• Wednesday, 13 November 2024
logo

إنهاء العنف في الشرق الأوسط

إنهاء العنف في الشرق الأوسط

اليكساندر شالينبرغ

 


يعاني الشرق الأوسط منذ عقود من أعاصير العنف المتتابعة، لكنها حملت معها في الأشهر الأخيرة بعداً مدمراً جديداً. الهجمات الإرهابية الوحشية لحماس وضعت غزة وكل المناطق في وضع خطير. وكأي صراع فإن المواطنين المدنيين هم المتضررون الرئيسيون. فنتيجة للقتول التي ارتكبت في 7 تشرين الأول، أصيب الإسرائيليون بنكسة نفسية وباتت عوائلهم تخشى على سلامة أولادها، وآبائها وأمهاتها، وجداتها وأجدادها، الذين لا زالوا محتجزين في غزة كرهائن.

في نفس الوقت، فقد الكثير من الفلسطينيين في غزة أحبتهم وباتوا بلا مأوى ولا طعام ولا مساعدات طبية. التقيت العوائل الفلسطينية النمساوية التي أعدناها من غزة، كما التقيت الأمهات الإسرائيليات اللائي لازال أولادهن رهائن عند حماس. تأثرت بهؤلاء بشدة. ليست فاجعة أحد أشد من فاجعة الآخر. آلام ومعاناة كل المدنيين تهز الوجدان. حمايتهم ووضع نهاية لآلامهم وأوجاعهم مسؤولية مشتركة علينا.

لهذا، سأزور تل أبيب ورام الله والقاهرة وعمان وأستمع إلى الشركاء وأحاورهم. إن جذور هذا الصراع عميقة. المشاعر والأحاسيس عالية. المواقف ترسخت بمرور الوقت، ومنها التي في الخارج. كوزير خارجية دولة ظلت لعقود شريكاً موثوقاً للشعب الفلسطيني، وفي نفس الوقت التزمت بإصرار بمسؤوليتها التاريخية تجاه دولة إسرائيل، أرى أن من واجبي بذل كل ما بوسعي لفتح باب في وجه الدبلوماسية.

القانون الدولي هو الأساس المرشد لسياستنا الخارجية. وانتهاك القانون الدولي في أي وقت وفي أي مكان من العالم، خط أحمر. لهذا، أدين بشدة الهجمات الصاروخية والأنفاق المتخمة بالإرهاب واحتجاز الرهائن والاستخدام القذر للمدنيين كدروع بشرية من قبل حماس. لهذا نساند بإصرار حق إسرائيل في الدفاع عن النفس في مواجهة الإرهاب. لذلك، ومن منطلق القوانين الإنسانية الدولية نحث إسرائيل على اتخاذ كل خطوة لعمل المزيد من أجل حماية المدنيين والسماح بدخول المزيد من المساعدات إلى غزة. لنفس السبب نرفض كل الأصوات التي تدعو إلى ترحيل الفلسطينيين، ولهذا نطالب ببقاء غزة منطقة فلسطينية ونطالب بفرض العقوبات على المتطرفين والمتشددين في المجمعات اليهودية.

لكن الحديث عن المبادئ الجيدة وحده لا يكفي. بل أن الدبلوماسية المتواصلة والدؤوبة هي التي ستعيد الرهائن إلى أحضان أحبتهم وتوصل المزيد من وسائل الحياة كالماء والغذاء والدواء إلى المدنيين في غزة. هذا هو الهدف الأول للنمسا. سعيد بمحادثات أمريكا وقطر ومصر الأخيرة، وندعمها. فلو تحقق اتفاق سيكون ممكناً تأمين أرضية لوقف إطلاق نار مستمر وفي النهاية لفرصة للسلام.

لا ينبغي أن نضيع الوقت، فكل يوم يمر، يجلب المزيد من الألم لعوائل الرهائن الإسرائيليين وللأطفال والنساء والرجال في غزة. خصصنا 13 مليون يورو كمساعدات عاجلة لأهالي غزة وللاستقرار في المنطقة. وهناك المزيد من الدعم في الطريق. خلال السنوات العشر الأخيرات، تجاوزت المساعدات التي خصصتها النمسا للمنطقة 320 مليون يورو. ورداً على الشائعات الصادمة عن تورط منتسبي أونروا في هجمات 7 تشرين الأول، قمنا مع عدد من الدول المانحة بتعليق تمويل الوكالة بصورة موقتة، لحين إجراء تحقيق دقيق وشامل وشفاف، لكننا لم نوقف المساعدات النمساوية أبداً. نحن ممتنون لأن الأمم المتحدة بدأت خطواتها ونعمل مع شركائنا الدوليين لتحديد المعايير التي تسمح لنا ببدء تخصيص الأموال، بعد اتضاح حقيقة التهم التي يجري التحقق منها. من المهم أن تكون الأمم المتحدة فوق الشبهات.

يستحق الإسرائيليون والفلسطينيون على قدم المساواة أن يعيشوا في سلام وأمان وعزة.

هناك مقولة تفيد بأن الشرق الأوسط مكان صعب على المتفائلين. من المؤكد أنه في خضم كل هذا الخوف والألم، يبدو رسم طريق نحو سلام دائم أمراً صعباً. لكن بالنسبة لي، لا أجد بديلاً عن حل الدولتين يستحق التطبيق والمواصلة. حل الدولتين هو الحل الوحيد.

أريد مستقبلاً لا تهدد فيه الجماعات الإرهابية أمن إسرائيل. مستقبلاً تعمل فيه سلطة مدنية في غزة على الاستثمار في آمال وأحلام وتطلعات الشعب الفلسطيني بدلاً من حفر الأنفاق والتخطيط للهجمات. مستقبلاً تكون فيه الدول العربية قد طبعت علاقاتها مع إسرائيل وتجني معاً ثمار المنافع الاقتصادية والسياسية للشرق الأوسط. مستقبلاً يبلغ فيه الفلسطينيون آمالهم وتكون لهم دولة ديمقراطية حقيقية في ظل حكم سلطة إصلاحية فلسطينية.

العوائل، سواء الإسرائيلية أم الفلسطينية، تستحق أن تشعر بالأمان في بيوتها. الأطفال يستحقون اللعب بلا خوف والذهاب إلى المدارس. النساء والرجال يستحقون أن يتابعوا أعمالهم ويؤمنوا لأنفسهم ولأحبتهم الحياة بكرامة.

التقدم لا يتحقق بسهولة، ولا شك أن نكسات ستعترض طريقه، لكن لو أننا تعلمنا شيئاً من 7 تشرين الأول والأحداث التي تلت ذلك اليوم، فسيكون أننا لن نتمكن من الاستمرار على نفس الحالة التي كانت قائمة قبل ذلك. خلال محادثاتي مع المواطنين النمساويين اليهود والمسلمين، ومع شركائي الإسرائيليين والفلسطينيين، ومع زملائي من شمال أفريقيا إلى الخليج، توصلت إلى أنه رغم الكثير من الخلافات، الحقيقية أو المتصورة، نستطيع جميعنا أن نتوحد على أساس الشراكة الكريمة والإنسانية. يجب أن تكون شجاعتنا وإرادتنا السياسية في مستوى الواجب. إن النمسا ملتزمة بتحقيق هذه الرؤية وأن تحمي الأجيال القادمة الإسرائيلية والفلسطينية من أتون الحرب.


 

 

روداو

Top