خمسة وسبعون عاماً ولا يزال الواقع مؤلماً
سهاد طالباني
مع حلول اليوم العالمي لحقوق الإنسان، والذي يصادف الذكرى السنوية الخامسة والسبعين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، علينا أن نتوقف جميعاً لنتأمل الواقع الذي يعيشه هذا العالم، لندرك على الفور أن هذا اليوم ليس مجرد ذكرى لوثيقة تاريخية، بل هو تذكير صارخ برحلتنا الجماعية والأميال التي لم نقطعها بعد في عالم حقوق الإنسان.
قبل خمسة وسبعين عاماً، وفي أعقاب حرب مدمرة، اجتمع العالم ليعلن أن بعض الحقائق بديهية، وهي أن جميع البشر يولدون أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق، ومع ذلك، فإننا نقف اليوم أمام واقع بعيد كل البعد عن هذه الحقوق، حيث يشكل الانتهاك المستمر لحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم تناقضاً صارخاً مع ما هو منصوص عليه في هذه الوثيقة الهامة.
فمن شوارع الأنظمة الاستبدادية إلى الزوايا الخفية للديمقراطيات، تتفشى انتهاكات حقوق الإنسان، ونسمع ونرى ونقرأ عن الإبادات الجماعية والتعذيب وقمع الحريات، ليس كأحداث تاريخية، بل كأحداث جارية. وبعد خمسة وسبعين عاماً من إطلاق الإعلان العالمي، وما تلاه من اتفاقيات ومعاهدات، وما تم بذله من جهود، لا تزال حقوق الناس في الحياة والسكن والتعبير والتنظيم والتنقل تتعرض إلى الانتهاك، وتفتقر إلى الحماية المطلوبة.
وما هو لافت للنظر هو ذلك النفاق والغضب الانتقائي الذي غالباً ما يميز الاستجابة العالمية لهذه الانتهاكات، حيث تسارع الدول والهيئات الدولية القوية إلى إدانة الانتهاكات عندما يناسب ذلك مصالحها، لكنها تغض الطرف أو حتى تدعم ضمنيا الأنظمة القمعية لتحقيق مكاسب استراتيجية، في ممارسة واضحة وفاضحة للمعايير المزدوجة التي تقوض مبادئ حقوق الإنسان العالمية وتتناقض معها.
من المهم أن ندرك أن الأسباب الجذرية لانتهاكات حقوق الإنسان متجذرة بعمق في هياكل السلطة والاقتصاد، وكثيراً ما تضحي الحكومات، مدفوعة بالنفعية السياسية أو المصالح الاقتصادية، بحقوق الإنسان على مذبح الأمن القومي أو التنمية، كما تقوم المجتمعات بتحريف الأعراف الثقافية والمذاهب الدينية لتبرير التمييز وسوء المعاملة، وخاصة ضد النساء والأقليات والمجموعات المهمشة.
وعلينا أن نعي أن العواقب المترتبة على هذه الانتهاكات خطيرة للغاية، فإلى جانب المعاناة المباشرة التي يتعرض لها الأفراد، فإن الانتهاكات المنهجية تؤدي إلى تآكل سيادة القانون، وتقويض المؤسسات الديمقراطية، وتؤدي إلى اضطرابات وصراعات اجتماعية، وتولد تأثيرا سلبيا بعيد المدى، وتخلق موجات متتالية من الظلم وعدم الاستقرار.
ومع كل هذه الظلمة التي تحيط بحقوق الإنسان، فإنه لا يمكننا التوقف عن العمل، فنحن بحاجة إلى تعزيز الآليات الدولية لرصد انتهاكات حقوق الإنسان ومنعها والتصدي لها بشكل أكثر قوة واتساقاً، ويجب تمكين المجتمع المدني ووسائل الإعلام للقيام بأدوارهم الحاسمة في فضح الانتهاكات ومحاسبة المنتهكين. وربما الأهم من ذلك هو ضرورة وجود وعي عام أكبر وتضامن عالمي، فالنضال من أجل حقوق الإنسان ليس مجرد معركة سياسية أو قانونية، إنها مسألة أخلاقية.
وبينما نحتفل بالذكرى السنوية الخامسة والسبعين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، دعونا لا نفكر في التقدم المحرز فحسب، بل نعترف أيضاً بضرورة مواصلة العمل، فانتهاك حقوق الإنسان أزمة تتطلب اهتمامنا الفوري والمستمر، ومن الواجب الأخلاقي على كل واحد منا ألا نعرب عن معارضتنا لهذه الانتهاكات فحسب، بل أن نتخذ إجراءات ملموسة لمنعها، فتكلفة التقاعس عن العمل باهظة للغاية، سواء على المستوى الإنساني أو المجتمعي، وعلينا أن نؤمن أن هذا كفاح من أجل جوهر إنسانيتنا، وهو كفاح يجب علينا أن مواصلته بقوة، وأن نؤمن كذلك بأن لدينا كأفراد دور نلعبه في هذه المعركة، سواء يبدأ الأمر بتثقيف أنفسنا، أو ودعم المنظمات والحركات التي تدافع عن حقوق الإنسان، حتى يمكن لأصواتنا أن تكون قوة لتغيير هذا الواقع المؤلم.
روداو