• Saturday, 23 November 2024
logo

عندما يُظْلَمُ القضاء.

عندما يُظْلَمُ القضاء.

فاضل ميراني
مسؤول الهيئة العاملة للمكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني

المنتمون للاسرة القانونية- انا واحد منهم- هم الاكثر شعورا بالسلوك التعاملي للقضاء، صادرا منه او واقعا عليه، فهم على تماس مع معاني مخرجات تفاعل تنفيذ النصوص مع الخصوم، هذا بشكل عام، اما بالوضع الخاص، فأن قسما من الخصومات تتعطل بضغط بضغط سياسي، وهي ظاهرة مثبتة صنعتها انظمة الحكم و تفاوتت قوة تأثيرها على القضاء بحسب طبيعة كل نظام و هويته العقائدية و مسلكه في السلطة.
قد لا تقوم الانظمة بالتدخل المباشر في تحديد مسار القضاء خشية اتهامها من الخارج- وهو ما تخشاه- فتلجأ الى وضع مسار استباقي تحدده سياستها في التأثير على اختيار من تريد لتدفعه لنيل سمة القضاء، وهي عملية تمت قبلا، وقامت على اساس ان قبول الشكاوى و الدعاوى مرتبط بشروط شكلية و موضوعية و ان البت في الاحكام يستند للادلة و الاثبات و توفير الدفاع، وان لا جريمة و لا عقوبة الا بنص، و بما ان العمل السياسي مثلا كان مُجْرما الا لجهة حزب السلطة، اذا فأن ايقاع عقوبة الاعدام او السجن او غيرها من العقوبات ستكون قانونية وان تم الطعن بها.
من ذا يتضح الفرق بين العدالة و بين القانونية، فثمة كثير من الامور قانونية لكنها ليست عادلة.
هل جرى ظلم القضاء؟
الجواب: نعم.
عندما تجور الانظمة على العدالة، فهي تكون قد جارت على القضاء و اوجدت من ضمن ما اوجدت طبقية جديدة تضرب كل الارث الروحي و العَقَدي وكل المتراكم الحضاري عندها، ذلك ان القضاء العادل هو ميزان بين الافراد لا حصانة فيه الا لصفة الوظيفة شرط ان لا تخرج الوظيفة في عنوانها و مؤداها نحو استخدام يسيء لها و لمن اوجدت لخدمتهم و هم المواطنون او يضر بفكرة و علة الحصانة.
الظلم الذي يقع على القضاء له امتدادات و ارتدادات يصعب السيطرة عليها و علاجها، ذلك انه يؤذي جسم الدولة مجتمعا و سلطات و تظهر اثاره و تتحور بمرور الزمن، و لا يصدقن عاقل ان مجتمعا انفرط عنه الانضباط او انه له انضباطا صوريا، لم يجرِ الجور فيه على القضاء او ان القضاء فيه يتحرك في جهة بتوجيه سياسي و يصمت في جهة بتوجيه سياسي.
المحاكم و الادعاء و الدفاع، هم مظلة لا يجوز ان تعتريها ثقوب ترشح منها امطار التأثير لقوة ما بحيث يجيء الحكم و لا تقبله العدالة.
الدولة اليوم احوج من اي وقت لأحترام مفهوم و تطبيقات العدالة، واعادة فحص للقوانين و معانيها في واقع المتغيرات، فذلك كفيل بتصويب المسار و بعد التصويب التحرك حتى تقفل بعدالة ملفات النزوح و الفقر و التهميش، فكلما جرى تعطيل العدالة كلما تضخم السخط و اقترب سن يأس يصيب الانظمة و يجعلها عقيما عاقرا عن ولادة تأخر وقتها ابتداءا.

 

 

مقال منشور في صحيفة الزمان

Top