سقوط البعث السوري وحقيقتان قائمتان
جواد كاظم ملكشاهي
تولى حزب البعث السلطة في سوريا عام 1963، ودامت سلطة الحزب و حافظ الأسد الأب وبشار الأبن مدة 61 عاماً، وفي العقود الستة الماضية، شهدت سوريا حكماً ديكتاتورياً ونظاماً بوليسياً خطيراً، حكمت الشعوب السورية بالحديد والنار واسكتت جميع الأصوات المنادية بالحرية والديمقراطية، وفي تلك الفترة ايضاً، شهدت منطقة الشرق الأوسط احداثاً خطيرة ومهمة ولعب النظام البعثي في سوريا دوراً مهما فيها كالحروب العربية الأسرائيلية والحرب الاهلية في لبنان التي دامت اكثر من عقد من الزمن، فضلا عن الحرب العراقية الايرانية التي كانت سوريا وليبيا الداعمتان الوحيدتان لطهران من بين الدول العربية.
كما لعبت سوريا دوراً محوريا لهيمنة ايران على القرار اللبناني عن طريق حزب الله ،فضلا عن تدخلاتها في شؤون دول المنطقة كالعراق وتركيا والأردن وحتى بعض الدول الخليجية، بحيث اصبحت دمشق المطبخ السياسي وغرفة عمليات لجميع قضايا الشرق الأوسط ،كما كانت دمشق احدى اهم ركائز ما تسمى بمحور المقاومة التي قادتها ايران في المنطقة بوساطة اذرعها في العراق واليمن ولبنان،فضلا على دورها في التعاطي مع حضور ونفوذ روسيا.
اليوم ومع سقوط نظام البعث في سوريا، ستشهد المنطقة تغييرا جذرياً، وستحتدم الصراعات بين دول المنطقة من جانب والقوى العظمى صاحبة النفوذ والمصالح من جانب آخر، فضلا عن التوسع الأسرائيلي اذ تعد هذه نقطة تلاقي مصالح القوى الكبرى المتواجدة بقوة في المنطقة.
لا يختلف اثنان على انه بسقوط نظام الأسد في سوريا ، سينهار الهلال الايراني الممتد في العراق وسوريا ومنه الى لبنان وبالتالي سيضعف الدور الايراني في منطقة الخليج والشرق الأوسط بشكل عام،وسيكون لتركيا دور اقوى في المنطقة فيما لو هيمنت التيارات الأسلامية السنية المتطرفة على زمام الامور في سوريا كما حدث في العراق، عندما هيمنت القوى الشيعية على السلطة بدعم من طهران.
عليه من السابق لآوانه التكهن بمستقبل سوريا السياسي ودورها المستقبلي وتأثيرها على المنطقة ، لوجود قوى سياسية سورية عديدة مرتبطة بأجندات متعددة ،تتقاطع مصالح بعضها مع بعض وتختلف في التوجهات والاهداف المستقبلية للساحة السورية.
ورغم كل ذلك هناك حقيقتان قائمتان وباينتان لا تحتاجان الى التحليل والتفسير وهما،اولاً ان حقبة نظام الحزب الأوحد في سوريا قد انتهت الى غير رجعة، ولابد من مشاركة جميع المكونات السورية القومية والطائفية في ادارة البلاد وصناعة القرار في النظام المقبل مهما كان تسميته، وفي حال محاولة طرف معين الهيمنة على ارادة وطموحات المكونات الأخرى، ستندلع حرب اهلية قومية وطائفية تحرق الأخضر واليابس و لايمكن التكهن بنهايتها ونتيجتها، وستمتد شرارتها دون ريب الى الدول المحيطة التي تتشكل شعوبها من قوميات وطوائف واعراق واثنيات متعددة كتركيا والعراق وايران.
والحقيقة الثانية، ان دور ماكان يسمى بمحور المقاومة التي قادتها ايران سيشهد في المرحلة القادمة انحساراً شديداً، وان حاولت بعض اذرعها القيام ببعض التحركات للأيحاء على انها ماتزال موجودة،لكن تلك التحركات ستكون محدودة وغير مؤثرة على امن و مستقبل المنطقة، والخارطة الجديدة للشرق الأوسط التي ستؤمن مصالح القوى الكبرى وامن اسرائيل في العقود المقبلة.