مهرجو البلاط: أمراء الكراهية ضد الكورد
ماهر حسن
الكورد، الذين يتفنن بعض “الوطنيين المزيفين” في شتمهم ونعتهم بأقذر الأوصاف، هم نفسهم الذين أنجبوا قادة صنعوا سورية. يوسف العظمة، على سبيل المثال لا الحصر، واجه الفرنسيين، فاستشهد على أبواب ميسلون دفاعاً عن دمشق التي يزعم هؤلاء أنها “ملكهم وحدهم”.الكورد هم أبناء التاريخ والجغرافيا، موجودون قبل أن تُرسم الحدود وقبل أن يتعلم بعض “الوطنيين المزيفين” تهجئة كلمة وطن.
وفي المقابل، ماذا كان يفعل أجداد من يهاجمون الكورد اليوم؟ كانوا يجيدون فن الانحناء لكل قوة غازية، يتنقلون بخفة بين خدمة العثمانيين كخدم مطيعين، ثم يتهافتون على الفرنسيين كالمنكسرين، وأخيراً وجدوا ضالتهم في عقيدة البعث التي تعاملوا معها وكأنها كتاب مقدس، فقط لأنها تمنحهم السلطة ولو على حساب كرامة الوطن، واليوم ركبوا ظهر الثورة ويهاجمون الكورد.
هؤلاء الذين يتطاولون على الكورد اليوم لا يرون في التاريخ سوى ما يناسب خيالهم المريض، متناسين أن الكورد أسّسوا سورية، بينما كان دورهم لا يتعدى تغيير الولاءات بسرعة الضوء، وكل مرة ينطقون نفس الكلمات: “نحن معكم، طالما أنكم الأقوى”.
لكن ما يثير السخرية هو هذا الإصرار من البعض على تصوير الكورد وكأنهم غرباء أو طارئون على سوريا. هؤلاء الذين يتحدثون بصوت عالٍ عن “الوطنية”، يتناسون أن الكورد هم جزء أصيل من الأرض، قبل أن يعرف هؤلاء معنى الوطنية أو حتى الهوية. هذه العقلية التي ترى في سوريا ملكاً خاصاً لجماعة واحدة، لا تعكس سوى أزمة هوية عميقة وشعوراً بالخوف من الآخر المختلف.
على الجانب الآخر، ما هو دور الذين يهاجمون الكورد اليوم؟ ببساطة، يمكن تلخيصه في أنهم كانوا أدوات طيعة في يد القوى الخارجية. في الحقبة العثمانية، كانوا من أبرز المتعاونين مع السلطات الإمبراطورية. وبعد سقوط العثمانيين، هرعوا إلى الفرنسيين، يقدمون ولاءهم على طبق من فضة، وعندما جاء البعث، تحولوا إلى مدافعين شرسين عنه وكأنه عقيدة سماوية.
إن هذا التاريخ الملتبس يفسر جزئياً العداء تجاه الكورد: أولئك الذين يعانون من عقدة الولاء المتقلب يرون في الكورد تهديداً دائماً، لأن الكورد كانوا، ولا يزالون، ثابتين في مطالبهم بحقوقهم وهويتهم، غير قابلين للمساومة أو البيع
اليوم، يتخذ خطاب الكراهية ضد الكورد أشكالاً متعددة، من شتائم عنصرية وأوصاف بذيئة، إلى اتهامات بالخيانة والانفصالية. هذا الخطاب لا يعكس سوى إفلاس فكري عميق، حيث يعجز أصحاب هذا الخطاب عن تقديم رؤية وطنية جامعة، ويلجأون بدلاً من ذلك إلى خلق أعداء وهميين.
لكن المفارقة أن هذا الخطاب لا يغير شيئاً من الواقع. الكورد لا ينتظرون شهادة وطنية من أحد، ولم يحتاجوا يوماً إلى إذن ليعيشوا على أرضهم أو يرفعوا علمهم. إنهم أبناء هذه الأرض، يعيشون كرامتهم دون أن يتوسلوا اعترافاً من أولئك الذين يرون في أنفسهم أوصياء على سوريا
إن الإصرار على تصوير الكورد كغرباء أو طارئين هو دليل واضح على جهل أصحابه بالتاريخ والجغرافيا. الكورد موجودون في هذه الأرض منذ آلاف السنين، قبل أن تُرسم الحدود وقبل أن تُصاغ الهويات الوطنية الحديثة. لقد ساهموا في بناء سوريا وفي تشكيل هويتها السياسية والاجتماعية.
لكن العقلية التي ترى في التنوع تهديداً وفي التعددية خطراً لا تستطيع استيعاب ذلك. هذه العقلية الإقصائية هي السبب الحقيقي وراء الكثير من الأزمات التي تعيشها سوريا اليوم. إن رفض الآخر المختلف، سواء كان قومياً أو دينياً، لم يؤدِّ إلا إلى مزيد من الانقسامات والصراعات.
يتبع