الرئيس الأميركي القادم والملف العراقي
شيروان الشميراني
بحثت كثيراً وعن مراد وحاجة للمعرفة عن توقعات المحللين الأميركيين حول العراق عقب الفوز الكببر الذي حازه دونالد ترمب بتاريخ 5 أكتوبر - تشرين الأول - 2024 في التصويت الشعبي، وكذلك بحكم الموقع الذي تحتله الولايات المتحدة الأميركية في العالم والمتوقع وغير المتوقع من شخصية ترمب في السياسية الخارجية.
فلابدّ من معرفة ما يمكن ان يعتمده في الملفات الدولية التي لبلده القول الفصل فيها، وغالبية تلك الملفات مرتبطة بالشرق الأوسط موضع الشجار والخصومات التي لا تهدأ، لكن وبعد متابعة شبه دقيقة لم أجد من أشار الى العراق كعنوان مستقل والمنتظر من ترمب تجاهه، أوكرانيا والحرب على غزة ولبنان وإيران وتايوان والصين والهند وموسكو، هذه العناوين هي التي كانت محل قراءات المحللين، وليس العراق ولا أفغانستان البلدان اللذان أشعلا النيران في العلاقات الدولية لثلاثة عقود.
منذ عشرين سنة، حين كان العراق أحد المتحكمين في نتائج الانتخابات الأميركية، في عام 2004 عندما كانت الآفاق أمام الأميركيين مظلمة في العراق، لجأ الرئيس جورج بوش الابن الى "أياد علاوي" الذي كان يقود حكومة انتقالية مؤقتة في العراق لإلقاء كلمة في الكونغرس، وكان ذلك نجدة سهلت الأمر الصعب على الرئيس عندما كانت جثث الجنود الأميركين القتلى تذهب الى واشنطن يومياً، وقد ساعدت كلمة علاوي بوش في التقدم بنقطتين في الاستطلاعات الشعبية. أما الآن فلا وجود لهذا البلد في السياسة الدولية، ليس لأن العراق أصبح خارج الاهتمام الأميركي، وإنما لأنه أصبح جزاءً من أحداث أخرى، وفقد البلد الإسلامي الكبير الموقع الذي مازالت العيون ترنو اليه، وأصبحت مجموعات مسلحة صغيرة هي التي تحدد سياسته وما يمكن أن يحدث له خلال الفترات المقبلة.
إذن تراجع العراق من العنوان الأبرز في الشرق الأوسط، إلى عنوان هامشي تابع لأحداث وقضايا أخرى، ومخاضات المستقبل، بكلمة أخرى إن التطورات المنتظرة المتوقعة وغير المتوقعة في الشرق الأوسط وإنخراط المجموعات المسلحة فيها، وفي غزة على وجه التحديد هي التي تحدد نوع السياسة التي يمكن لترمب إتخاذها تجاه بغداد، ويمكننا في ذلك ذكر ثلاث نقاط:
• إصرار الفصائل المسلحة على إستهداف متواضع القواعد العسكرية والإقتصادية للكيان الإسرائيلي.
• ردود فعل حكومة الإحتلال على تلك الضربات، وهي ردود فعل يحددها نوع وحجم الخسائر الناجمة عن تلك الضربات.
• تعامل الدولة العراقية مع النقطتين تلك.
كما أن الأميركيين وبعض ممارساتهم تؤثر بالسلب على الوضع العراقي والذي ينعكس بدوره على سياسة واشنطن المرتقبة تجاه بغداد، وهذه الممارسات الأميركية هي إستعمال الأميركيين قواعدهم العسكرية الموجودة على الأرض العراقية في التصدي للصواريخ الإيرانية الموجهة الى إسرائيل، والسماح بإستخدام الأجواء العراقية لتنفيذ ضربات جوية اسرائيلية ضد إيران، وهذان الأمران حدثا في الفترة السابقة، وبذلك تجاوزت الولايات المتحدة الحدود المتفق أو المتعارف عليها في العراق، ففي نظر قادة الفصائل إن الأميركيين في العراق أصبحوا الخط الأمامي للجيش الإسرائيلي ضد إيران المقربة.
لكن مع هذا لا يتصور تورط ما يسمى بالمقاومة الإسلامية في العراق في الدخول السافر في مواجهة الأميركيين، لأن ذلك يعود بكبير الوبال عليهم، وعلى الدولة العراقية أيضاً، ومن هنا النداءات والترجي المستمر من رئيس الحكومة محمد شياع السوداني بإبعاد العراق عن الزج في أحداث المنطقة، وقد ساعد السوداني بيان المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني بإبعاد العراق عن الحروب وضرورة حصر السلاح بيد الدولة فقط، ومن معاني حصر السلاح بيد الدولة ألا يستعمل أحد السلاح في أية جهة كانت خارج السياسة الرسمية. فالتطورات والتغيرات داخل هذه الدائرة في المستقبل وبعد تولي ترمب شؤون البيت الأبيض هي التي تحدد سياسية الرجل في الملف العراقي.
بإستثناء هذا العامل المتحرك، فإن السياسة الأميركية تجاه بغداد تحدده بالمرتبة الأولى السفارة التي هي الأكبر في الشرق الأوسط، ومتداول في الأوساط المعنية تجوال السفيرة "إيلينا رومانوفسكي" على الشخصيات العراقية والتحذيرات والمغريات التي تلقيها دوماً على الطاولة، وهي الأساس في هذا المجال، ويأتي بالمرتبة الثانية "بريت ماكغورك" المبعوث الرئاسي للشرق الأوسط، وهو موظف سابق في السفارة الأميركية في بغداد، كما انه مبعوث عابر للإدارات الأميركية الجمهورية والديمقراطية، يعمل في هذا المنصب منذ الدورة الثانية للرئيس الأسبق باراك أوباما، ومن مميزاته أنه قادر على التواصل مع الإيرانيين لترتيب الملفات، وفعل ذلك إبان الاستفتاء الكوردي سنة 2017 واتفق معهم على وأد إفرازاته.
ما سبق هو الإطار العام الحالي والمرتقب بين واشنطن وبغداد، لا يمكن فصله في تطوراته عن الحرب على غزة ولبنان، علماً أن السياسة العراقية الرسمية هي تقديم الدعم الثابت في مجالات الإغاثة والدبلوماسية والإعلام، بإستثناء الجانب العسكري الذي العراق أعجز ما يكون فيه، القوة الجوية العراقية ضعيفة جداً كما ان دفاعاته الجوية هزيلة، لحد أنها لم تحرك ساكناً إزاء إنتهاك الطائرات الإسرائيلية أجواءه خلال الأسابيع الماضية. كما أنه مقسم سياسياً وشعبياً، ومع ثرواته الكبيرة لكنها تحت رحمة الأميركيين، وبجميع المقاييس لا يمكن القول إن العراق بلد مستقل، هو في قبضة الأميركيين، وبناء على هذا الإحساس الواضح لدى المسؤولين تراهم يعملون جاهدين لتجنب العراق الغضب الأميركي، أو النار الإسرائيلية، حيث تتوالى التهديدات والتحذيرات بجميع الطرق وكلها جدية، وقد عملت إدارة بايدن على منع الاسرائيليين استهداف العراق، لكن من بعد مغادرة الديمقراطيين الحكم لا يستبعد توجيه إسرائيل ضربات موجهة لقادة ومقرات المجموعات التي تعمل تحت لافتة المقاومة الإسلامية، وقد يسمح ترمب بذلك أو يقوم هو بالمهمة لتجنب إثارة الحساسية المتجذرة تجاه الكيان الإسرائيلي المدرج في الذاكرة العراقية كعدو محتل غاصب للأرض والحقوق.
روداو