• Sunday, 16 June 2024
logo

بالعيارات النارية استقبلنا العام الجديد

بالعيارات النارية استقبلنا العام الجديد

طارق كاريزي

 

أحيى سكان مدينتي عيد رأس السنة الميلادية (2023) بمزيد من الصخب وأطلاق عيارات الألعاب النارية التي أرعبت الكثيرين وذكّرت الكثيرين غيرهم بأيام الحروب التي عاشها بلدنا. حول الاحتفاء بحلول العام الميلادي الجديد هناك تصورات عديدة وأراء متباينة. البعض يحيون المناسبة بحرارة وتجاوب عال، فيما البعض يحتفلون بالمناسبة بشكل عابر، أما البعض الثالث فانهم غير مبالون بالأمر بالمرّة، يعتبرونه أمرا لا يعنيهم. ويبقى الناس أحرارا فيما يعتقدون وبماذا يحتفلون ويحتفون أم لا، وهم أحرار أيضا فيما يتعلق بأي ميزان يزنون الأمور والمسائل.

الاحتفاء بعيد رأس السنة الميلادية من عدمه، مرده وجهة نظرنا نحن ازاء هذه المناسبة. العالم غير مبال حيال كوننا، أنا وأنت يا قارئي الكريم، سواء أكنا نحتفل بعيد رأس السنة أم لا نحتفل، فالتقويم الميلادي هو التقويم المعتمد عالميا، انه تقويم الحضارة المعاصرة، بل ان بلدنا اسوة بكافة بلدان العالم، يجري العمل فيه، بما في ذلك في مؤسساته التشريعية والتنفيذية والقضائية، بموجب التقويم الميلادي. اذن، سواء احتفلنا نحن أم لم نحتفل بمناسبة رأس السنة الميلادية، فهذه المناسبة باتت تشكل جزءا من مكونات الحضارة المعاصرة والحياة العصرية للأمم والشعوب. بمعنى ان رأس السنة الميلادية هو جزء من حيثيات الحضارة والمدنية المعاصرتين.

نحن بالتأكيد أحرار في الاحتفاء برأس السنة الميلادية من عدمه. والناس غيرنا أيضا هم أحرار في طريقة احتفائهم بهذه المناسبة من عدمه. كل بلد وكل شعب يحتفي بطريقته الخاصة بهذه المناسبة، وكل منطقة ومدينة ربما لها تقاليدها الخاصة في الاحتفاء برأس السنة الميلادية. الحرية حق مشاع ومصان ولا مجال لمصادرته أبدا، مع هذا من المهم أن نعرف، بأن الاحتفاء بعيد رأس السنة حدث ذو بعد عالمي تهتم به البشرية أجمع، مع ان للكثيرين من الأمم العريقة تقاويمها، الا ان التقويم الميلادي بات التقويم الدولي الشائع والمقبول والمعمول به عالميا.

شاهدت من خلال شاشات الفضائيات المحتفلين بمناسبة عيد رأس السنة في شارع باريس الأشهر (شانزليزيه) حيث كان الناس متجمعون بهدوء لا صخب فيه أبدا، وهم ينتظرون حلول العام الجديد بعد الثانية عشر ليلا ليودعوا عاما أفل ويستقبلوا آخر قد حلت أولى لحظاته للتو. الاحتفاء بمناسبة قدوم العام الجديد في مدينتي (كركوك) كان بشكل مغاير، عيارات الألعاب النارية أخذت تنطلق نحو السماء منذ الخامسة مساء وفي كافة احياء المدينة. قبل حلول العام الجديد بسبع ساعات بالتمام والكمال، تصاعدت لهب الألعاب النارية وهي تعانق سماء مدينتنا، حيث عاش سكانها ساعات من الرعب وكأننا في جبهة حرب حامية الوطيس.

عند الساعة الثانية عشر من ليلة اليوم الأخير من عام 2022 تحولت سماء مدينتنا كركوك الى قطعة من النيران والشهب محدثة أقواس قزح عجيبة غريبة في ليلة ظلماء، نعم تحولت السماء في هذا الليل الفاصل بين عامين الى قطعة نار من كثرة اطلاق نيران الألعاب النارية، صوت اطلاق عيارات هذه الألعاب حولت المدينة الى شبه جبهة حرب شرسة، يعلو فيها صوت اطلاق العيارات فوق كل صوت سواه. لم ينقطع صوت اطلاق العيارات بعد دخولنا العام الجديدة لفترة طويلة، أي طفل أو شاب أمسك بيده اطلاقات الألعاب النارية، كان لا يتردد من اطلاقها عند باب منازل المواطنين وفي كل زقاق وأمام كل بيت. احتفاء غريب، غريب جدا بحلول مناسبة مفرحة. اجواء المدينة لم تهدأ حتى الثانية بعد منتصف الليل حيث كنت ساهرا من شدة انزعاجي وضجري بأصوات اطلاق العيارات النارية وسماء المدينة وأزقتها لم تعرف الهدوء والسكينة، وبعد خلودي للنوم بعد مضي ساعتين من العامين الجديد، لا أعرف بالضبط متى انتهى اطلاق عيارات الألعاب النارية اللعينة. أي احتفال هذا بالعام الجديد؟!

الأغرب من كل ذلك، في اليوم التالي وليلة اليوم الأول من العام الجديد لم يقف فيهما اطلاق العيارات النارية، بل وأكثر من ذلك فان اطلاق عيارات الألعاب النارية استمر لأيام متتالية! ترى هل يعلم مطلقو العيارات النارية فحوى المناسبة التي يطلقون فيها عياراتهم لاستقبالها؟ وهل هكذا هو الاحتفاء حقا بحلول العام الجديد؟ أم انه جنون حرب ضد راحة المواطنين وشغب غير معلن ضد هدوء الحياة في المدينة؟ الجواب متروك لك أيها قارئ الكريم.

 

 

باسنيوز

Top