الإعلام التنموي والتنمية المستدامة
وكانت الأمم المتحدة قد قدّمت رؤية تتعلق بالتنمية المستدامة وهي التي عُرفت برؤية 2030، وذلك خلال قمة التنمية العالمية في نيويورك (25 سبتمبر/أيلول/2015) وحدّدت فيها 17 هدفاً و169 مقصداً، استندت فيها إلى ميثاقها وإلى " إعلان الحق في التنمية" الصادر في العام 1986، وذلك تحت شعار " لا أحد سوف يُترك في الخلف".
لم يعد مفهوم التنمية المستدامة مقتصراً على النمو الاقتصادي الذي يعني زيادة الدخل القومي وبعض مظاهر الرفاه الاقتصادي، وإنما أصبح يقصد به "التنمية البشرية" وذلك منذ صدور تقارير التنمية في العام 1990 واتخذ لاحقاً بُعداً أكثر شمولية وترابطاً بالانتقال من رأس المال البشري إلى رأس المال الاجتماعي، وصولاً إلى التنمية الإنسانية الشاملة وهو ما اصطلح عليه بـ "التنمية المستدامة".
والتنمية المستدامة تعني باختصار " توسيع خيارات الناس" وتقوم على الحوكمة " مبادئ الحكم الصالح " وتعزيز احترام حقوق الإنسان، وهو ما أكّده المؤتمر العالمي الثاني لحقوق الإنسان المنعقد في فيينا العام 1993.
وتشكّل الحروب والنزاعات الأهلية ، إضافة إلى الإرهاب والعنف، معوّقات للتنمية، خصوصاً في ظلّ ثقافة الكراهية وعدم الاعتراف بالآخر، تلك التي تقوم على التعصّب والتطرّف الديني والطائفي والعنصري المستند إلى التمييز، لاسيّما باستمرار تدهور الوضع المعاشي والفقر والأمية والجهل والتخلّف وسياسات التهميش والإقصاء.
ولعلّ مهمة الإعلام التنموي هي نشر وتعميم مفاهيم التنمية المستدامة، سواءً المشاركة باتخاذ القرار أو بالتنفيذ أو عبر الرصد والمراقبة، فضلاً عن تقديم مشاريع قوانين ومناقشتها وفتح الحوار بشأنها من خلال معالجة القضايا والمشاكل المجتمعية، وهكذا يمكن للإعلام أن يكون شريكاً متمماً ومكمّلاً لا غنى عنه في خطط وبرامج التنمية.
لقد بدأ الاهتمام بمفهوم الإعلام التنموي منذ الثمانينات من القرن الماضي وقد ساهم في بلورته ويلبر شرام الذي " نحت" المصطلح، ويعتبر أحد أعمدته ويلبر شرام الذي " نحت المصطلح" وذلك بعد نشر كتابه "وسائل الإعلام والتنمية" العام 1974. وكانت اليونسكو قد أصدرت إعلاناً في العام 1970 أكدت فيه على أهمية "وسائل الإعلام" في عملية التنمية. وقد تعزز هذا التطور في إعلان هافانا العام 1979 الذي أكد على دور الإعلام فيما يتعلق بالتطوّر الاقتصادي ، وتقرّر تخصيص يوم للإعلام التنموي بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة ، وذلك بتحديد وظيفته المركبة التي تقوم على : الرقابة واتخاذ القرارات المتعلقة بالسياسات والتشريعات والتنشئة والتربية لتنمية المهارات وإعداد الملاكات.
ويبقى هدف التنمية الأول والأخير هو الإنسان وحسب الفيلسوف الإغريقي بروتوغوراس "الإنسان مقياس كل شيء"، مثلما هدف الإعلام هو الإنسان وكل ما يتعلق بالحقيقة، وانتقل الإعلام من نقل المعلومات إلى إنتاج المعارف مثلما اختلط فيه العلم بالشائعة والخبر بالرأي والأسرار الشخصية بالأمن القومي، وكان ذلك مدعاة لثلاث اتجاهات متباينة: الأول- الذي يدعو إلى تقنين وسائل الإعلام ووضع رقابة عليها بما فيها وسائل الإعلام الحديثة، والثاني- لا يحبّذ الرقابة ويعتبرها تمسّ بحرية التعبير وتخدم التوجهات الحكومية، أما الثالث- فهو مع حرية التعبير بلا قيود ولكن لا بدّ من التفريق بين حرية التعبير و"حق " التشهير، وهنا ينبغي التوقف عند مفهوم الخصوصية والشمولية في المجتمعات المختلفة، ولم يعد الإعلامي حسب البير كامو "مؤرخ اللحظة"، فحسب، بل أصبح مؤثراً في نقل المعرفة وإنتاجها في ظل ثورة الاتصالات والمواصلات وتكنولوجيا الإعلام والثورة الرقمية " الديجيتل" وبإمكان كل فرد أن يكون إعلامياً عبر وسائل الاتصال الذكيّة ، فبلمح البصر تصل الصورة والخبر إلى جميع أنحاء الكرة الأرضية التي أصبحت " قرية صغيرة" ولم يعد بالإمكان التحكّم بها مثل الجريدة والراديو والتلفزيون والكتاب.
ويمكن للإعلام أن يلعب دوراً إيجابياً في التواصل ونشر المعرفة، مثلما يمكن أن يكون سلبياً حين يغذّي عوامل التعصّب المنتج للتطرّف وهذا الأخير يمكن أن يتحوّل إلى عنف إذا صار سلوكاً والعنف يمكن أن يصبح إرهاباً إذا ضرب عشوائياً.
فما السبيل لتنظيم المنجزات العلمية- التقنية والثورة الصناعية الرابعة؟ وكيف يمكم التحكم بالانترنيت والحاسوب والهاتف النقّال ومواقع التواصل الاجتماعي ، لكي تصبح جزءًا من عملية التنمية المستدامة، لا عكسها.
لقد تطور الإعلام ابتداء من تطور اللغة واختراع الكتابة واكتشاف الطباعة، وهو يعيش اليوم ثورة حقيقية وغير مسبوقة باستخدام الانترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي، وهذه الوسائل سلاح ذو حدّين إذا أحسن استخدامه سيكون عنصراً لا غنى عنه للتنمية المستدامة والعكس صحيح أيضاً بإساءة استخدامه.