة للجميع، ما ان يطالعوها حتى تأخذهم صدمة الاقوال قبل التسلط و افعالهم بعد التسلط، وهي في الرياضيات تخضع للاختصار، فيزول الرقم بالرقم او يكون الاكبر قابلا للقسمة على الاصغر.
مقال منشور في صحيفة الزمان