مقال سياسي من جملة: (اللهم خذ مني لعثمان حتى ترضى)
فاضل ميراني
مسؤول الهيئة العاملة للمكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني
استعرت هذه الجملة من متواتر روايات منضودة في كتب التاريخ الاسلامي، وسأكتب بأحتمالين : صحة الرواية و عدم صحتها، وغايتي- لأني استعرتها- مخاطبة العقل السياسي الذي يتخذ من الروايات بكل تصانيفها المفيدة لمشروعه السياسي، انه( اي عقل و افعال و توجه اصحابها) سيدفع بالامور لمواجهات و نتائج كارثية معاصرة و مستقبلية، مستنسخة بتحديث جديد.
الرواية منسوبة للصحابي طلحة بن عبيدالله، و زمانها في آخر ساعاته بمعركة الجمل المعروفة.
مفهوم طبعا وجود سابقات تأليف روايات ووضعها على لسان ميت، و معروفة الخدمة التي تراد من تلك الروايات والتي تتفاعل لتكون مادة تنافس و احتجاج بين فريقين ايا كانت نواياهم، وخلفهم ترددها قواعدهما و المتعاطفون.
مع انني بتصوري استبعد ان تسمح ظروف مثل التي تفجرت بحرب الجمل ان يصرح طلحة بما ينسبونه له، الا انني وفي سبيل مبتغاي من المقال سأضع الرواية وتحتها نتيجتان: صحيحة و موضوعة، فلست اكرس هذه الكلمات لتقييم صحابي مثل طلحة له تاريخه في الاسلام الاول ثم الراشدي.
غير انني اريد التذكير عبر الاستعارة بالمسار الذي دفع الامور للتصاعد في تجربة الحكم ثم التصادم داخل مؤوسسة الدولة الوليدة وقتها، و سرعة نمو طبقة احتجت بدفوعات للصعود بعيدة عن واقع الرسالة، وهذا امر لم يصب المشروع الحاكم في الاسلام بل اصاب كثيرا من العقائد التي تحكمت بموجبين: العقيدة و التاريخ الشخصي للفرد و دوره في تحويل العقيدة لافتة للوصول للحكم.
أُكرر مرة بعد مرة ان ليس المقال مقال نقد للعقيدة او انتقاد شخص، و ليس حكما بصحة رواية من عدمها، بل هو احتجاج بقول مجرد منسوب لرجل تتفق كل السير انه كان يقف ضمن جيش امام جيش خليفته، وانه قد قُتِلَ وتدعي الروايات ان من اسهم بالاجهاز عليه كان معه في خندقه و هو مروان بن الحكم صهر الخليفة الثالث، وان القاتل و المقتول تجمعا في ائتلاف سياسي عسكري بعد ان كان مفترقين ايام حصار عثمان، و نفس الروايات تتفق ان طلحة كان من مؤيدي الانقلاب على الخليفة الثالث. الموضوع اذا موضوع سياسي، ولننحي الروحانية جانبا فقد رقع بيها من رقع لتوصيل التاريخ وبه غش واضح و الانكى انه صار يعتد به لمواصلة المستقبل.
الفرق المتدني لتطبيق رسالة روحية انما سببه المعلوم هو قصور المطبقين او ليهم اعناق نصوص الرسالة، وهو امر متكرر في تطبيقات سيئة لعقائد وضعية غايتها هي العدالة مثل هي غاية الرسالات السمحة.
ليس من عامل يعجل بتفجر النزاع اكثر من دفع فرد او جماعة ليكون اسفل الهرم بعكس المرتقين اعلاه بالاستفادة من العقيدة للتحكم و من عين العقيدة للتردي بحقوق الاخرين.
معلوم او ربما لا، الفرق بين المسلم السياسي و السياسي المسلم، بمعنى ان السياسة ان اتخذت العقيدة الاسلامية بفرع مذهبي منها لتكون هوية عمله المتحكم، فذلك امر يوجب التقيد بكل المعلوم من الدين بالضرورة، وقد قرنت العقيدة بالدين وبها قصدت ثقافة المتحصل من الدين الذي صار معتقد عمل فرديا او جماعية سلطة او معارضة او جمهورا، و المعلوم هو مختصر ابجديات المحرمات، زد عليها ان المجتمعات لاحقا قيدت حياتها بالدستور و القوانين و الانظمة، وصار قسم من المباح شرعا مقيدا بالقانون، و قسم من المحرم شرعا مصان بالقانون و الامثلة على الاثنين كثيرة، و امثلة المدعين بالتدين من الذين احتجوا و كسبوا من مباح القانون المحرم شرعا اكثر.
نحن امام مفصل في السلوكيات ان اعترفنا به و فهمناه نكون قد فهمنا ما وصلنا اليه بسبب الاخرين من هبوط اداء و شح ثقة وهو: اخضاع النص للمزاج و الموروث الثقافي المرتكس في العقل و الاداء.
نفس هذا المفصل يفرز انكار قول الحقيقة و يعد الاقرار ضعفا، ويجتهد لوضع روايات على لسان الخصوم ليس لخدمة الحقيقة بل لبيان صدق فريقه و هزال عقائد الخصوم.
يفهم من الجملة المستعارة - صحت او لم تصح- ان القتيل اقر بذنبه انه حرض على انسان هو خليفة حاكم جرى اغتياله ببيته بعد ثورة جوع ركب ظهرها قسم من ذوي الطموحات الفردية، وان القتيل رفع للسماء دعوة لسفك دمه قبالة دم من حرض على قتله، و كأن السماء لا تتحرك للعدالة الا بدعاء.
وسط هذا الشحن، جرى اهمال الوف الحقوق لمن اختصتهم السماء اجمعهم للوصول للعدالة، فالرسالة الاسلامية ليست رسالة مكافأة ارضية بل رسالة بناء لها اجر في الاخرة مع مساواة في الدنيا تذيب الفوارق المتراكمة من الجاهلية شيئا شيئا.
بعيدا عن اسمي الصحابيين، افترى ان الذمة لمن دعى على نفسه كانت مقيدة فقط بتحريضه على الخليفة؟
الم يتحول النظام وقتها لنظام سارع للعودة للطبقية بنسخة مضفى عليها شريعة الله فكانت النتيجة اثراء و افقار، اثراء مختص و افقار ممنهج.
اعود للقول ان العقائد التي مصدرها السماء عقائد مصونة من العطب، لكنها في التطبيق البشري معرضة له، طالما انها اخضعت لمرشِح القيم المجتمعية و التصور العقلي و الهوى، وبذلك لا يجوز محاكمتها بل محاكمة انتهازييها الذي يجعلون دين الله بضاعة و تجارة.
تأمل قول مسؤول عراقي كبير قبل سنتين: ضاعت من اموال العراق١٠٠٠ مليار دولار منذ عام ٢٠٠٣ و لسنة وجوده هو في سلطة من الثلاث سلطات.
الف مليار ضاعت و بين ايدينا عقيدة و دستور و قوانين و منة قسم انهم كانوا في خندق ضد الظلم.
اترى ان واحدا منهم سيقول يوما: اللهم خذ مني للعراق حتى ترضى؟
مقال منشور في صحيفة الزمان