• Sunday, 27 October 2024
logo

نجاح الانتخابات في كوردستان: إنجاز ديمقراطي في قلب الفوضى الإقليمية

نجاح الانتخابات في كوردستان: إنجاز ديمقراطي في قلب الفوضى الإقليمية

شاهو قراداغي

 

على الرغم من تصاعد حدة الخطابات السياسية أثناء فترة الدعاية الانتخابية للانتخابات البرلمانية في إقليم كوردستان، إلا أن الإقليم نجح في تنظيم انتخابات ديمقراطية بمشاركة شعبية واسعة وصلت إلى 70%، مما يشير إلى حماس أكبر مقارنة بالانتخابات السابقة ورغبة أوسع من قبل مواطني الإقليم للمشاركة في إيصال ممثليهم إلى البرلمان، ويمثل ذلك نقطة مضيئة وسط الفوضى الإقليمية، ويعكس التزام القيادة الكوردية والشعب الكوردي بالمسار الديمقراطي، والموافقة على الاحتكام إلى صناديق الاقتراع والقبول بنتائجها، وهذه إشارة إيجابية لتجربة ديمقراطية فريدة و مميزة في بيئة إقليمية محاطة بالفوضى والمشاكل السياسية والأمنية.

ومن خلال متابعة الحملات الانتخابية والمهرجانات الشعبية وحتى يوم الانتخابات، يتضح أن العملية الانتخابية سارت بشكل منظم وسلمي وخالٍ من أعمال العنف أو الفوضى التي غالباً ما نشهدها في انتخابات العديد من دول المنطقة، حيث تتحول الدعاية الانتخابية إلى أعمال عنف وتصفية حسابات سياسية في الشوارع، بينما في إقليم كوردستان ساهم الجميع في التعبير عن رأيهم عن طريق الصناديق وبالصورة السلمية والديمقراطية وتقديم صورة حضارية وتجسيداً حقيقياً للنموذج الذي يحلم العديد من الدول في المنطقة الوصول إليها.

تجسيد التفاؤل في منطقة مضطربة

جاءت الانتخابات البرلمانية في إقليم كوردستان في فترة حرجة إقليمياً ودولياً، فالعالم وخاصة في منطقة الشرق الأوسط في مرحلة الغيلان، ويعاني من صراعات وأزمات وحروب قد تتطور في أي لحظة إلى نزاعات واسعة النطاق بين الأطراف الإقليمية والدولية، كما أن هناك حديث عن تغيير الخريطة السياسية في المنطقة بصورة كاملة وانقلاب موازين القوى، وبما أن إقليم كوردستان يقع داخل العراق و يجاور طرفاً أساسياً في الصراع الحالي وهو إيران، فإنه يقع بالقرب من دائرة الخطر والتحديات الإقليمية والدولية، وعلى الرغم من ذلك نجح الإقليم في تحقيق هذا الإنجاز الديمقراطي، والذي يُعد انتصاراً للجميع وتقوية لتجربة وكيان إقليم كوردستان، فالانتخابات لم تكن حدثاً لمعرفة الثقل السياسي للأطراف والأحزاب السياسية فقط، بل خطوة مهمة لتجديد الشرعية لمؤسسات وسلطات الإقليم والتي تُساهم في ترسيخ الشرعية في عين المجتمع الدولي وتقوية الإقليم في المحافل الدولية وتعطي القدرة للأطراف السياسية الحاكمة على إظهار تماسك سياسي قوي في مواجهة الضغوطات والتحديات الخارجية.

ومن المُهم أن نذكر أن نتائج الانتخابات البرلمانية تُظهر فوز الحزب الديمقراطي الكوردستاني في المرتبة الأولى والاتحاد الوطني الكوردستاني في المرتبة الثانية، يليهم الأحزاب والأطراف السياسية الأخرى التي لا تُشكل تأثيراً ملموساً على القرار السياسي في الإقليم، وهذا يعني أن المشهد المستقبلي للحكومة القادمة والتي تتشكل بقيادة الديمقراطي الكوردستاني ستُحافظ على نهجها ومسارها في المحافظة على العلاقات مع الأطراف الخارجية بصورة متساوية على أساس المصالح المشتركة، وعدم فتح المجال أمام الدول الإقليمية لتنفيذ مشاريعها داخل إقليم كوردستان، وخاصة في ظل وجود ضوء أخضر أمريكي لإسرائيل لاستهداف الأطراف والجماعات المسلحة المقربة من إيران في المنطقة، سواء في فلسطين أو لبنان أو حتى سوريا، وبالتالي فإن الجميع يُدرك حالياً أن الاقتراب من المحور الإيراني يُجلب المشاكل والحروب، وبالتالي فإن الاستمرار في السياسات الحالية خلال الفترة القادمة هو الخيار الأفضل للمحافظة على الإنجازات والمكاسب وتحصين تجربة الإقليم وإبعاده عن التحول لساحة لتصفية الحسابات كما نرى مع دول المنطقة.

البُعد الدولي: تعزيز الشرعية وزيادة الفرص

على نطاق العلاقات الدولية يحمل نجاح الانتخابات رسائل مهمة على الصعيد الدولي، في الوقت الذي تشهد فيه العديد من دول المنطقة اضطرابات سياسية ونزاعات مسلة وتحديات داخلية تؤدي الى انهيار مؤسسات الدولة، يُظهر إقليم كوردستان صورة مختلفة تماماً، فالإقليم استطاع تنظيم انتخابات نزيهة بإشراف بغداد وأطراف ومنظمات دولية، مما يعزز مكانته كمنطقة قادرة على إدارة شؤونها بنجاح.

وهذا النجاح ليس مهماً فقط لإقليم كوردستان، بل أيضاً للمجتمع الدولي والأطراف الدولية التي ترى في الإقليم نقطة استقرار في منطقة مضطربة، حيث أن الإقليم الذي يمتلك احتياطيات ضخمة من النفط والغاز ولديها موقع استراتيجي في الشرق الأوسط، تستقطب اهتماماً دولياً كبيراً، وخاصة من الأطراف التي تهتم بأمن الطاقة وتفكر في الاستفادة من هذه الموارد الموجودة على المدى المستقبلي، ومن الطبيعي أن إجراء الانتخابات وتعزيز الديمقراطية يعزز مكانة الإقليم كشريك مستقر يمكن الوثوق به في قضايا الطاقة والأمن لدى الأطراف الدولية الفاعلة.

كما أن نجاح الانتخابات يعزز من فرص الإقليم في جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية والمساعدات الدولية، حيث تتابع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية والمجتمع الدولي هذه الانتخابات بتركيز وتعتبر نجاحها مؤشراً على استمرارية الاستقرار السياسي وضمان التعددية السياسية، مما يعزز من فرص التعاون المشترك في مجالات عديدة أمنية وسياسية واقتصادية وتجارية.

تحصين التجربة واستدامة الاستقرار

لقد أثبتت حكومة إقليم كوردستان قدرتها على تعزيز الاستقرار السياسي والأمني في واحدة من أكثر مناطق الشرق الأوسط اضطراباً، نتيجة لاتخاذ قرارات وسياسات مدروسة وسليمة مكنته من إدارة الإقليم بصورة ناجحة، وعملت على تأمين بيئة مستقرة ومواتية للانتخابات البرلمانية رغم الظروف والتحديات الأمنية التي تمر بها دول المنطقة، وساهمت هذه الخطوات في تعزيز ثقة المواطنين بالمنظومة السياسية والتأكيد على قدرة الإقليم على إدارة نفسه في ظل الفوضى الإقليمية، كذلك أظهرت الحكومة قدرتها على إدارة العلاقات الخارجية وترسيخ مكانة الإقليم كلاعب مهم في التفاعلات السياسية على المستوى الإقليمي، ومن المؤكد أن حماية هذه المكاسب يتحقق من خلال تحصين التجربة وتعزيز العلاقات الداخلية في الإقليم وتقوية الجانب الاقتصادي والعلاقات التجارية مع الأطراف الدولية لضمان بقاء إقليم كوردستان طرفاً فاعلاً وقوياً داخل العراق وخارجه.

 

 

 

كوردستان24

Top