حتى لا نخطيء في فهم فلسفة القومية
ثانيا) القومية غير الطبيعية: وهي القومية الإيدولوجية السياسية، وهي عندما تتحول إلى أداة سياسية ثقافية لتحقيق مآرب غير شرعية وغير محمودة، والقومية التي تحمل هذه الخصال تغدو مرفوضة، ويمكن تصنيف ذلك إلى ثلاث حالات: الحالة الأولى: عندما تتحول القومية إلى أداة لظلم الآخرين، وهضم حقوقهم.الحالة الثانية: القومية السياسية العنصرية، وهي عندما تتحول إلى أداة ثقافية وسياسية لفرض نفسها على غيرها من القوميات الأخرى، إن الاختلاف والتنوع والتباين في الألوان والألسنة من آيات الله العظيمة، فالألوان في التعبير القرآني يعني التنوع في القوميات والشعوب والملل والأمم، والاختلاف في الألسن أي الاختلاف في اللغات واللهجات، فهي جميعها متساوية في القدر والفضيلة، لا فضل لجنس على آخر، ولا للغة على أخرى".{وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ}، أما الحالة الأخطر والأخيرة، وهي عندما تحل القومية محل الدين، وهذه أخطرها، وقد حصل هذا في تاريخ الإنسانية، حيث أصبحت القومية دينا لدى البعض، يقدم على كل شيء، وقد بدأ ذلك في أوربا بعد الثورة الفرنسية French Revolution (1798م)، وبعد أن بلغت الثورة أوجها بواسطة الحركات التنويرية Enlightenment Movements وروادها أمثال فولتير الفرنسي Voltair (ت1778م)، إلا أن برتراند رسل أشار إلى الحركة الرومانتيكية Romanticism التي ظهرت كرد فعل للحركة التنويرية:"والتي عملت على تقوية الفوارق القومية، وساعدت على ظهور تصورات صوفية للوطنية... هذا الشعور القومي الجديد أصبح له السيطرة على القوى التي أشعلت ثورة 1789". ولقد غدت القومية في أوربا أداة سحق ومحق للشعوب، فكانت الحروب الملتهبة، والمعارك الطاحنة وراء ذلك، تقول كارين آرمسترونغ وهي تتحدث عن الثورة الفرنسية في كونها": بدأت بمثل عليا، لكنها ما لبثت أن انحطت إلى فوضى وسفك دماء ووحشية... فعندما تضرب النـزعة القومية وحدها جذورا بين الناس، من المحتمل أن تحط من قيمة روحهم وإنسانيتها، على أن تعليها"، وما حرب العالمية الأولى سنة(1914م) إلا حصاد مر لهذه الفلسفة العنصرية، ولعل الحركة النازية التي قادها أدولف هتلر الألماني Adolf Hitler (ت1945م) والحركة الفاشية التي قادها موسوليني الإيطالي(ت1945م)Benito Mussolini خير مثال يجسد هذه الحقيقة، فكانت الحركتان كلتاهما متطرفتين في الدعوة إلى تفضيل الجنسين الألماني والإيطالي على الأجناس الأخرى، وقد كان هتلر على قناعة بضرورة محق اليهود، لأن الجنس الآري التيتوني أفضل من الجنس السامي، وهذا يذكرنا بما قاله ساندرسون في مقولته الشهيرة:" الجنس الآري العظيم وحده القادر على قيادة البشرية نحو طريق الحرية الدينية والسياسية والحرية الفكرية". يبدو أن هتلر تأثر بفلسفة هيجل (ت1831م)Friedrich Hegel وفشته (1814م) Johann Gottlieb Fichte يقول فشته في كتابه نداءات إلى الأمة الألمانية:" كون المرء أخلاقيا وكونه ألمانيا هما شيء واحد". ويتطرف هيجل ويبالغ قائلا:" الألمان هم وحدهم الذين تفهموا الحرية بنطاقها الكلي الشامل". والذي رسخ هذا الفلسفة العنصرية قبل هؤلاء كلهم الفيلسوف أرسطو(ت322ق.م) Aristotle ، فعندما تحدث عن الدولة المثالية قال:" ولا بد أن يكون مواطنوها من الإغريق، لأن هؤلاء هم الذين يجمعون بين حيوية الشعوب الشمالية، وذكاء الشعوب الشرقية". ثم يقارن أرسطو بين اليونانيين وغيرهم، حيث كان يطلق وصف البرابرة على غير اليونانيين، قائلا:" فاليونانيون أعلى بطبيعتهم من البراربرة". وقد كانت هذه الفكرة العنصرية موجودة عند الفرس، فعندما ساعد ملك الفرس أنو شيروان ملك اليمن سيف بن ذي يزن، وحررهم من الحبشة، قال ملك الفرس:" يجوز للفرس أن يتزوجوا النساء العربيات، ولا يجوز العكس". والغريب أن هذا الفقه المعوج نجده عند بعض علماء الإسلام في منعهم الزواج بين العرب وغيرهم، لأن المرأة غير العربية دون مستوى العربي، فالعربي أعظم شأنا ورتبة وقدرا، فلا يمكن حصول هذا الأمر، وهذا فقه عفى عليه الزمن وشرب.
ثم تغلغلت هذه الفكرة العنصرية في العالم الإسلامي، وخاصة لدى الفرس والأتراك والعرب المسيحيين، وبعض المثقفين الكورد، ففي إيران دعا القوميون الفرس إلى استرداد الحضارة الفارسية، وديانتها الزرادشتية، ومن هؤلاء أخومند زاده وميرزا أغاخان كرماني وتاليبوف، فقد كتب أخوند إلى صديقه وهو ينصحه بالحفاظ على الزرادشتية، والوقوف بعزم ضد اعناق الإسلام.
وفي تركيا أثناء فترة العثمانيين دعا القوميون الأتراك إلى رفض النموذج الديني، وتقليد الغرب في كل شيء، وقد ظهرت جمعية الفتاة(1889) وجمعية الاتحاد والترقي(1899م) واستطاعت هذه الحركات القومية المعادية للدين القضاء على الدولة العثمانية سنة (1924م) – حكمت الامبراطورية أكثر من خمسة قرون - والتي كانت تمثل السلطة الدينية الوحيدة للعالم الإسلامي في مواجهة أوربا.كانت هذه الدولة هي الأخرى تتصرف كبقية الدول القومية العنصرية، ومما يؤيد كلامنا أن هذه الدولة كانت تدرب أبناء السلاطين الصغار لكي يتعلموا كيف يحكمون شرقي أناضول، فلو ذهبت وزرت قصور السلاطين لوجدت مكانا مخصصا لهذا الغرض، والحقيقة أن هؤلاء السلاطين الصغار كانوا يعينون بدل الأمراء الكورد في كوردستان، لإن الإنسان الكوردي بطبيعته لا يستطيع أن يصبح أميرا أو باشا بخلاف الإنسان التركي، وقد تم القضاء على الإمارات الكوردية الثماني عشرة، واستبدلوا الأتراك بالأمراء الكورد.
وأمر آخر يضاهي ما سبق من حيث الأهمية من الناحية السياسية، فقد طلب الأستاذ صلاح الخالدي أن يؤلف كتابا في قواعد اللغة الكوردية، لكن تم رفض طلبه، وكان من أهم بنود ثورة الشيخ عبد السلام البارزاني، جعل اللغة الكوردية اللغة الرسمية في كوردستان، وخاصة في مجال التعليم، إلا أن العثمانيين رفضوا طلبه، وأعدموا الشيخ في سنة(1914م). وعليه، فإن هذه الدولة التي كانت تدعي الإسلام، وتحكم باسم الإسلام لقرون، كانت قومية عنصرية، ظاهرها الدين لاستغلال الشعوب وإذلالها، وباطنها التتريك والعثمنة من أجل تحقيق مصالحها القومية، فتحقيق فلسفة الدين الحقيقية كان أمرا هامشيا غير ذي بال، ناهيك عن رفضهم لأي شيء يخالف إرادتهم، أو يهدد مصلحتهم القومية. يقول الكاتب التركي محمد شوافي(ت1870م):" ولقد حان الوقت لتعيد دولتنا النظر في سياستها، فتحذو حذو إيطاليا وبروسيا اللتين صارتا دولتين قوميتين، إن ما ينبغي أن تفعله دولتنا هو توحيد المسلمين في نطاق القومية العثمانية الشاملة.... ثم قال: أفلا يعرف وزراؤنا أن القوميات بالمفهوم الغربي الفرنسي مشكلة أوربية خاصة لا شأن لنا بها، إن الخوض في مسائل الأعراف والمحليات سوف يعني دمارنا وخراب دولتنا، إن وحدة الدولة ووحدة القومية عندنا قائمتان على وحدة الدين، وليس على الوحدة العرقية". وقد وقع الكاتب في تناقضات جلية، حيث يدعو في البداية إلى الوحدة العرقية، وهي الاتفاق على الدولة التي يحكمها العثمانيون، وفي النهاية يدعو إلى الوحدة الدينية، ولكن في النهاية فالكاتب يدعو بطريقة أو بأخرى إلى وحدة دينية تجمع المسلمين من الشعوب والأمم الأخرى، وتجعلهم تابعين لهذه الدولة، وهذا استغلال للدين للمصالح القومية والعرقية.
أما بالنسبة للعرب فقد تطرفوا أكثر، مع أن المنطق يقتضي خلاف ذلك، ولكن يبدو أن تأثير المسيحيين العرب كان قويا وبليغا، ومن دعاة القومية العربية لتحل محل الدين بطرس البستاني وناصف اليازجي وفارس الشدياق وميشيل عفلق ونجيب حداد، ففي سنة (1904م) أسس نجيب عازوري المسيحي حزبا عربيا من أجل الوحدة العربية، وفي سنة(1913م) عقد مؤتمر في باريس حول رابطة القومية العربية تحل محل الرابطة الدينية، وقد كان جل المشاركين من المسيحيين". وحتى المسلمون العرب تورطوا في مثل هذه الأفكار الغريبة، وبدأوا بتأويل النصوص الدينية وتفسير الوقائع التاريخية وقراءتها قراءة قومية عنصرية، يقول علي حسني الخربوطلي في كتابه محمد والقومية العربية:" فلا عجب أن نعتبر القرآن الكريم باعثا على ظهور القومية العربية"، ثم قال:" إن النبـي (ص) هو الرجل الأول الذي نعتبره مثال الروح العربية". وقال مصطفى قاياي، وهو مدرس الأزهر:" إن سعد زغلول أفضل من النبي (ص) وإنه جاء بما لم يأت به النبـي (ص)، وإنه رسول الوطنية". كل هذا لأن سعد زغلول(ت1919م) قاد معركة ضد بريطانيا لتحرير مصر، فاستقلت مصر، وصدر الدستور للبلد سنة 1923م". بل الأدهى من ذلك أن أحدهم جعل الإسلام - الذي هو دين إلهي معصوم خالص، لا علاقة له بالإبداع الإنساني البتة- من مفاخر القومية العربية.
لقد دأب بعض الباحثين من العرب عند حديثهم عن القومية الكوردية في كونها هي الأخرى تأثرت بالفكر القومي العام في أوربا والأمم المجاورة، والحقيقة أن الأمر ليس كذلك، لأن القومية الكوردية من إفرازات الواقع الكوردي المؤلم، نتيجة سياسات الدول التي تحكمهم، وهي معروفة سابقا وحاضرا، ولأجل ذلك نجد للقومية الكوردية خصائص ومميزات تصنفها ضمن إطار القومية الطبيعية التي سبق الحديث عنها، ويمكن أن نوجز أهم تلك الخصائص والميزات:
أولا: كانت القومية الكوردية في مسارها الطويل وسيلة طبيعية لصناعة كيان قومي وسياسي يحمي الكورد من الظلم والاضطهاد، ويصونهم من الذوبان والاندثار، ولعل ما كتبه شعراء الكورد عبر التاريخ يثبت هذه الحقيقة، ومثال ذلك ما كتبه الشاعر أحمد خاني في ملحمته (مم وزين) فلقد كتب تلك الملحمة الشعرية عام(1591م) أي قبل قيام الثورة الفرنسية (1789م) أي بما يقارب ثلاثمائة عام، ومعلوم أن الثورة الفرنسية في نظر الباحثين تعد البداية التأسيسية التنظيرية للفكر القومي في أوربا. وعندما نتصفح ملحمة أحمد خاني نجد أبياتا واضحة تتحدث عن تشتت الأمة الكوردية وتفتتها بين الدول، وعن الظلم الواضح بحقهم من قبل الأمم التي كانت تحكم آنذاك، وعن ضرورة الوحدة والاتفاق بين الكورد للوصول إلى تحقيق كيان مستقل يحفظ الأمة الكوردية من البلايا والرزايا، ولضيق المجال لا أستطيع ذكر تلك الأبيات وترجمتها وتحليلها، ويمكن مراجعة الكتاب نفسه.
ثانيا: إن القومية الكوردية لم تتحول في نضالها الطويل إلى أداة ثقافية تعادي الدين، أو تحل محله، كما هو الحال بالنسبة للأمم الأخرى، فقد كان الدين دائما يحتل مكانته المقدسة بين الكورد وخاصة بين قادتهم، وجميع الثورات الكوردية التي قامت واندلعت كانت تسير على المنهج نفسه، خذ مثلا: حركة محمد باشا الرواندوزي المعروف بميركور(1832م-1836م) والأمير بدرخان (1846م-1847م) ويزدان شير(1853م-1855م) وعبيد الله النهري(1878م-1881م) وعبد السلام البارزاني(1907م-11914م) وسمكو آغا شكاك(1921م-1922م) ومحمود الحفيد البرزنجي(1922م-1924م) وسعيد بيران(1925) وأحمد البارزاني(1931م)وإحسان نوري باشا(1927م-1933م) وقاضي محمد(1947م) وملا مصطفى البارزاني(1943م). وما تأسيس اتحاد علماء الدين الكورد إلا دليل واضح على ما نحن بصدده. لا شك أنه كان بين الكورد مثقفون يحاولون تغيير المسار نحو المذاهب والحركات المعادية للدين، ولكنهم لم يفلحوا، ثم إننا نتحدث عن المسار العام لتلك الثورات، وليس عن نماذج معينة في التاريخ.
ثالثا: إن القومية في طبيعتها ينبغي أن تكون وسيلة لتحقيق الأهداف النبيلة، والحديث عن القومية بالنسبة للأمم التي لم تكون لنفسها كيانا قوميا مستقلا، أو إداريا ذاتيا ضروري وواجب، وذلك لأن البعد القومي هو الذي سيحفظ لأي كيان تاريخه وثقافته وحضارته وعاداته ولغته ووطنه، وعندما يتضعضع ذلك البعد ينهار كل شيء، ودعني أكون أكثر صراحة، إن الواقع الكوردي يفرض عليه الاهتمام الجدي والعملي بالبعد القومي أو الوطني، بينما التقوقع حول أي بعد آخر وخاصة البعد الديني في هذه الظروف يوقع مصير الأمة الكوردية إلى زوال وانشقاق وتمزق، وسب ذلك واضح، وهو أن البعد الديني في فلسفته قابل لتفاسير شتى، وما إشكالية الأديان المختلفة، والمذاهب الدينية، والآراء الفقهية المتنوعة، إلا طريق وعر لخلق مشاكل أكثر في واقع عصيب مر، لا يمكنه أن يتحمل أكثر مما هو عليه. فالأمة الكوردية بحاجة إلى وسيلة تجمع التلون الديني والتنوع المذهبـي والتباين القومي، في كيان واحد يرضي جميع الشرائح والطبقات. وفي تقديري أن الأمم التي استقلت، وكونت لنفسها كيانا أيا كان نوعه ليست بحاجة إلى الحديث عن القومية بالدرجة التي يتحدث عنها الأمم الأخرى، وأعني الأمم التي لا تزال تبحث عن مصيرها. يقول أحد الكتاب:" والملاحظ أن الاستعمار أعطى للقوميات العربية والفارسية والتركية دولا خاصة بها، أما الأكراد فلم يمنحهم دولة خاصة بهم، ولو صغيرة بقدر مساحة البحرين أو الكويت... لماذا؟".
رابعا: إن الكورد ليسوا غرباء في الأماكن التي يتواجدون فيها، بل هم أصحاب تلك الأرض الحقيقيون، فالتاريخ أثبت أصالة هذه الأمة، فهم عندما يدعون إلى تأسيس كيان، يدعون إلى استرداد حقهم المهضوم، فالاستعمار هو الذي قسم كيانهم، ووزعهم على الدول المعروفة. ولقد أشار علماء الانثروبولجيا أن الشعب الكوردي عريق وأصيل بنى حضارة مرموقة، وهي كانت جزءا من الحضارة الآرية Arian Civilization عرفت بإمبراطورية ميديا Meedi Empire وعاصمتها همدان Hamadan أو أكبتان Akbatan على أنقاض الامبراطورية الآشورية عام (612 ق.م).
ومع وضوح هذه الحقيقة وجلاءها نجد أن أحد الكتاب ينصح الكورد بما يأتي:" فلماذا تطالبون بالابتعاد والانفصال؟ وإخوتكم حريصون عليكم حرصهم على أنفسهم، هل ظلمتم؟ هل أهنتم؟ ألا تقبلون وأنتم الأقلية المساواة بالأكثرية، فلم هذه اللوثة، والوطن واحد، والهدف واحد، والمصير واحد". ومثل هذه التوصيات والنصائح قد عفى عليها الزمن وشرب، فنحن الآن في عصر العولمة والتكنولوجيا والتطور والتقدم والديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان، ومشكلة الأقلية والأكثرية قد ولت إلى غير رجعة، ثم إن مثل هذا الكلام لا يصدر إلا من الذين يجهلون الواقع الكوردي تماما، وما عاناه من ظلم وقهر واضطهاد من السلطات المتعاقبة في العراق.
خامسا: إن القومية الكوردية في مسيرتها الطويلة لم تكن سببا في تقسيم الأمة الإسلامية، فما حصل في التاريخ من انشقاق وتفرق يرتد إلى الاستعمار الغربي الذي تغلغل في البلاد، وقسم الشعوب المسلمة، ووزعها على دويلات قومية، والكورد بلا ريب ضحية ذلك التقسيم، فهم الأمة الوحيدة التي لم تنل استقلالها كبقية شعوب المنطقة، ولأجل ذلك فهم يحاولون إصلاح ما أفسده الاستعمار، ولا يعني ذلك تشكيل دولة كوردستان الكبرى كما يقعقع حول ذلك البعض، ففي كوردستان العراق مثلا طالب الكورد بعد 2003 المساواة الحقيقية والشراكة الوطنية والمواطنة الحقيقية في ظل نظام ديمقراطي وتعددي فدرالي، وهو ما دعا ويدعو إليه الكورد في جميع المناسبات، إلا أنه بعد أربع عشرة سنة لم يتحقق شيء من ذلك، وتحولت الدولة العراقية إلى دولة أيدولوجية تهدد النظام الديمقراطي، لذلك فشل النظام الفيدرالي، وعليه فلا بد من اللجوء إلى نظام أرقى وأفضل للعيش مع شركائنا في العراق، ولعل الكونفيدرالية هي الحل الأنجع والأمثل لكي نبقى متعاونين ومتآخين ومتحابين، لأن من حق الكورد تشكيل دولته القومية كبيقة الشعوب والأمم.
كلمة أخيرة: بما أننا مقبلون على الإستفتاء في 25-9 في نهاية هذه السنة من غير رجعة بعد أن يأسنا من سياسات بغداد الجائرة بحق كوردستان، فإننا لن نحاول تأسيس دولة قومية خاصة بالكورد فقط، بل سنؤسس دولة وطنية لجميع مكونات كوردستان من الكورد والتركمان والكلدآشورين والأرمن والعرب وكل من يقطن في كوردستان، وسنحاول في الوقت نفسه أن نرضي جميع المكونات بحيث يشعر الجميع بانتماءهم إلى هذا الوطن، ولا بد من مراجعة كل شيء يعطي انطباعا قوميا وصبغة خاصة بمكون معين وخاصة الكورد، بدأ من النشيد الوطني واليوم الوطني والعلم الكوردي وكثير من الأمور التي لا حاجة إلى ذكرها ههنا، وقد أشار الرئيس مسعود البارزاني في حديثه مع مكونات كوردستان الى هذه النقطة المهمة، وأقترح أن تكون ثمة مراجعة حتى لاسم كوردستان، لأن هذا الإسم يعطي صفة خاصة وعلامة جلية في كون هذا الوطن للكورد فقط، لا ريب أن الكورد يشكلون الأغلبية الساحقة في كوردستان، لكن ينبغي أن نتجاوز هذه المراحل التصنيفية المقلقة، وننسى إشكالية الأغلبية والأقلية، وندخل مباشرة بلا تردد ولا نقاش ولا نزاع في حقبة الدولة الوطنية المدنية الديمقراطية الحقيقية، لأن التجارب الفاشلة والناجحة تكفينا لنأخذ منها العظات والعبر، والحقيقة أن الغاية الأساسية من هذه الدعوة هي تحقيق التعايش السلمي والاخوة الوطنية الصادقة، وذلك حتى يشعر الجميع بانتماءهم لهذا الوطن، فالدول التي اتصفت بصفة القومية لم تستطع أن تحقق التعايش السلمي بين مكوناتها المختلفة، بل دخلت في صراعات دموية لا زالت تعاني منها، لأن البلد يتكون من مكونات مختلفة، ولا يمكن فرض قومية معينة على القوميات الأخرى من أجل ذوبانها في بوتقة قومية واحدة، فالدولة القومية تصلح لبلد يتكون من قومية واحدة كبعض الدول العربية، بينما العراق وتركيا وإيران وسوريا على سبيل المثال لا يمكن أن تكون الدولة قومية بل يجب أن تكون وطنية لجميع مكوناتها.