• Sunday, 24 November 2024
logo

العراق إلى أين؟

العراق إلى أين؟
نخشى أن تصبح هناك قناعة كاملة لدى الشعب العراقي أن الشيعة لا يستطيعون إدارة البلد, فبعد سقوط صدام إلى اليوم لم نر تطورا في هذا البلد، أمن مضطرب، اقتصاد منهار، دبلوماسية هشة، علاقات بغداد وأربيل متوترة، خلافات حادة بين التحالف الوطني الشيعي، وخاصة بين التيار الصدري وأشياع نوري المالكي، وخلاف شيعي سني، وخلاف عربي كري، وهلم جرا، هذه الفوضى المستمرة تدفع البلد إلى الانهيار والتفتت، والأدهى من ذلك أن الخلافات السياسية دخلت السلك الاجتماعي، وهذه هي الكارثة، ودعنا لا نحفر صفحات التاريخ، بل أبدا بما جرى في الأيام السالفة، حيث بعد أن تم ترشيح السيد العبادي بتشكيل الحكومة، كمرشح للتحالف الوطني الشيعي، تم تشكيل الحكومة، ونحن الكرد لم نشارك للتصويت عليها، لأننا لم نحسم أمرنا، بل أردنا ضمانات حقيقية، وحددنا شروطا ومدة لتحقيق مطالبنا، حتى لا تتكرر أخطاء عهد نوري المالكي، والحقيقة أن العجلة في تشكيل حكومة العبادي مع عدم مشاركتنا كان الهدف منها إنهاء مرحلة المالكي، وليس إقصاء الكرد، لأنه حدد شخصيات لتبوأ حصة الكرد في الحكومة، مضت المدة، وحصل الاتفاق بين أربيل وبغداد، وكثرت الزيارات بين الطرفين، وكان ثمة أمل أن تحل المشاكل العالقة بين بغداد وأربيل، لكن تبين بمرور الزمن أن العبادي لا يريد حل المشاكل، بل يريد تعقيد المسائل، فلم يلتزم بالاتفاق، ولم يرسل الموازنة، ولم يساعد قوات البشمركة مع كونهم جزءا من منظومة وزارة الدفاع الاتحادية، ولم يدفع رواتب موظفي الإقليم، إذن بدا للشارع الكردي أن ثمة مؤامرة خطيرة ضد الإقليم، حيث تراكمت تحديات خطيرة تواجه حكومة كردستان، تحدي حرب داعش، تحدث انهيار أسعار النفط، تحدي النازحين، مع التحدي الذي يواحهنا دوما، وهو تحدي الفاسدين والمفسدين من الذين يهدرون المال العام، ويهددون اقتصاد البلد، أصبح جليا أن هذه الزيارات التي يقوم بها وفد الإقليم لا جدوى منها، لأنها لا تعطي أي أمل للشارع الكردستاني.
ما الذي جرى؟
أتصور أن الشعب العراقي قد ضجر من هذه الوجوه المتكررة في الحكومة، لذلك أصبح الشعب على قناعة أن سبب الفساد والتخلف والفقر والبطالة هذه الوجوه، لذلك طالبوا بتغيير شامل، ومحاكمة الفاسدين والمفسدين، الذين نهبوا ثروات البلد، واستمرت المظاهرات كل جمعة، ولا ريب أن من حق الشعب أن يتظاهر وينتفض وهو أمر دستوري، لذلك صوتنا في مجلس النواب بالاجماع على تفويض العبادي بالقيام بالاصلاحات، وساندته المرجعيات العليا، وكذلك سانده الشعب العراقي، لكن العبادي استغل الفرصة فبدأ أولا بالقضاء على خصومه، وعلى من هو أقوى منه، وعلى من يخاف منه، وليس هذا مطلب الشعب، استطاع العبادي وهو يستغل هذه الصلاحيات المطلقة أن يتفرد بالسلطة، وقد تبين لنا في مجلس النواب أن هذه الرجل لا يريد إصلاحا، ولا يريد إحالة أي فاسد إلى المحاكمة، وأصبح الشعب مقتنعا أن العبادي لا يريد إصلاحا، بل يريد استغلال الوقت لكي يحقق ما يريده هو، ولذلك انتفض الشعب مرة أخرى، وظهر السيد مقتدى الصدر محرضا الجماهير ضد الحكومة، وأعطى مهلة للتغير، وشكل هو حكومة تنكوقراط، ولا شك أن العبادي شعر بخطورة الموقف، فشكل هيئة لا أحد يعلم من أعضائها، وشكل هو حكومة تكنوقراط أخرى جديدة، ولكن تم رفض هذه الحكومة وخاصة من قبل الكتل الكردستانية، لأننا مكون أساسي، ولا بد أن يتعامل العبادي معنا كقومية ثانية، ولا نسمح لأحد أن يختار أشخاصا معينين من كردستان لكي يتبوأوا مناصب في الحكومة، ولقد أرسلنا رسالة للعبادي طالبنا فيها توضيح حصة الكرد وهي الاستحقاق الانتخابي والتي هي عشرون بالمائة 20%، وكذلك معرفة الوزارت التي تعطى للكرد, لكنه لم يرد على رسالتنا، وإنما طالبنا بمرشحين مع السير الذاتية، ونحن بدورنا رفضنا تقديم أي مرشح، لأن هذه ليست هي الشراكة, بل هي المشاركة، وهي سلوكيات فردية تقضي على العملية السياسية والشراكة الوطنية في البلد, الخطأ الفادح الذي ارتكبه العبادي أنه لم يتفاوض مع الكتل السياسية والنيابية، بل تفرد برأيه مع الأخذ بملاحظات أفراد من قادة حزبه، لذلك كانت كابينته الأولى كابينة حزب الدعوة، ففشلت لأنها لن تحظى بالتأييد، وعندما يفشل في تقديم كابينته، ولم ينل ثقة البرلمان، تكون حكومة مستقيلة، ووقتذ يكلف رئيس الجمهورية مرشحا آخر، وهذه العملية تستغرق وقتا، والوضع العراقي لا يتحمل ذلك، فالشارع يلتهب، لذلك اضطر الى تشكيل حكومة أخرى تتكون من 14 اربعة عشر وزيرا، مع بقاء حصة الكرد الى أن يتفق الكرد في تحديد مرشحيهم للوزارات التي حددت للكرد، كان ذلك بضغط أمريكي, وقد رضي الكرد بالمقترح، لكن هذا الأمر لن ينجح لأن الشارع العراقي لن يرضى بهذا التغيير الجزئي، وكذلك الأحزاب السياسية، وبقيت الكابينة كما هي، استجوبنا السيد العبادي، لكي يعلن كابينته، ولما وصل إلى قبة البرلمان، وألقى كلمته التي لم تكن تحمل أي معنى، كانت الكلمة عبارة عن اتهام مجلس النواب في كونه سببا في تأخير الكابينة، وقد جاء العبادي بظرف مغلف مغلق، والكارثة هنا بدأت عندما لم يعرف السيد الجبوري رئيس البرلمان كيف يتعامل مع العبادي المناور، حيث لم يتلق الجبوري كتابا رسميا من العبادي، ولم يفتح الملف، وكان هدف الجبوري الحقيقي حل المشاكل قبل التصويت، لأن الكتل النيابية لم تتفق بعد، ولو صوتوا على الكابينة لفشلت عملية التصويت، وتصبح كابينة العبادي مهب الريح، فتكون مستقيلة، وهذا الذي كان يخشاه الجبوري، ومعلوم أن أغلبية النواب يبغضون العبادي الذي يحمل في نفسه عقدة تجاه النواب، وأصبح مجلس النواب ألعوبة بيد العبادي، بسبب سياسة الجبوري ونائبيه، مما دفع أغلبية النواب لجمع التواقيع لإقالة هيئة رئاسة البرلمان، ومما زاد الطين بلة أن الجبوري بعد استلام الكابينة المغلفة المغلقة رفع جلسة البرلمان، وهذا مما جن جنون أغلبية النواب، لأن الجبوري فوت الفرصة للقضاء على العبادي الذي لم يحترم النواب لحظة من لحظات حكومته، بل كان يعادي النواب بكل صراحة.
لنعد إلى النواب المعتصمين، هؤلاء النواب يتكونون من فئام مختلفة، من شيعة المالكي وسنة المالكي، وكتلة الصدر وبعض من كان مرشحا ليكون وزيرا، وتم استبعاده، ومن التركمان ومن الكرد نائبة من حركة التغيير، ونائب من الاتحاد الإسلامي الكردستاني، ولكن عددهم كان قليلا، تجمع هؤلاء وعقدوا جلسة أقالوا هيئة رئاسة البرلمان، واختلفوا في عدد النواب الموجودين في الجلسة، حيث ذكر النواب المعتصمون أن النصاب كان كاملا، لكن الدائرة الإعلامية لمجلس النواب ذكر أن النصاب لم يكتمل حيث كان عدد النواب 131، والنصاب لا بد أن يكون 165، ذهبت الجلسة الإولى مع وجود الاختلاف، نحن في الكتل الكردستانية وكتلة بدر والمواطن وبعض نواب حزب الدعوة، واتحاد القوى لم نشارك في الجلسة لكونها كانت غير شرعية، أصر النواب المعتصمون على عقد جلسة أخرى من أجل فتح باب الترشيح، لكن فجأة تدخل رئيس الجمهورية الدكتور فؤاد معصوم لكونه حاميا للدستور، واقترح جلسة شاملة لمناقشة استقالة هيئة الرئاسة، إلا أن النواب المعتصمين رفضوا المقترح، نحن في الكتل الكردستانية مع الكتل الأخرى التي تشاركنا الرأي قررنا المشاركة للتصويت على مقترح رئيس الجمهورية، قررنا الدخول، دخل بعضنا، وبقي البعض الآخر على باب المجلس للدخول، اكتمل النصاب، ولم يسمحوا بمناقشة مقترح رئيس الجمهورية، وصوتوا بهذا العدد المكمل للنصاب على الإقالة من جديد، وفتحوا باب الترشيح ورفعوا الجلسة مع البقاء على فتحها، وهنا تبين لنا أن النواب المعتصمين أكملوا بنا النصاب، يعني أنهم خدعونا، لذلك قررنا في الكتل الكردستانية الانسحاب مع اتحاد القوى، وتبعنا المجلس الإعلى وبدر، وعدنا إلى كردستان حتى تعود الشرعية، نحن لم ندافع عن الأشخاص، فمعلوم أن هيئة رئاسة البرلمان كانت ضعيفة هشة، لكننا لم نسمح لهؤلاء النواب المعتصمين أن ينتصروا في مشروعهم الخطير، فلو نجحوا في ذلك، لربما قاموا بتغييرات أخرى خطيرة، تقصي مكونات اساسية في البلد.
بقي النواب المعتصمون مصرين على عقد جلسة يوم الخميس 21-4-2016، لكن وقعت الواقعة، حيث أعلن السيد مقتدى الصدر عن انسحاب نوابه من كتلة الأحرار، حيث يشكلون أغلبية عدد النواب المعتصمين، وكان حاكم زاملي من جماعة مقتدر الصدر قد أقسم أمام النواب المعتصمين عدم انسحابه مهما تطلب الأمر، لكن انسحاب كتلة الأحرار كانت قاصمة لظهر المعتصمين، لذلك أعتقد أن هذه كانت نهاية النواب المعتصمين، لا ريب أن عملية التغيير بهذه الصورة لا يكتب لها النجاح في بلد مثل العراق، لا بد من مراعاة المكونات، والحفظ على التوازن المجتمعي، لا يمكن التعويل على عدد النواب، ولو كان ذلك كذلك، لكن للتحالف الوطني أن يسيطر على جميع مؤسسات الدولة من رئاسة الجمهورية والبرمان ومجلس الوزراء، لكن روعي في العراق الجديد هذه المعطيات.
نحن الآن أمام خيارين، إما الإطاحة برئاسة البرلمان بالتصويت في جلسة عامة شاملة، أو الإبقاء على هيئة الرئاسة، وهذا الخيار الأخير صعب، أما مسألة الإطاحة بالسيد العبادي فهذا هو الحل الأنجع، لأن العبادي بسياسته الطائشة أوصل البلد إلى هذه الفوضى, وأعتقد أن الأغلبية مقتعة بهذا الحل، لكن ننتظر في الأيام القادمة ماذا سيحصل، لأن التغييرات في العراق سريعة لا نستطيع تحليلها، لسرعة تقلبها.


د.عرفات كرم ستوني
نائب عن كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني في مجلس النواب العراقي
Top