• Friday, 22 November 2024
logo

في تجليات الفكر القومي لدى مصطفى بارزاني

في تجليات الفكر القومي لدى مصطفى بارزاني

صلاح بدرالدين

 

 

  تناول الكثيرون في العقود الأخيرة السيرة الذاتية للزعيم الراحل ملا مصطفى بارزاني ، وجوانب نهجه الثوري خلال انتفاضات بارزان ، وثورة أيلول القومية الديموقراطية ، ومواقفه السياسية من كفاح الحركة التحررية الكردية بالجوار ، وقضايا شعب كردستان العراق ، والنظام السياسي في العراق ، ومسألة الحرب ، والسلام ، والعلاقات الكردية العربية ، والأوضاع الإقليمية ، والدولية العامة ، ولكن القلائل اسهبوا في سبر اغوار تطور فكره القومي ، والتحولات التي طرأت عليه في مختلف مراحل حياته .

 

         من مساندة جمهورية مهاباد الى توجهات مؤتمر باكو

   قبل انهيار الإمبراطورية العثمانية التي بسطت سيطرتها على مختلف أراضي كردستان التاريخية باستثناء الجزء الملحق بالدولة الصفوية – الإيرانية ، كان الهدف العام للدعوات ، والحركات الثقافية ، والسياسية الكردية هو تحرير الكرد ووطنهم بكل مكان ، اما بعد مرحلة التقسيم فقد كانت حركة كل جزء محكومة بالشروط والوقائع الحدودية – الجيوسياسية  الجديدة ، والقوانين المستجدة لدىى الدول المستقلة وبينها سوريا ، وتركيا ، والعراق ، بالإضافة الى ايران ، وبعض الامتدادات في الاتحاد السوفييتي السابق ،  بحيث اقتصرت برامج الحركات النضالية الكردية على قضايا كل جزء على حدة ، في اطار مجال الكيانات الجديدة ، وفقدت الحركة الكردية طابعها القومي التاريخي الشامل الذي ازدهر في عهد الإمبراطورية العثمانية ، وانتقلت الى مرحلة التعامل مع خصوصيات كل جزء ، من دون انتفاء المشاعر القومية تجاه البعض الاخر ، بحكم الثقافة الواحدة ، والإرادة المشتركة ، والتاريخ الجامع بين الكرد بكل مكان .

  ولم يخرج الفكر القومي لدى الزعيم الراحل عن هذا الاطار ، فقد نشأ في بيئة غلبت عليها المشاعر القومية الشاملة ، والتي لم تكن بمنأى عن التواصل ، والتفاعل مع حركة – خويبون – الكردستانية التي انطلقت من كردستان سوريا ، وانتفاضتي – عبيد الله النهري - والشيخ سعيد بيران بكردستان تركيا ، ومن تجلياتها أيضا المشاركة الفعلية في مشروع إقامة جمهورية مهاباد بكردستان ايران ، هكذا كانت البدايات التي انطلق منها الفكر القومي لدى بارزاني ، وزادته تجاربا ، واطلاعا على خصوصيات التنوع وجوانب المشتركات في النضال الكردي ، ومعرفة باحوال الشعب الكردي في كل مكان .

  في كلمته التاريخية بمؤتمر – باكو- وهو في المنفى  - في 19-1- 1948, حضره اكراد من ايران والعراق وسوريا. في هذا المؤتمر تحدث- البارزاني- للمرة الاولى عن المسائل السياسية والفكرية ، ومبدأ حق تقرير المصير بشكل علني , ونص كلمته منشور في كتاب السيد- مسعود البارزاني- وفيها طرح استراتيجية الحركة التحررية الكردية, وميز بين اعداء واصدقاء الكرد في تلك المرحلة. المحتوى الاستراتيجي الفكري الاساسي لفكر- البارزاني- القومي الشامل ظهر بوضوح في كونفرانس باكو, ويؤكد اغلبية المؤرخين انها كانت المرة الاولى التي يتطرق فيها- البارزاني- الى المجال الفكري, ويتحدث عن الشرق الاوسط ، والتحركات والصراعات الدائرة في المنطقة. وكانت برأيي محاولة لايجاد موقع للكرد في المنطقة, حيث لم يكن للكرد قبلها موقع ودور يذكر. كان- البارزاني- يحاول إفهام الاتحاد السوفياتي السابق, انه يوجد حوالي 20 مليون كردي- حينها- في الشرق الاوسط, ويمكنهم لعب دور هام في المنطقة, وانهم مرتبطون بالثورة العالمية ضد الاحتلال الاستعماري ، ومع السلام ، هذه الكلمة التي اصبحت ضمن وثائق أرشيف الاتحاد السوفياتي – السابق - وخضعت للبحث والمناقشة.

اما كلمته الجامعة في – كونفرانس كاني سماق العسكري السياسي " 15/4/1967 " ، ( وبالمصدفة كنت هناك في أول زيارة لي الى- البارزاني- والمناطق المحررة, وتابعت المؤتمر السياسي- العسكري لقادة قوات البيشمركة, واعضاء اللجنة المركزية والمكتب السياسي,). فقد ركزت على شؤون ، ومستقبل الإقليم ، وجسدت الانتقال من العام القومي الى الخاص الكردي العراقي ، فهو رئيس حزب يقود الثورة في جغرافية كردستان العراق ، والثورة ترفع شعار ( الديموقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان ) ، وعندما اندلعت الثورة كانت بقرار من قيادة البارتي في العراق ، وقادها كرد العراق ، اما الشأن القومي الكردستاني العام فقد انتظم في اطار علاقات التنسيق والتعاون باشراف الراحل ادريس بارزاني ، هذا من دون ان ننفي التعاطف الكردي القومي مع ثورة وكفاح شعب كردستان العراق في كل مكان ، وذلك إدراكا من كرد المنطقة والعالم بأهمية هذه التجربة الكفاحية الطويلة  الغنية بالدروس ، والتي حققت النجاح ، وانتزعت حقوقا في اطار مبدأ حق تقرير المصير ، حسب إرادة  شعب كردستان العراق .

  لقد انتهجت الحركة الكردية بكردستان العراق وبقيادة الزعيم الخالد وفي سنوات عهده ، سياسة صائبة علىى ضوء الالتزام بجوهر الفكر القومي الديموقراطي الذي ترجم على ارض الواقع بالاشكال التالية :

  أولا – عدم اللجوء الى رفع الشعارات القومية المتطرفة ، والابتعاد عن المزاعم الإعلامية ، وادعاء تمثيل الكرد بكل مكان ، بل الانطلاق الموضوعي من شؤون شعب كردستان العراق ، وقبول خصوصية الحركات الكردية في الأجزاء الأخرى ، والتعامل معها على هذا الأساس .

  ثانيا – الاعتراف بالنسيج القومي ، الثقافي التعددي بمجتمع كردستان العراق ، وقبول الاخر المختلف اثنيا ، ودينيا ، ومذهبيا وجودا ، وحقوقا .

  ثالثا  – الحفاظ على العلاقة المتبادلة المتكاملة بين القومي والوطني على صعيد العراق ، واعتبار علاقات الصداقة ، والعيش المشترك بين شعوب العراق منطلقا للبناء عليه حاضرا ، ومستقبلا .

  رابعا – التمسك دائما وابدا بالمبدأ السامي المتعارف والمتوافق عليه من جانب شعوب العالم ، والمجتمع الدولي ، وشرعة الأمم المتحدة ، وحقوق الانسان ، حق تقرير المصير ، الذي مازال يشكل الركيزة الأساسية في إيجاد الحلول لقضايا الشعوب ، والقوميات ، في الحرية ، والاستقلال ، وبناء الدول .

  وبفضل هذا النهج القومي الديموقراطي للزعيم الراحل ، نال احترام وحب ، وتقدير شعب كردستان العراق ، وكذلك الكرد في أجزاء كردستان الاخرىى ، والاحرار في المنطقة ، والعالم .

  للأسف الشديد نجد في الظروف الراهنة نمو تيارات ، ومجاميع مغامرة فيي بعض أجزاء كردستان خصوصا في الساحة الكردية السورية ، تلحق الإساءة والاذى بقضايا الكرد ، وتنفي الحل السلمي الديموقراطي للقضية القومية الكردية حسب مبدأ حق تقرير المصير ، وتخترق تقاليد الاحترام لخصوصيات الحركة في كل جزء ، بل تتدخل قسرا بشؤونها الخاصة لمصلحة اجندة أنظمة الإقليم الشوفينية ، وفي حين تعجز عن تقدييم الخدمات للحركة في بلدانها الاصلية ، فانها تعرض مصائر حركات كردية فيي بلدانها الى المزاد لمصالح حزبية ، آيديولوجية  ، كما تنشر نزعة – العسكرة – وتجنيد القصر من النساء والرجال لأغراض قتالية في خدمة الاخرين ، وتثير الفتن ، والنزاعات في الأوساط الكردية بمختلف أجزاء كردستان .

   ماأحوج الحركة الكردية السياسية في الظروف الراهنة الى الاستفادة من المسار النضالي الذي انتهجته الحركة الكردية في العراق بقيادة البارزاني الخالد ، والالتزام بشكل اخص في اسلوب  ادارته الحكيمة للعلاقات القومية على قاعدة التعاون والتنسيق ، واحترام خصوصيات الاخرين من سياسات ، وأفكار ، ومصالح .   

 

 

 

Top