• Monday, 27 January 2025
logo

البارزاني نبض الكوردي الدافئ

البارزاني نبض الكوردي الدافئ

عزالدين ملا

 

في تاريخ الشعوب، ثمة أسماء تتجاوز حدود الزمان والمكان، لتحفر نفسها في وجدان الأجيال. ومن بين هذه الأسماء، يبرز اسم البارزاني كأنه صدى الأرض التي رفضت الذل، وكتجسيد حي لإرادة شعب اختار الكرامة على الخضوع. إنه اسم ليس مجرد لقب لعائلة عريقة، بل هو رمز لروح التحدي التي لا تنطفئ، تلك الروح التي جعلت من كل فرد كوردي يشعر أن البارزانيين هم الحصن المنيع الذي يتكئ عليه في أشد لحظات التاريخ قسوة وظلمة. 

وفي كل زاوية من زوايا كوردستان، من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، كان اسم البارزاني حاضرا كطيف أبدي، يوحد القلوب ويرفع المعنويات. منذ البدايات، حين كان الكورد يبحثون عن هويتهم وسط أنقاض القمع والتشريد، ظهرت عائلة البارزاني كمنارة تهدي الطريق في ليالي الظلم الحالكة. 

كانت كوردستان الشمالية شاهدة على هذا الدور العريق، حيث لم يتوانَ البارزانيون يوما عن دعم الثورات الكوردية التي اشتعلت فيها، مساندين إخوانهم في الكفاح من أجل حقوقهم المسلوبة. وحين ارتفع الحلم الكوردي عاليا في كوردستان الشرقية، مع إعلان قاضي محمد جمهورية مهاباد، كان ملا مصطفى البارزاني بجانبه، ليس كمراقب، بل كمشارك فعّال يذود عن الجمهورية بروحه. لقد كان وزيرا للدفاع، ولكنه كان أكثر من ذلك بكثير؛ كان روح المقاومة وصوت الكرامة الذي يخبر الجميع أن الكورد لا يستسلمون مهما كانت الظروف. 

وفي غربي كوردستان، التي شهدت أهوال الحرب السورية وما رافقها من معاناة لا توصف، كانت بحاجة إلى يدٍ تمتد لتضمّد الجراح. وكان البارزانيون، بقيادة الرئيس مسعود بارزاني، أول من استجاب لصرخات الكورد السوريين. لم تكن استجابتهم مجرد واجب أخلاقي أو سياسي؛ بل كانت تجسيدا لمعنى الأخوة الحقيقية، تلك التي تتجاوز الحدود الجغرافية لتصل إلى أعمق مستويات الإنسانية. 

حين تدفقت أعداد اللاجئين الكورد من سوريا إلى إقليم كوردستان، لم تُغلق الأبواب في وجوههم، بل فُتحت الأذرع لتستقبلهم بحب ودفء. لم يكن ذلك الدعم مجرد مأوى، بل كان رسالة قوية كُتبت عليها (أنتم لستم وحدكم، نحن معكم في هذه المحنة).

وعندما اشتدت المعارك في مدينة كوباني، حيث وقف الكورد في مواجهة مصيرية مع قوى الظلام، لم يكتفِ البارزانيون بالدعاء والدعم المعنوي؛ بل أرسلوا قوات البيشمركة، تلك القوات التي تمثل روح كوردستان، لتدافع إلى جانب إخوانهم الكورد عن المدينة وتحميها من السقوط. 

لطالما كانت الانقسامات الداخلية الجرح الأعمق في الجسد الكوردي، ذلك الجرح الذي أضعف النضال وأخَّرَ تحقيق الأحلام. ولكن البارزانيين، برؤيتهم الحكيمة، أدركوا أن وحدة الصف الكوردي هو المفتاح الحقيقي لأي انتصار. ففي كوردستان سوريا، حيث تعمقت الخلافات بين الأحزاب والقوى الكوردية، كان الرئيس مسعود بارزاني بمثابة الوالد الذي يحاول جمع أبنائه المتخاصمين. أطلق مبادرات متكررة للحوار والتفاهم، وعقد اتفاقات مثل هولير 1 و2 ودهوك، محاولا جاهدا أن يُعيد اللُحمة إلى البيت الكوردي. ورغم التحديات الكبيرة التي واجهت هذه المبادرات، فإنها شكلت بصيص أمل في طريق الوحدة التي يتطلع إليها كل كوردي.

وفي ظل هذه التحديات الكبرى، وبعد سقوط النظام السوري وإدارة البلاد من قبل حكومة إنتقالية، بدأ الترقب إلى ترتيبات جديدة لمستقبل سوريا، حيث بدأت المحاولات لعقد مؤتمر وطني ووضع دستور جديد بحيث يراعي التنوع الديني والعرقي والطائفي في البلاد، وجد الكورد السوريون أنفسهم أمام معضلة كبيرة. فبدلا من التوحد خلف رؤية وموقف مشترك يضمن تثبيت حقوقهم المشروعة في دستور سوريا المستقبل، استمرت الانقسامات الداخلية في تعميق الجرح الكوردي.

وسط هذه الظروف، أطل الرئيس مسعود البارزاني مرة أخرى ليعيد بث الأمل في النفوس ويجمع شمل الكورد السوريين. كان البارزاني يدرك أن الوحدة هي السبيل الوحيد لتحقيق مطالب الشعب الكوردي وترسيخ حقوقه. فبادر إلى جمع القيادات الكوردية في لقاءات حاسمة، كان أبرزها لقاؤه مع رئاسة المجلس الوطني الكوردي. كما أرسل ممثله الخاص إلى كوردستان سوريا للقاء قائد قوات سوريا الديمقراطية، السيد مظلوم عبدي، في محاولة لتقريب وجهات النظر.

ولأن القضية الكوردية كانت دائما في قلبه، عقد الرئيس مسعود بارزاني لقاء شخصيا مع السيد مظلوم عبدي، حيث ناقش معه السبل الممكنة لتوحيد الصف الكوردي، مقدما المشورة والدعم بكل حكمة وحنكة. هذه المبادرات لم تكن مجرد جهود سياسية، بل كانت تعبيرا صادقا عن التزام البارزانيين التاريخي بالدفاع عن حقوق الكورد وتعزيز وحدتهم في وجه كل التحديات.

لكن دور البارزانيين لم يتوقف عند حدود كوردستان. لقد حملوا على عاتقهم مسؤولية إيصال صوت الكورد إلى العالم، ذلك الصوت الذي حاول الكثيرون إسكاته عبر العقود. لم تكن القضية الكوردية بالنسبة لهم مسألة محلية فحسب؛ بل كانت قضية إنسانية كبرى، تستحق أن تُسمع في كل المحافل الدولية. 

رأينا الرئيس مسعود بارزاني يخاطب قادة العالم بثبات وعزيمة، ورأينا رئيس إقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني ورئيس الوزراء مسرور بارزاني يجوبان عواصم العالم، حاملين معهم هموم شعبهم وأحلامهم. لم تكن هذه اللقاءات مجرد نشاطات دبلوماسية؛ بل كانت معارك نضالية من نوع آخر، تهدف إلى ضمان أن الكورد لن يُنسَوا في حسابات السياسة الدولية.

من هنا يجب أن ندرك، ان البارزانيين ليسوا مجرد قادة سياسيين أو عسكريين؛ إنهم رمز لمفهوم أعمق بكثير. إنهم يمثلون تلك الروح الكوردية التي ترفض أن تُكسر، وتصر على أن تقف شامخة في وجه الزمن. منذ أيام ملا مصطفى البارزاني، الذي أصبحت سيرته ملحمة تروى للأجيال، إلى الرئيس مسعود بارزاني، الذي أصبح قائدا لمرحلة مفصلية من النضال الكوردي، وصولاً إلى الجيل الحالي من القادة البارزانيين، يظل هذا الاسم مرتبطا بالأمل والعزيمة. 

قصص البطولات التي رافقت مسيرة البارزانيين ليست مجرد ذكريات؛ إنها دروس في الصمود، وإلهام لكل كوردي يحلم بمستقبل أفضل. تلك الحكايات التي يرويها الآباء لأبنائهم عن البيشمركة وثورات أيلول وكوباني، ليست فقط ماضياً يُحكى، بل هي وقود يشعل نار الكرامة في قلوب الكورد، ويجعلهم يدركون أن نضالهم لم يكن عبثا. 

اليوم، يقف الكورد في مواجهة تحديات ربما تكون الأصعب في تاريخهم. ولكن في كل لحظة قاسية، يعود اسم البارزاني ليشعل الأمل من جديد. هذه العائلة التي حملت على عاتقها عبء القضية الكوردية، لم تفقد يوما إيمانها بشعبها، ولم تتراجع عن التزامها بمبادئها. 

البارزانيون هم أكثر من مجرد قادة؛ إنهم رمز العزَّة الكوردية، وصوتها الذي يعلو فوق كل أصوات القهر. إنهم الوعد الذي قطعه الكورد لأنفسهم بأنّ النضال مستمر، وبأنّ يوم الحرية سيأتي. 

في كوردستان، حيث الجبال شاهدة على البطولات، وحيث كل صخرة تحمل ذكرى شهيد، يظل اسم البارزاني محفورا في الوجدان الكوردي كأنه قسم مقدس بأن كوردستان لن تنحني، وأن الحلم سيبقى حيا في قلوب الأجيال القادمة.

 

 

 

باسنيوز

Top