منعطف خطير في الشرق الأوسط
سهاد طالباني
يعد التصعيد الأخير بين إسرائيل وإيران، والذي يعتبر أنه أول عمل عسكري مباشر من إيران ضد إسرائيل والذي شمل أكثر من 300 قذيفة بما في ذلك طائرات مسيرة وصواريخ متطورة، تطوراً مهماً في الجغرافيا السياسية الإقليمية.
وجاء هذا الهجوم المباشر رداً على الغارة الجوية الإسرائيلية على مبنى دبلوماسي إيراني في دمشق، والتي اعتبرتها إيران استفزازا شديدا وهجوما مباشرا كان لا بد من الرد عليه. ويتجلى مدى تعقيد هذا الوضع في وجود مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية المعنية، والشبكة المعقدة من التداعيات العسكرية والدبلوماسية.
في قلب هذا الصراع يقع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي ربما يكون قد دبر الهجوم على القنصلية الإيرانية باعتباره تحويلاً استراتيجياً، في خضم الاضطرابات السياسية الداخلية والاستياء العام بشأن ادارته لعدد من الملفات الداخلية وعلى رأسها ملف الصراع مع حماس. ومن خلال تحويل التركيز الوطني نحو الأزمة الأمنية، يهدف نتنياهو إلى تعزيز سلطته وتوحيد ناخبيه في الداخل وسط ضعف سياسي متزايد.
إن هذا التكتيك المتمثل في استخدام مناورات السياسة الخارجية لحشد الدعم الوطني ليس بالأمر غير المألوف، ويعمل كأداة يستخدمها القادة الذين يواجهون تحديات داخلية لتعزيز مكانتهم في الداخل، ويضاف الى ذلك في حالة نتنياهو محاولة البقاء في السلطة وتجنب اجراء انتخابات مبكرة، لأنه خروجه من السلطة قد يعني دخوله السجن في قضايا الفساد الموجهة ضده داخليا.
يمثل رد إيران باستخدام تكنولوجيا الطائرات المسيرة المتقدمة تحولاً نحو تكتيكات حربية جديدة في الشرق الأوسط. فهذه الطائرات قادرة على مناورة الدفاعات الصاروخية الأكثر تطوراً، ليس ذلك فحسب، فاستخدام هذه التكنلوجيا يعني القدرة على توجيه ضربات مؤثرة بتكلفة أقل نسبيا، وبتداعيات كبيرة لا تظهر القدرات العسكرية الإيرانية فحسب، بل تشكل أيضًا تحديات لأنظمة الدفاع الصاروخي الإقليمية، وتختبر فعاليتها وموثوقيتها. وقد يشجع هذا التطور القوى الإقليمية الأخرى والجهات الفاعلة غير الحكومية على الاستثمار في تقنيات مماثلة، مما قد يؤدي إلى سباق تسلح يتمحور حول الطائرات المسيرة، وهو ما يمكن ان يصل مستوى يمكن أن يعيد تشكيل الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط.
ما يثير القلق على المستويين الإقليمي والدولي هو سيناريوهات ما بعد العملية العسكرية الإيرانية، وكيف يمكن ان تتصاعد الأمور في حال قررت إسرائيل الرد على الهجوم الإيراني، والذي ببدو انه قرار قد اتخذته إسرائيل فعلا، وذلك كما صرح وزير الخارجية البريطاني جيمس كاميرون اثناء وجوده في إسرائيل. فلو قررت إسرائيل ان تقوم بالرد بهجوم مباشر على الأراضي الإيرانية، فان هذا يعني بالتأكيد فتح الباب على مصراعيه لردود انتقامية أخرى من جانب طهران، ولكن هذه المرة قد يكون الرد الإيراني اكثر شمولية وعنفا بحيث تشارك في القوى المسلحة المتحالفة مع ايران وخاصة حزب الله في لبنان، أي أن المنطقة قد تشهد حربا يمكن وصفها بأنها حرب مباشرة وشاملة. هذا السيناريو يثير قلق الأطراف الإقليمية والدولية بشكل واضح، لأنه قد يؤدي الى انخراط دول المنطقة في حرب لا تريدها، وهو الأمر الذي لن يتوقف تأثيره على المستوى العسكري والأمني فقط، ولكنه سيمتد الى المستوى الاقتصادي وبالتحديد الى أسواق النفط.
السيناريو الثاني هو ان لا تقوم إسرائيل بالرد على الاطلاق، وهو سيناريو مستبعد لأنه يظهر إسرائيل بمظهر الدولة الضعيفة غير القادرة على مواجهة التحدي الإيراني، وهذا أمر لا يمكن ان يقبل به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لأنه سيشكل ضربة قاضية له على المستوى السياسي، كما أن عدم الرد الإسرائيلي سيعني بالضرورة توجيه رسالة الى أعداء إسرائيل مفادها بأنهم الان اكثر قدرة على توجيه المزيد من الضربات لها.
السيناريو الثالث هو ان يكون الرد الإسرائيلي محدودا وغير مباشر، بمعنى اخر، العودة الى المربع الأول في شكل الصراع الإسرائيلي الإيراني، وهذا هو السيناريو الذي يأمل حلفاء إسرائيل بحدوثه، وعلى رأسهم الولايات المتحدة وبريطانيا، والذين يرون أن على إسرائيل أن توازن بين ضرورة الرد بقوة للحفاظ على قدرتها على الردع وضرورة الالتزام بالضغوط الدولية التي تحث على ضبط النفس.
بكل الأحوال وأيا كانت السيناريوهات التي ستحدث، فأن ما يتفق عليه الجميع أن الحال في الشرق الأوسط لن يبقى كما كان عليه قبل التصعيد الأخير، وان اختلافا كبيرا سيحدث في التوازنات العسكرية والسياسية في المنطقة، وأن احتمال الحرب المفتوحة، حتى لو كانت بتكتيكات وأدوات مختلفة عن السابق، هو احتمال لا يمكن التغاضي عنه او اهماله.
روداو