ليس تفسيرا سياسيا لنصّ قراني.
يجور الفكر عند قسم من مدعي الفكر فلا يفسرون الأمور ضمن مادتها الأساس او قد يخلطون في فهم نسب مركباتها، فيسارعون للتصريح و التنظير بوصف مغلوط تتلقفه بعدهم اجيال لا مساحة عندها للمراجعات و النقد، فالتجهيل وسيلة سياسية مباحة الاستخدام للأسف مع عدم ضمان سلامة ختام معتمدها اسلوبا للبقاء.
لم تسلم المجتمعات، كلها ما كانت سالمة في قت ما من ثنائية فهم جائر، غفلة او تعمدا فقدمت قبضة السلطة و سلاح التدين لهدف بغاية ابعد ما تكون و تصير نتائجها عن طهارة الدين و واقعية السياسة.
لو أمكن القارئ و القارئة العزيزين من استحضار أي صراع ولو كان منذ فجر ان أرخ الإنسان لنفسه، ووضع نصا مشترك الفكرة للآية الكريمة: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا إن اكرمكم عند الله اتقاكم. أقول نصا مشترك المصدر و المعنى من كتاب مبجل آخر، او مشترك المعنى ومن مصدر اجتماعي، لأمكنه ان يفسر و يتحرك ضمن فضاء منعدم الظلم او قليله.
رفيقي الراحل فلك الدين كاكائي، وقد كان عضوا متقدما في الحزب الديمقراطي الكوردستاني و مفكرا معروفا قال يوما: اننا في منطقتنا نمتلك ثقافة واحدة متعددة اللغات، قوله ذاك قد يتفق معه قسم و قد يختلف او يتأخر عنه اخرون او يسبقونه، لكنه قول فيه كثير من التأصيل، فالإنسانية واحدة و الحاجات بعد الأساسية ترتبها الثقافة و الثقافة حرة التنقل لا يعيقها الا اجتهاد لفرد و مجموعة فيؤخرونها لكنها تصل وإن بعد حين.
خذ أي مسلك ثقافي، من الدين إلى السياسة إلى الفن، وستجده بعينه او بنسخة مترجمة اجتماعيا في كل البقاع مع تفاوت حلول في الزمن.
نحن جزء من الجغرافيا و هي من يصنع التاريخ، ومثلما تخفي الجغرافيا الثروات و الزلازل و يحاكيها الإنسان ليفهمها و يتعايش فيها و يستقوي بها، عليه عين الوقت ان يفهم ساكني جواره الجغرافي، فهم مثله في الأصول وان تباينت الفروع، هم في الأصل ثروة لكن اختلاف المصالح خلق من جيل و اجيال منهم نقمة.
العلم و السوق و الفن و الآداب جوامع تحقق مصالح الإنسانية لا يجري التدقيق في هويات رواد العناصر الأربعة هذه طالما انها تسد حاجة الفرد و خياله و تفكيره، كذلك الأديان بقواعدها المجردة التي تقوم على مرجعية المطلق و العدالة.
لست ابتغي مناسبة الشهر الفضيل للكتابة الا في تخصُصَيَّ السياسة و القانون، لكنني لم اجد بعدا أسمى من الإنسانية يفسر النص الذي وضعته لتفسير ربما تأخر تنفيذه سياسيا رغم انه متاح لنا و نفهمه لأنه غير صعب المفردات و أيضا لشعورنا الدائم بأن كثيرا من الشعوب و القبائل صارت دولا و ادعت انقيادها حكوميا للدين دون ان تعمل على تعارف تتنافس فيه على ان تكون اكرم عند الله واتقى.
ليس التجويع و التعطيش و انتهاك الأمان و التفخيخ و الترويج للمخدرات و ضرب الأخ في الإنسانية من الدين و الإنسانية في شيء.
جريدة الزمان طبعة العراق