إعادة بناء العراق
د.سامان شمالي
يقف العراق عند منعطف حرج في تاريخه، حيث يواجه تحديات هائلة ناجمة عن عقود من الصراع وعدم الاستقرار وفشل الحكم. ولتمهيد الطريق لمستقبل أكثر إشراقا، يحتاج العراق إلى مشروع إصلاحي شامل يتناول الأبعاد السياسية والقضائية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية. تحدد أجندة الإصلاح هذه إعادة بناء العراق وإيجاد أساس للتنمية المستدامة والازدهار والسلام.
الإصلاح السياسي:
إن الإصلاح السياسي ضروري لإنشاء إطار حكم أتحادى مستقر وشامل. تشمل التدابير الرئيسية ما يلي:
تعزيز المؤسسات الديمقراطية: يجب على العراق تعزيز استقلالية وشفافية وفعالية أجهزته التشريعية والتنفيذية والقضائية.
تعزيز المصالحة الوطنية: إن معالجة الانقسامات الطائفية والمظالم أمر بالغ الأهمية لتعزيز التماسك الاجتماعي والاستقرار السياسي.
تعزيز العلاقة مع إقليم كوردستان : يجب على الحكومة الاتحادية العمل مع حكومة الإقليم وحل كافة المشاكل العالقة وفق الدستور العراقي لضمان وحدة العراق وأستقلالها.
الإصلاح الانتخابي: إن تنفيذ عمليات انتخابية نزيهة وشفافة يضمن التمثيل الحقيقي والشرعية في الحكومة.
الإصلاح القضائي:
ويعتبر الإصلاح القضائي من أهم الركائز الأساسية لحماية استقلاله عن التأثيرات الحزبية والخارجية. تشمل الإصلاحات ما يلي:
نزاهة القضاء: إن أهم ما يجب أن يتميز به القضاء هو أن يتكون من قضاة نزيهين بعيدين عن الفساد المالي والإداري.
الالتزام بالدستور: على مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية الالتزام بالدستور واحترام أحكامه وروح الدستور الذي بني على أسس التوازن والتوافق والشراكة لضمان وحدة الوطن. .
المحكمة الاتحادية: إعادة تشكيل المحكمة الاتحادية وفق الدستور المادة 92 والالتزام بصلاحياتها الدستورية وفق المادة 93 لاستعادة الثقة بالمحكمة وإبعادها عن التأثيرات السياسية.
مجلس الاتحاد: يجب تشكيل مجلس تشريعي يدعى بـ (مجلس الاتحاد)، وتشريع شروط العضوية وصلاحياته من قبل مجلس النواب بموجب المادة 65 من الدستور لضمان العدالة العادلة لجميع العراقيين.
اصلاحات اقتصادية:
إن الإصلاح الاقتصادي أمر ضروري لتنويع اقتصاد العراق وتقليل اعتماده على عائدات النفط. تشمل الاستراتيجيات ما يلي:
التنويع الاقتصادي: الاستثمار في القطاعات غير النفطية مثل الزراعة والتصنيع والسياحة يخلق فرص عمل ويحفز النمو الاقتصادي.
الشفافية والمساءلة المالية: إن مكافحة الفساد وتحسين الإدارة المالية يضمنان استخدام الموارد بكفاءة ومساواة. محاربة الفساد تبدأ من أعلى الهرم إلى أسفله، وليس العكس.
تنمية القطاع الخاص: إن خلق بيئة مواتية لريادة الأعمال والاستثمار يعزز الابتكار والقدرة التنافسية والمرونة الاقتصادية.
الأداء المصرفي: تعتبر البنوك المشارك الأساسي في التنمية الاقتصادية. لذلك لا بد من وضع أسس صارمة لضمان حقوق العملاء واستعادة الثقة بها لتبدأ البنوك في استثمار هذه الأموال لخدمة الاقتصاد المتنوع.
الإصلاح الاجتماعي:
يعالج الإصلاح الاجتماعي أوجه عدم المساواة، ويحسن نتائج التنمية البشرية، ويعزز التماسك الاجتماعي. تشمل الإجراءات ما يلي:
الاستثمار في التعليم والرعاية الصحية: إن تعزيز الوصول إلى خدمات التعليم والرعاية الصحية الجيدة يؤدي إلى تمكين الأفراد، وتعزيز تنمية رأس المال البشري، والحد من الفقر والبطالة.
شبكات الأمان الاجتماعي: يساعد تنفيذ برامج الرعاية الاجتماعية المستهدفة على التخفيف من حدة الفقر، والتخفيف من عدم المساواة، وحماية الفئات السكانية الضعيفة.
حماية حقوق الأقليات: حماية حقوق الأقليات العرقية والدينية يعزز التنوع والتسامح والتكامل الاجتماعي كما أشار إليها الدستور المادة 3 و 14.
الإصلاح الأمني:
إن الإصلاح الأمني أمر بالغ الأهمية لمكافحة الإرهاب، وضمان السلامة العامة، وبناء الثقة بين الدولة ومواطنيها. تشمل التدابير ما يلي:
تعزيز قوات الأمن: إن تعزيز الكفاءة المهنية والقدرة والمساءلة لدى قوات الأمن العراقية تمكنها من مكافحة الإرهاب والتمرد والجريمة المنظمة بشكل فعال.
الشرطة الاتحادية: تعزيز الشرطة الاتحادية يعزز التعاون بين وكالات إنفاذ القانون والمجتمعات المحلية، مما يعزز الأمن والثقة.
معالجة الأسباب الجذرية لانعدام الأمن: معالجة الفوارق الاجتماعية والاقتصادية والمظالم السياسية والتوترات الطائفية والعشائيرية والسلاح المنفلت تعالج الدوافع الكامنة وراء الصراع وعدم الاستقرار.
المليشيات العسكرية: يجب على الحكومة الاتحادية منع تشكيل هذه الميليشيات العسكرية خارج القوات المسلحة النظامية وفق المادة 9 ب من الدستور.
التعاون الإقليمي والدولي:
إن التعامل مع الدول المجاورة والشركاء الدوليين أمر ضروري لدعم جهود الإصلاح في العراق وتعزيز الاستقرار الإقليمي. الإجراءات تستلزم:
المشاركة الدبلوماسية: إن بناء علاقات بناءة مع دول الجوار والقوى الإقليمية، وفقا للمادة 8 من الدستور، يسهل التعاون بشأن التحديات المشتركة ويعزز حل النزاعات.
المساعدة الدولية: إن السعي للحصول على الدعم من المنظمات الدولية والدول المانحة يمكّن العراق من الوصول إلى الخبرات والموارد والمساعدة في تنفيذ الإصلاحات وإعادة بناء البنية التحتية.
المبادرات المتعددة الأطراف: إن المشاركة في المبادرات والمنابر الإقليمية للحوار والتعاون وبناء الثقة تعمل على تعزيز التفاهم المتبادل والثقة والأمن في المنطقة.
إن إعادة بناء العراق يتطلب مشروع إصلاح شامل يعالج الأسباب الجذرية للتحديات التي يواجهها ويضع الأساس للتنمية المستدامة والازدهار والسلام. ومن خلال تنفيذ الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية المدعومة بالتعاون الإقليمي والدولي، يستطيع العراق التغلب على إرث الصراع وعدم الاستقرار وبناء مستقبل أفضل لشعبه. لقد حان وقت الإصلاح، والجهود المتضافرة من جانب جميع أصحاب المصلحة ضرورية لتحقيق إمكانات العراق وتأمين غد أكثر إشراقا.
باسنيوز