• Sunday, 26 January 2025
logo

صرح العدالة وحارس الحقوق

صرح العدالة وحارس الحقوق

مصطفى كامل

 

يُعَدُّ القضاء العراقي من أبرز دعائم الدولة وأحد أهم مؤسساتها الدستورية؛ إذ يضطلع بمسؤولية صون الحقوق والحريات وترسيخ الاستقرار في المجتمع. وعلى مدى العقدين الماضيين، شهد هذا الصرح القضائي حزمةً من الإصلاحات الجوهرية الهادفة إلى تعزيز استقلاله والارتقاء بمستوى أدائه في تحقيق العدالة.

ولعلّ محطة عام 2003 كانت الأكثر مفصليةً في مسيرة الإصلاح، إذ انتقلت السلطة القضائية فيها من وزارة العدل إلى مجلس القضاء الأعلى، ما أسهم في ترسيخ ثقة المواطن بالقضاء بوصفه حارساً للقانون وضامناً للعدالة.

وقد جاءت خطوة إصدار قانون مجلس القضاء الأعلى رقم (45) لسنة 2017 لتُرسِّخ استقلال القضاء عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، حيث أصبح رئيس محكمة التمييز رئيساً لمجلس القضاء الأعلى، مانحاً المؤسسة القضائية مساحةً رحبةً لاتخاذ القرارات بمعزل عن أي تدخل خارجي. وفي إطار تطوير العنصر البشري، طُرِحت برامج تدريبية حديثة تستهدف القضاة والمدّعين العامين وكوادر الجهاز القضائي، ما أدّى إلى صقل خبراتهم وتمكينهم من مواكبة المستجدات القانونية محلياً ودولياً.

وفي سياق محاربة الفساد، أثبت القضاء العراقي قدرته على ملاحقة المتورطين وحماية المال العام، معززًا ثقافة المساءلة والشفافية عبر الآليات القانونية والرقابية. ولم يقتصر الإصلاح على الكوادر والتشريعات، بل شمل تحديث البنية التحتية التقنية، حيث تم إدخال نُظُم إلكترونية للتقاضي عن بُعد وعقد الاجتماعات المرئية، الأمر الذي اختزل الوقت وساهم في تسريع عملية إصدار الأحكام وتعزيز دقة الإجراءات.

وعلى الصعيد الدولي، فعَّل القضاء العراقي قنوات التعاون مع الهيئات القضائية حول العالم، في خطوةٍ تهدف إلى مواجهة الجرائم العابرة للحدود والاستفادة من أفضل الخبرات الدولية، مما انعكس إيجاباً على كفاءة القضاء ورصانة أحكامه. واتساقاً مع القيم الإنسانية، حرص القضاء على ضمان المحاكمات العادلة وصون حقوق الإنسان، مؤكّدًا التزامه بنشر ثقافة النزاهة والإنصاف.

وفي سياق تعزيز المشاركة وتمكين المرأة، شهد الجهاز القضائي نقلة نوعية في أعداد القاضيات، إذ ارتفع عددهن من 6 إلى 120، في دلالةٍ واضحةٍ على إيمان القضاء العراقي بمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص. وقد أسهم هذا الحضور النسوي في إثراء العمل القضائي ومدّه بآفاقٍ أوسع من الخبرة والتنوع.

إنّ الاحتفال بيوم القضاء العراقي في 23 كانون الثاني من كل عام يكرّس هذه المكاسب ويبرِز الإنجازات المتحققة في سبيل تطوير القضاء وتعزيز دوره المحوري في بناء دولة المؤسسات وسيادة القانون. كما يُعَدُّ هذا اليوم مناسبةً لاستذكار التضحيات الجليلة التي قدّمها رجال القضاء ونساؤه ترسيخًا للعدالة في ربوع الوطن، ودافعًا متجددًا للعمل على تحسين الأداء والارتقاء بقدرات المؤسسات القضائية بما يحمي حقوق المواطنين ويصون كرامتهم.

وفيما يمضي القضاء العراقي قُدُماً في مسيرة الإصلاح والتطوير، فإنّ استقلاله المؤسَّسي وقدرته على مواكبة التطورات التشريعية والتقنية تظلّان حجر الزاوية في تعزيز الثقة الشعبية به. وبذلك، يبقى القضاء العراقي درعاً حامياً للوطن، ورمزاً لترسيخ مبادئ الإنصاف والعدالة، ليواصل أداء رسالته السامية في خدمة المجتمع وتعزيز الأمن والاستقرار.

 

 

 

روداو

Top