ثورة أيلول 1961 وموقفنا من الراحل قاسم
فاضل ميراني
سكرتير المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني
يسأل كثير من المؤرخين و يستغرب آخرون: كيف اننا نحتفظ لشخص عبدالكريم قاسم بذكرى طيبة و مع هذا نثور على نظام كان يتزعمه؟
اعتقد ان الجواب موجود في سؤال المؤرخين و في استغراب الاخرين، ومع معرفتنا الدقيقة بقصة ال 14 من تموز(1958) وهي ثورة أيدها اغلب شعوب العراق و منها اكثرية شعبنا الكردي، وهي عين الوقت بنظر أخرين ليست اكثر من حركة اوانقلاب قاده عدد من ضباط الجيش لتأثرهم بما جرى بمصر سنة (1952) مع فارق من حيث كون الملك فاروق من أصول ألبانية ومع ذلك فقد نهض بمصر، مع ان لمزاً قد طال أصول فاروق وكان الدفع بالحاجة لمصري اصيل من ضمن الدفوعات المغذاة لعدم التعاطف مع الملك ، و أصول فيصل العربية بنسبه لأسرة النبي الاكرم(ص) وهو امر جرى علاجه لاحقا بأنتقاص في نشئته الحجازية- ظل فيصل الاول يتكلم بلهجتة الحجاز حتى رفاته- مع الاحتفاظ بتقدير النسب الشريف والذي لم يمنع لاحقا من قتل حفيده و أسرته. وفيصل الاول ايضا كانت له نهضته هو الآخر بالدولة العراقية. لقد رأى كل من ضباط الحركتين المصرية و العراقية في شعار العدالة الاجتماعية ما يبرر لهما استمزاج موقف القوى العالمية المؤثرة إن كانت ستؤيد زوال نظام و مجيء اخر و قد كان، فقد تعاملت بريطانيا و الولايات المتحدة مع كلا الحركتين بحكم الواقع وبمعيار انهما ليستا حركتين ماركسيتين.اعود لأقول ان خلافنا مع قاسم وعاملين معه من ذوي النزعة الاستعلائية -الذين لم تكن علاقتهم مع قاسم جيدة في الحقيقة ومنهم عبدالسلام عارف- كان خلاف فكر، صعّده هو إلى تحرك عسكري وقابلناه نحن بصد دفاعي، فقاسم( رحمه الله) وأمام قليل خبرته السياسية و أمام تحد دخله مختارا ضد جمال عبدالناصر، صار يتعامل بعقلية العسكري في إدارة البلاد و قضاياها السياسية.
شعار التاج
جلية لنا و لا ادري ان كانت جلية لغيرنا حركة و اتجاه المتعاقبين على حكم العراق ولذا فنحن نتعمق في المضامين لنمتحن بها صدق العناوين، و عليه فالجمهورية ليست جمهورية فقط بتغيير شعار التاج إلى النسر، والبيانات التي تحمل الرقم واحد وحشوها الاسترضائي لضمان التأييد او التحييد او التخدير لا تغشنا، بل نحن نسير مع كل تحرك يتجه لتحقيق شعار يعود بعموم الفائدة على العراقيين، و نعمل بكل قدرتنا لتصويب الأخطاء، و جاهزون للدفاع عن مشروعنا الواسع في السلام و الحرية والديمقراطية، على هذا الطريق سرنا قبالة الحكم الملكي و الجمهوري بنسخه العسكرية ثم الجمهوري بنسخته ذات الحزب الواحد الذي انتهى في 2003ولم تنتهي اثاره ولا مقلدوه الذين يتشبهون بمضامين نظام زال ويرفعون عناوين شتى.قاد مصطفى البارزاني اكبر ثورة شعبية معاصرة في العراق و المنطقة، ثورة قومية لا تلغي الا فكرة الاستبداد الذي هو هوية الحكومة المركزية، ثورة دفاع عن قومية كردية و مواطنة كردستانية و عراقية بعيدة عن تأطير حكم منفصم عن واقع ومتطلبات حياة شعب لم تستقر حياته فأن استقرت فعلى القمع، ثورة شعب آمن بالحزب الديمقراطي الكردستاني ورئيسه البارزاني اذ وقفا بوجه عمل ممنهج ومحاولات متكررة لإخضاع أمة لتصورات حاكم يتخيل انه يملك الرعية فيحيي من يشاء و يميت من يشاء. ومع ذلك فنحن اذ ايدنا حركة قاسم، فقد أيدناها ايمانا ووعيا برغبة العراقيين وتطلعهم لنظام صار يومذاك مكرسا لطبقية كان من الممكن ان تتفجر تفاوتاته على صور اقسى من صور التكيل التي وقعت صباح الثورة و استمرت لعدة أيام. خلافنا مع الفكر القيادي لا مع الشخصيات إذا تجردت عن عناوين السلطة، ولذا فقاسم لا نأخذ عليه و لا على نظامه الا ما مارساه من افعال من قبيل استمالة عناصر من مجتمعنا تحمل سلاح النظام متوهمة ومتوهم من حركها ان امتنا سهلة التقييد.
وقد ازداد توهم النظام ذاك اذ اعتقد انه بتحريك قواه العسكرية النظامية والأمنية فلن يكون القضاء على شعبنا الا جولة دبابة و انقضاض طائرة وبضع رشقات نار. أنا ممن يفهمون المزاج الشعبي المستقر على مقارنات سطحية في الأغلب بين حكامه، وهي مقارنة لا تعدو تكرار قصص عن عفة اليد من أموال الشعب لا من دماء ابناء الشعب و مصير مستقبلهم وقد جرى تصييرهم وقود مشروع تارة بيد اليسار وأخرى بيد اليمين مع استمرار الوجود الدعائي للثيوقراطية.
دبابات الغيرة
ان امتنا الكردية رأت في وضوح البارزاني الخالد و توجهات حزبنا ما تطمح اليه من حاضرها ايامذاك ومستقبلها الذي تحقق لاحقا خلال الثورة و بعدها من انها لا ترى مكانها بالشكل و المضمون الذي قرره الراحل قاسم منفردا و لا الذي قرره اخلافه من الذين أوصلتهم دباباتهم او دبابات غيرهم إلى السلطة او الذين ساروا خلف الدبابات بثياب ليست عسكرية.ان امتنا كان لها من متقدم الوعي والإخلاص المتبادلين مع البارزاني وحزبنا لتتحرك نحو تأسيس تجربة بنيت بالسواعد والذكاء و الدماء والاستعداد للقتال واللجوء والسجون والإعدام و التسفير والانفلة والمطاولة لتكون كردستان كما تستحق و تسير على درب منجزات يختلف عن دروب الخنوع و الخسران التي (الدروب) التي يرسمها فكر سلطة متشابه المضامين وان اختلفت الوجوه و الاسماء. البارزاني و الحزب و ثورة أيلول كسروا كل حواجز الصمت و الخنق وأوصلوا للعراق كله و لأجزاء كردستان و للعالم اجمع اننا أمة تسهم في السياسية و إنشاء الدولة ما كانت الدولة تحترم إنسانها، وأننا لسنا ممن يلقى له الدور من فرد شاءت المقادير ان يحكم.تمر ستة عقود وسنة على ثورة ايلول، وليراجع المنصفون بتجرد خطابات وافعال من كانوا خصوما لنا، وليتفكروا بالذي جلبه الخصوم على العراق داخليا وخارجيا. مجدا للبارزاني و ثورة ايلول وثوارها وشهدائها وجرحاها ومناصريها
ورحم الله من اتعظ بغيره.
المصدر: صحیفة الزمان