لماذا يخوض الكورد المعارك الخاسرة في المنطقة؟
علي تمي
تشهد منطقة الشرق الأوسط منذ أكثر من 100 عام صراعات وتوترات مستمرة، راح ضحيتها مئات الآلاف من الأشخاص، وأدت لحدوث تغييرات جيوسياسية وتقلبات واسعة أثرت بشكل أو بآخر على حياة شعوب المنطقة، ومن بينها الشعب الكوردي.
بعد تقسيم التركة العثمانية بين الحلفاء بعد الحرب العالمية الأولى بموجب اتفاقيات ومعاهدات دولية، وتفكك هذه الإمبراطورية، وفرض اتفاقات ظالمة على شعوب المنطقة، خرج الكورد من هذه الاتفاقيات دون أي حقوق، وذلك نتيجة المصالح الدولية التي طغت حينها على المشهد.
وأدى تعرض الكورد للتهميش والقمع والحرمان المتواصل من الحقوق على مدى السنوات الفائتة، إلى خلق حالة من الاستياء وردود أفعال سلبية لديهم اتجاه التقلبات السياسية التي حدثت خلال السنوات الماضية، وخاصة بعد 2011، ومنها كانت عفوية اتجاه التحولات التي حدثت، وبالتالي كل هذه الأحداث والمتغيرات تثير تساؤلات حول الأسباب التي تدفع الكورد للانخراط في معركة الصدام المباشر مع أبناء المنطقة.
القضية القومية
تعد المسألة القومية والسعي إليها، أحد الأسباب الرئيسية لمشاركة الكورد في المعارك الخاسرة، بمعنى الهروب إلى الأمام، حيث يسعى الكورد من خلال ذلك إلى تحقيق حقوقهم القومية أو حكم ذاتي في المناطق التي يعيشون فيها. وفي سبيل تحقيق هذه الأهداف، قد يرى البعض منهم إنّ مشاركتهم في المعارك أو التصادم مع الآخرين (الأعداء)، وسيلة للضغط عليهم حتى يرضخوا لمطالبهم ولو نسبياً، حتى وإن كانت هذه المعارك خاسرة في بعض الأحيان ونتائجها محسوسة.
الدفاع عن الأرض والمجتمع
ترى شريحة واسعة من المجتمع الكوردي اليوم أن الدفاع عن الأرض والتمسك بها يأتي من الخوف من محاولات الاجتثاث، كما تشعر هذه الشريحة بأنها مضطرة أحياناً للمشاركة في المعارك من أجل البقاء والحفاظ على هويتها وثقافتها، وقد تكون المعارك الخاسرة ضرورية في نظر البعض كتحصيل حاصل في التعاطي مع الوقائع الموجودة على الأرض.
الظروف السياسية والاجتماعية
تفرض الظروف السياسية والاجتماعية المعقدة في المنطقة نفسها على قرار الكورد حول المشاركة في الصدام القائم، وقد تكون هناك توترات، وتصعيد في العنف يدفعهم للاستجابة للمطالب الخارجية، والمشاركة في تلك المعارك وخاصة ضد تنظيم داعش الإرهابي. وقد ترى هذه الشريحة، أن المشاركة تعتبر فرصة لتحقيق تغيير سياسي نحو الأفضل ومحاولة التخلص من حالة التهميش والقمع التي مارستها الأنظمة المتعاقبة ضد هذه القومية، أو لتحسين وضعهم الاجتماعي والاقتصادي.
التحالفات والدعم الخارجي
قد يتلقى القوى الكوردية دعماً من جهات خارجية تشجعهم على المشاركة في الصراع القائم أو في مشاريع سياسية تسهم في إيجاد حلول سياسية لمشاكلهم العالقة. وهناك من يعتبر ذلك فرصة لتعزيز موقعهم ومحاولة لتحقيق أهدافهم الجيوسياسية في المستقبل بناءً على هذا التوجه.
في المحصلة: تبقى مشاركة الكورد في المعارك الخاسرة في المنطقة موضوعاً معقداً يعود إلى عدة عوامل. تتفاوت فيها الأسباب والدوافع من حالة لأخرى. إن مشاركة الكورد في التصادم مع أبناء المنطقة لتحقيق رغبات الآخرين (المشاريع الغربية)، تعكس التحديات والتوترات التي يواجهونها في سعيهم لتحقيق حقوقهم ومكانتهم في المنطقة.
وإجمالاً، أكثر شعب سيدفع ثمن الصراعات القائمة في المنطقة وتحديداً في سوريا هم الكورد (الحلقة الأضعف في المعادلة)، والسبب في ذلك هو المواقف الرمادية والانزلاق نحو مستنقع التصادم مع شعوب المنطقة، فقد دفعونا إلى هذه المعركة التي (لا ناقة لنا فيها ولا جمل) لتصفية قضيتنا واجتثاثنا من الجذور.
الشعوب الإيرانية والتركية والعربية، وبقية المكونات، ينظرون اليوم إلى الكورد على أنهم "خنجر مسموم في الخاصرة"، وخاصة عندما جاءت الولايات المتحدة بجيشها إلى المنطقة تحت عناوين محاربة التنظيمات الارهابية.
ثقافة بناء العلاقات مع أبناء المنطقة تحتاج إلى طبقة واعية منفتحة. وإذا أخذنا إسرائيل كدولة مثالاً، فإنها بكامل بقوتها النووية وسلاحها الفتاك، وقوتها الاقتصادية، جندت كل طاقاتها لاختراق المجتمع العربي نحو الانفتاح لكن دون جدوى، وفشلت فشلاً ذريعاً على مدار سبعين عاماً في هذا الاتجاه، بينما نحن الكورد في سوريا خسرنا هذه العلاقة دون أن نعرف لماذا ولمصلحة من!، بينما أجدادنا بنوها طوال قرن كامل على أساس الاحترام المتبادل والقيم الأخلاقية والاجتماعية التي ساهمت في حماية تراثنا وتاريخنا وجغرافيتنا من الضياع والتفكك والصراعات التي فرضت بظلالها على المنطقة .
إذا ماهو المطلوب من الكورد؟ المطلوب منهم هو أن لا ينجروا إلى اجندات خارجية، تهدف إلى تفكيك المجتمعات، وبنية مكونات المنطقة والتمسك بالتعايش المشترك مع أبناء الوطن الواحد، وحتى لو لم ننجح على المدى القريب، لكننا بطبيعة الحال سنحصد نتائج هذا التوجه في المستقبل.
روداو