حافة الحرب
وقبل ذلك شهدت المنطقة تصعيداً في العمليات العسكرية في اليمن وتوجيه صاروخ باليستي باتجاه الرياض، الأمر الذي زاد التوتّر حدّة، خصوصاً وأن الصراع الخليجي- الإيراني أصبح واحداً من العقد الأساسية في المنطقة، والتي قد تضعها على "حافة الحرب"، وهذه المرّة ليست مع "إسرائيل" المتربّصة باستمرار، ولكن في إطار صراع إقليمي يزداد تشعباً وتعقيداً ومحاوراً.
وكان قد سبقه إلى ذلك الخلاف مع دولة قطر في إطار "مجلس التعاون الخليجي" ولاسيّما مع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات وانضمّت إليهما مصر ، على خلفية اتهامات شديدة وجّهت إلى قطر لضلوعها بتشجيع جماعات إرهابية، ولا زالت تداعيات هذه المواقف قائمة ومستمرة، بالرغم من الوساطة الكويتية، لكن الأمور لم تجد طريقها إلى الحل حتى الآن، ويمكن تصنيفها في إطار "حافة الحرب".
ودفع الاستفتاء الكردي على الاستقلال يوم 25 سبتمبر (أيلول) 2017، الأمور المتوترة أصلاً إلى احتكاكات كادت أن تصل إلى درجة الصدام المسلح، ولعبت طهران وأنقرة اللتان نسقتا مع بغداد دوراً مهماً في إحباط مشروع انفصال كردستان عن العراق، وجاء هذا التطور بعد هزيمة داعش العسكرية في العراق وتقهقره في سوريا.
وتداخل هذا التطوّر مع التموضع الروسي الجديد في سوريا وذلك بالترافق مع تعزيز الدور الأمريكي، بالتحالف مع قوى كردية، وخصوصاً في إطار ما يسمى " قوات سوريا الديمقراطية"، وهو تطوّر يثير مخاوف من احتمال تقاسم للنفوذ بين موسكو وواشنطن على حساب دول الإقليم التي لا تزال تعاني من سياسة حافة الحرب. فما المقصود بها؟ ولعلّ هذه التطوّرات وغيرها تندرج فيما يطلق عليه سياسات حافة الحرب، فماذا تعني؟
حسب المفكر النمساوي كلاوزفيتز " الحرب هي امتداد للسياسة بوسائل عنفية" ، والمقصود بالحرب ليس العمليات العسكرية فحسب، بل التهديد بها والتلويح باستخدامها ، سواء بوسائل ناعمة أو خشنة، لتحقيق أهداف السياسة الخارجية للدولة، وأحياناً يتم ذلك لتجنّب الحرب أو لدفع التهديد من طرف العدو أو الخصم ومنعه من اللجوء إليها، خصوصاً بوضع تحدّيات أمام شنّها، الأمر الذي يحتاج إلى حساب عواقبها وعوامل النجاح والإخفاق فيها، بما فيها النصر أو الهزيمة، سواءً على المستوى العسكري أو المستويات الأخرى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية، إضافة إلى الحرب النفسية وتأثيراتها في إطار تكتيكات متغيّرة حسب تغيّر الظروف والمواقف والمصالح.
وإذا كانت الحرب أولها كلام كما قيل، فإن الكلام في علم السياسة، هو فعل مؤجل في الحال أو في المستقبل، خصوصاً التلويح به أو التهديد للقيام بعمل من شأنه أن يؤدي إلى تحقيق المقصود منه، سواء كان ذلك عبر السياسة أو بالوسائل الأخرى، أكانت اقتصادية أو إعلامية أو دعائية أو عنفية أو عسكرية أو عنفية أو غيرها. ويُطلق على هذه الممارسة "سياسة حافة الحرب" التي تعني جعل الطرف الآخر يفكّر جدّياً بالعواقب التي ستؤول إليها عملية شن الحرب وما ستتركه من نتائج عليه قبل خصمه، ويدخل هنا حساب الوحدة الوطنية والتحالفات والاصطفافات الداخلية والإقليمية والدولية، واختيار اللحظة المناسبة لاستبدال التكتيكات للوصول إلى الهدف خصوصاً في التدقيق بـ " فن الهجوم" والتقدّم مثلما من الضروري حساب "فن الانسحاب" والتراجع.
وإذا انتقلنا من الجانب النظري إلى الجوانب العملية، سواء ما يتعلّق الأمر بالمحاور الإقليمية أو بالتحالفات الدولية التي تؤثر في موازين القوى وفي استعداد الأطراف المختلفة لانتهاج " سياسة حافة الحرب"، بازدياد المشكلات الإقليمية تعقيداً والتوترات الداخلية اشتباكاً، لاسيّما في ظلّ الانقسامات الطائفية والدينية والإثنية، فضلاً عن استمرار الصراع العربي- الصهيوني، الذي ظلّ مهيمناً طيلة العقود السبع الماضية، فإننا نكون أمام مخاطر راهنة وجدّية، خصوصاً وأن المنطقة لا تزال تعاني من التعصّب والتطرّف والعنف والإرهاب، وإن ظاهرة الإرهاب الدولي لا تزال هي الأقوى في منطقتنا قياساً بمناطق العالم الأخرى. وتلعب الأمية والجهل المتفشيين في بلداننا دورهما في استشراء هذه الظاهرة، على الرغم من أننا نمتلك ثروات وموارد طبيعية تجعل منطقتنا من أغنى المناطق على المستوى العالمي، وتلك إحدى المفارقات التي نعيشها.
وإذا كان النفوذ الإقليمي والدولي مؤثراً وكبيراً في منطقتنا، فالسبب هو غياب مشروع عربي تنموي حضاري موحد، يستطيع أن يكون عنصر توازن من جهة وردع من جهة ثانية، لأية تطاولات إقليمية أو دولية، تستهدف إملاء الإرادة وفرض الاستتباع، وعلينا استذكار إن العرب كلّما كانوا موحدين ومتقاربين ، استطاعوا تحقيق نهضتهم والعكس صحيح، كلما كانوا متفرقين ومحتربين كلّما تمكّنت القوى الخارجية من استغلالهم والهيمنة عليهم وهو أحد دروس التجربة التاريخية.