و اخيرا قُتل البغدادي و لكن!!
واكد التنظيم ايضا مقتل المتحدث بأسمه ابو الحسن المهاجر، وتعيين أبو حمزة القرشي خلفاً له، وفقا لرسالة صوتية بثها موقع(الفرقان)الذراع الأعلامية للتنظيم. وقال المتحدث الرسمي الجديد بأسم التنظيم أبوحمزة القرشي في تسجيل صوتي على موقع تلغرام: ((ننعي اليكم ابابكر البغدادي، و ننعي اليكم المتحدث الرسمي للدولة أبا الحسن اللذين قتلا في الايام الماضية، واضاف أن (مجلس شورى) التنظيم بايع ابا ابراهيم الهاشمي القرشي(اميرا) و طلب التنظيم من اعضائه وفق الرسالة الصوتية، اعلان الولاء للقائد الجديد.
وكان الرئيس الامريكي قد اعلن في 27 تشرين الأول الماضي مقتل ابوبكر البغدادي في قرية (باريشا) بريف إدلب شمال غربي سوريا، بعد عملية انزال أمريكية قتلت فيها ايضاً زوجتا البغدادي و 3 من اطفاله و عدد من رجاله. حسب قول الرئيس الامريكي، البغدادي قتل بعد أن فجر سترته المفخخة بعد محاصرته داخل نفق مسدود مصطحبا معه ثلاثة من اطفاله و أن المرأتين اللتين قتلتا كانتا ترتديان حزامين ناسفين.
و ازضخ ترامب أنه تم ابلاغ كل من روسيا و تركيا قبل القيام بالعملية لكنهما لم تعرفا طبيعة العملية، وأن الروس فتحوا المجال الجوي ولم يكن في الغارة سوى القوات الامريكية، ووجه ترامب الشكر لكل من روسيا و تركيا و سوريا و العراق و الكورد الذين قال انهم امدوا القوات الامريكية بمعلومات مهمة. السوآل: لماذا وجه الريس الامريكي الشكر الى هذه الدول رغم معرفته التامة بأن الكورد هم صاحب الفضل في دعم المصدر الذي تمكن من العثور على البغدادي. هل لأان روسيا فتحت له المجال الجوي و تركيا عقدت معه صفقة و غضت الطرف عن تصفيته؟ تركيا كانت على علم بمكان وجود البغدادي، وكذلك بمكان وجود المهاجر، الرجلان كانا يختبئان بالقرب من الحدود التركية داخل اراضي سوريا، عثر على المهاجر في جرابلس، وهي مدينة تقع بمحافظة حلب وتسيطر عليها القوات التركية، بينما عثر على البغدادي في ريف إدلب حيث توجد العدید من نقاط التفتيش العسكرية التركية.
البغدادي كان على وشك ارسال عائلته الى الأراضي التركية، كما فعل من قبله أمير الزكاة في التنظيم، الذي قبض عليه في تركيا بعد مقتل المهاجر و البغدادي، و بطلب من الحكومة الامريكية بعدما كشفت عن مكان اقامته في تركيا!!. أمريكا تعرف الكثير عن ماهية العلاقة بين الأستخبارات
التركية و داعش، الا انها ساكتة، كما كانت ساكتة ازاء الاستخبارات الباكستانية في مسألة اخفاء بن لادن، ثم ماذا عن سوريا؟ فرئيسها نفى ان يكون له علم بتصفية البغدادي، حيث قال في تصريحات لقناة (الاخبارية) السوریة الرسمية: (لم نسمع بموضوع مقتل البغدادي سوى من خلال الأعلام، و ربما تم ذكر سوريا في ذلك الموضوع من اجل اضفاء مصداقة عليه، لكننا لا نعلم ان كانت التصفية حصلت أم لا). وتساءل الأسد قائلا: (لماذا قاموا بأخفاء كل شىء عن مقتل البغدادي؟) و أردف بقوله: كل ما يتعلق بهذا الموضوع خدعة، سيعاد انتاج البغدادي و ربما داعش.
كل ماذكرناه ، برأيي، بحاجة الى وقفة، بعد مقتل البغدادي، ادعت أكثر من جهة بأنها هي التي زودت معلومات عن وجود البغدادي في تلك المنطقة الذي قتل فيها. العراق ادعى بأن مخابراته ساهمت بتقديم معلومات مهمة جداً عن مكان وجود البغدادي في سوريا، عبر خلية خاصة(امريكية، بريطانية، عراقية ) و الكشف عن معلومة محاولة البغدادي نقل عائلته الى الاراضي التركية.
الرواية العراقية اكدت على انه بعد اعتقال المخابرات العراقية عديل البغدادي، وهو محمد علي ساجد الزوبعي ، اعترف للمخابرات العراقیة بالمنطقة التی قد یوجد بها البغدادي، ومن هناك تمت ملاحقة درب البغدادي بالقرب من جبل الدروز بقرية (باريشا) في إدلب، و ان هذا الشخص قادهم في بداية الأاعتراف الى نفق صحراوي بالقرب من مدينة القائم غرب الانبار، حيث تم اكتشاف مخبأين ممتلئين بالاغراض الشخصية، وكانت تضم سلاحا خفيفا و حقائب طبية و كتبا دينينة و حقيبة يد صغيرة تحتوي على خرائط و مواقع مرسومة و مكتوبة بخط اليد.
وحسب الرواية أن غرفة ملاحقة البغدادي نجحت في ان تخترق شبكة التهريب و تتابع انتقال البغدادي الى ادلب نهاية شهر آب أو بداية شهر ايلول الماضي، موضحا انه من خلال اختراق شبكة التهريب الخاصة بنقل عوائل قيادات التنظيم الى خارج سوريا، الى تركيا، تم تحديد المنطقة و القرية التي يعتقد ان البغدادي قد يكون وصل اليها، ثم اعطيت المهمة للجانب الامريكي لمتابعتها و من ثم تنفيذها.
وفي رواية اخرى كان هناك خطان تابعا البغدادي على مدى ستة أشهر، هما خلية الصقور الاستخبارية التابعة لوزارة الداخلية، و الخط الآخر هو جهاز المخابرات، حيث اهتديا بعد رصد و معلومات دقيقة الى اماكن وجود البغدادي، وحسب نفس الرواية شعر البغدادي بالقلق حيال هذه المتابعة، مما جعله يغير مكانه و يغادر الاراضي العراقية الى سوريا.
نفهم من الروايتين العراقيتين ان متابعة البغدادي كان في الاراضي العراقية و ليس في الاراضي السورية، رغم انني ارفض الروايتين جملة و تفصيلا، فالجهاز الذي لايستطيع ان يرصد القناصين في بغداد، الذين يقتلون المتظاهرين و القوات الأمنية بدم بارد، كيف باستطاعته رصد تحركات البغدادي في الشمال السوري و اين؟ في منطقة عمليات بعيدة عنها و تحت سيطرة موالين لتركيا؟
أما الرواية الروسية فتباينت على الاعلان الامريكي حول مقتل زعيم تنظيم داعش ابوبكر البغدادي، و حملت الللهجة الروسية تشكيكاً بالتفاصيل التي قدمتها واشنطن، على الرغم من الاقرار بأن وسائل رصد الروسية راقبت تحرك الطائرات الامريكية الذي نقذت الهجوم في إدلب.
وجاء تعقيب الكرملين بعد بروز مواقف من جانب وزارة الدفاع اكثر وضوحاً في التعبير عن التشكيك بالرواية الامريكية، اذ اكدت وزارة الدفاع الروسية في بيان عن عدم وجود معلومات مؤكدة حول تنفيذ واشنطن عملية جديدة لتصفية زعيم تنظيم داعش. ولفتت الى ان الجانب الامريكي لم ينسق معنا أي تحرك، وجاء هذا الاعلان متعارضا مع تأكيد وزارة الدفاع الامريكية انها ابلغت الجانب الروسي بالتحرك، وكذلك مع الأشادة التي وجهها ترامب لما وصفه بدور روسي في انجاح العملية. الجانب الروسي أكد ايضاً ان وزارة الدفاع الروسية لاتمتلك معلومات موثوقة حول انشطة الجيش الامريكي في منطقة إدلب، في اشارة لافتة بدا انها تتعارض مع تأكيد الكرملين رصد تحركات الطيران الأمريكي.
حتى الناطق العسكري الروسي أكد انه في الايام الأخيرة لم تسجل ضربة جوية في منطقة خفض التصعيد في إدلب نفذتها طائرات أمريكية أو التحالف الدولي!!
أما بالنسبة لتركيا فقد ذكر المتحدث بأسم الرئاسة التركية ان الأجهزة العسكرية و الأستخباراتية لكلا البلدين (امريكا و تركيا) كانت على التواصل حول العملية التي اسفرت عن مقتل البغدادي، وخاصة ليلة تنفيذها كان هناك تواصل مكثف بين الأجهزة العسكرية.
الا ان مسؤولا عسكريا امريكيا ابلغ مجلة(نيوزويك) بأن الولايات المتحدة لم تبلغ تركيا مسبقا بالعملية العسكرية التي استهدفت البغدادي. حتى ان وزارة الدفاع التركية قالت في بيان لها، أنه جلاى تبادل معلومات و تنسيق بين السلطات العسكرية التركية و الامريكية فبلالعملية التي نفذها الجانب الامريكي في ادلب، ولاندري هل كان التنسيق حوللا اعطاء الضوء الاخضر للأمريكان من الجانب التركي ضمن الصفقة التي تحدثنا عنها؟
اما بالنسبة للكورد، فقد بدأ التخطيط للغارة الصيف الماضي، عندما حصلت (CIA) على معلومات عن الموقع العام الذي كان يختبىء به البغدادي في ثرية في عمقشمال غربي سوريا، ويخضع لسيطرة مجموعات متنافسة من تنظيم(القاعدة) و القريبة من تركيا.
فمن خلال اختراق شبكة التهريب الخاصة بنقل عوائل قيادات تنظيم داعش الى خارج سوريا، و بالذات الى تركيا، تم تحديد المنطقة و القرية التي يعتقد أن البغدادي قد وصل اليها. عمل(CIA) بتلك المعلومات عن كثب مع مسؤولي الاستخبارات الكورد في العراق و سوريا لتحديد مكان البغدادي بدقة اكبر و نشر الجواسيس في الاماكن المناسبة لمراقبة تحركاته.
يقول الامريكيون ان الكورد واصلوا تقديم المعلومات الى(CIA) بشأن موقع البغدادي، حتى بعد ان تسبب قرار ترامب بسحب القوات الامريكية في جعل الكورد السوريين يتصدون للهجوم التركي وحدهم. حتى ان احد المسؤولين الامريكان قد قال بأن الكورد السوريين و العراقيين قدموا معلومات اكثر ذكاء و دقة بخصوص الغارة المرتقبة من أي دولة اخرى، حيث استطاع مصدر كوردي ايصال معلومات تفصيلية للمخابرات الامريكية تتعلق بزعيم تنظيم داعش ابي بكر البغدادي، وهي قطعة مستعملة من ملابسه الداخلية و عيّنة دم، هذا ما كشفه القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية (قسد).
و ضم التقرير الذي زودهم به المصدر الكوردي معلومات تفصيلية حول مخطط المكان الذي يختبىء فيه و عدد الحراس و الانفاق حول المجمع الذي لجأ اليه، و انه كان يستعد للتحرك، لذا نفذت الولايات المتحدة الهجوم على المجمع و اخرجت المصدر الذي كان يعيش داخل المجمع بأمان.
حسب واشنط بوست ان المصدر كان موجدودا وقت الغارة، و تم اخراجه و عائلته عن المنطقة بعد يومين.
ان المصدر كان على علم بتفاصيل مخبأ البغدادي، و ان الاستخبارات الكوردية هي التي عثرت على المخبر بواسطة شخص كوردي، و هو من العرب السنة و انقلب على التنظيم، بعد ان قتل احد اقاربه على يد مسلحيه، و بعد ذلك حول الكورد اسمه على الامريكيين الذين امضوا اسابيع في التحقيق من مصداقيته قبل ان يغتنموا الفرصة خلال شهر تشرين الاول، ويشنوا الغارة على مخبأ البغدادين بحسب الصحيفة. في الحقيقة ان الغارة ما كانت لتحقق النجاح من دون الاستخبارات الكوردية، أو وجود عميل متخف داخل المجمع ة بشكل قريب من البغدادي.
اذن الجانب الكوردي الجهة الوحيدة التي تعبقت البغدادي، و جمعت المعلومات الاستخباراتية الراقية عنه، و حددت مكانه، وكل ذلك كانت حصيلة جهدها الذاتي، و هي التي اعطت احداثيات المكان، و وجهت عملية الانزال الجوي، و ساركت في العملية و ساهمت في انجاحها حتى اللحظة الاخيرة. لقد اكد ترامب على هذه المشاركة و كيف انها اعطت معلومات ادت الى نجاح عملية تصفية البغدادي، حتى ان نائب الرئيس الامريكي مايك بنس قد اكد على هذه المشاركة حين قال: ان الفضل في نجاح الغارة الامريكية يعود الى الكورد و قوات العمليات الخاصة الامريكية و قوة دلتا فورس.
تصريحات ترامب و بنس اثارت حفيظة تركيا، حيث حذر وزير الخارجية التركي مولود جاوش اوغلو من محاولات منح دور للكورد في هذه العملية و خاصة للوحدات الكوردية. حتى المتحدث الرسمي بأسم الرئاسة التركية(كعادته) قد اعلن ان بلاده لايمكن ان تقبل محاولات تلميع صورة الوحدات الكوردية...!!
فلنترك هذا الحديث السخيف و نعود الى صلب موضوعنا الا و هو مقتل البغدادي، فلي حول الموضوع عدة اشارات:
1- ان موقع الغارة التي ادت الى مقتل البغدادي، تكشف لنا معلومات جديدة حول علاقات تثير الانتباه بين ابوبكر البغدادي زعيم تنظيم داعش و جماعة(حراس الدين) الجماعة المنافسة التي تسيطر على مدينة إدلب و المنشقة عن جبهة النصرة سابقاً. ففي قرية في عمق شمال غربي سوريا و يخضع لسيطرة مجموعات متنافسة من تنظيم القاعدة، لجأ البغدادي الى منزل أبي محمد سلامة الملقب بـ (الحلبي) و هو قائد جماعة متطرفة تطلق على نفسها (حراس الدين) و هي احد اذرع تنظيم القاعدة. و ان مصير زعيم تلك الجماعة في الغارة و طبيعة علاقته بالبغدادي غير واضحة.
یقال ان ما یحدث في بعض الاماكن هو ان المنظمات الارهابية التي تعتقد انها متنافسة، يمكن ان تتعاون في مواقف معينة. الا انني ارى الموضوع من زاوية اخرى، حيث ان تصفية البغدادي كانت جزءاَ من عملية اكبر و ان العملية التي نفذتها قوات امريكية استهدفت ايضا تنظيم حراس الدين حيث انتهت بمقتل ابرز اخد مسؤولي الفصيل التابع لتنظيم القاعدة المدعو ابو محمد الخلبي مع زوجته و اطفاله الخمسة.
ابو محمد الحلبي كان يسعى دائما لحل الخلافات بين النصرو و داعش و انه كان على علاقة طيبة مع البغدادي. هل شعرت امريكا بالخطر الآتي من اندماج التنظيمين فاسرعت قبل وقوعه؟
2- هل لتركيا ضلع في اعطاء الضوء الاخضر لأمريكا بتصفية البغدادي و علاقة ذلك بقرار سحب القوات الامريكية من شمال شرقي سوريا. يقول وزير الدفاع الامريكي: (ان ما فعله ترامب بقراره سحب القوات الامريكية اعطانا الضوء الاخضر للمضي قدما..)، ان هذا الكلام يحمل في طياته دلالات كبيرة و يحتاج الى وقفة جدية لفك رموزها.
3- هل فجر البغدادي نفسه مثلما جاء في الرواية الامريكية، أم ان القوة المهاجمة هي التي قتلته، هو و اولاده و زوجتيه؟ بأعتقادي ان منْ قتل البغدادي و افراد عائلته هم الامريكان. فمن يشاهد الفلم الذي عرض عن الغارة، يصل الى حقيقة ما ذكرته، فالبغدادي لم يفجر نفسه، و لم يقتل اولاده الثلاثة، كما ذكر، بل قتلتهم الطائرات المهاجمة، عندما دمرت المجمع بالكامل، خاصة ان الموضوع قتل اطفال و نساء...!!
4- القضاء على البغدادي لا تساویها سوى عملية اغتیال بن لادن فی زمن الرئیس باراك اوباما، و المثير انها مصادفات لا تحدث الا قبل انتخابات الولاية الثانية للرئاسة الامريكية، الامر الذي يثير كثيرا من التساؤول حول الحدث. بمقتل بن لادن و البغدادي تم طي صفحة من السرية التي رافقت حياة اثنين من اخطر رجالات التنظيمات المتشددة. على اية حال، ان اعلان مقتل ابو بكر البغدادي زعيم داعش، الذي كان هدفا ثميناً لقوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، فإن داعش التنظيم الذي كان الاكثر عنفا في العالم، خسر قائده الذي حاول خلال الشهور الماضية لم شتات التنظيم الذي خسر نفوذه وسيطرته في سوريا و العراق.
نعم قُتل البغدادي لكن قتله لايعني موت داعش، فلايزال عشرات من مقاتليه يخضعون لظروف غامضة في السجون السورية و العراقية، و لايزال عدد لايحصى منهم في المنطقة و العالم و هم عازمون على نشر نفوذهم. ما نقوله اثبتت الايام صحته، فعلى سبيل المثال لم يقد مقتل بن لادن الى نهاية تنظيم القاعدة و بالعكس، ها هو يعيد ترتيب صفوفه و يكتسب ارضاً ومريدين جددا، ويستغل نقاط الضعف في الانظمة و الدول المضطربة ليعزز من وجوده.