حرب أوكرانيا - روسيا وارتجاجاتها في المنطقة
جويس كرم
دخل غزو روسيا لأوكرانيا أسبوعه الثاني وما من مؤشر على أن هذه الغزوة ستكون قصيرة، لا بل فإن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، نقل للجانب الفرنسي الخميس بأنه مصر على تحقيق جميع أهدافه، والتي تبدأ وتنتهي باحتلال جارته.
أهداف بوتين بالسيطرة بالقوة العسكرية وفوق جثث آلاف الجنود الروس على أوكرانيا، تعكس جنوح زعيم الكرملين نحو نهج أكثر تطرفا وعشوائية بعد نحو عقدين في السلطة (بشكل متقطع)، وهو يناهز سن السبعين.
هذه الحرب ورغم أنها لا تدور في فلك الشرق الأوسط، فانعكاساتها بدأت على المنطقة وقد تجرف معها التوازن الاستراتيجي الذي سعت نحوه دول عربية في علاقتها مع كل من واشنطن وموسكو.
طبعا فإن روسيا دبلوماسيا واقتصاديا وأمنيا ليست بحجم قوى عملاقة على الساحة الدولية مثل أميركا والصين واقتصادها هو الـ11 عالميا بعد هؤلاء واليابان وألمانيا والمملكة المتحدة والهند وفرنسا وإيطاليا وكندا. وهذا انعكس في تصويت الجمعية العامة هذا الأسبوع على قرار يدين حرب بوتين في أوكرانيا. فماذا يعني ألا يتخطى أصوات الداعمين للكرملين أربعة وهم: بشار الأسد وكيم جونغ أون أسياس أفورقي وألكسندر لوكيشينكو، وأن تصوت دول مجلس التعاون الخليجي ضد موسكو، وأن تمتنع أخرى مثل الصين، إيران وفنزويلا وحتى كوبا عن التصويت؟ هذا يقول وبالخط العريض أن حرب بوتين هي عبئ ثقيل لن تتحمله سوى 4 دول في مداره السياسي أصلا، ورفضته علنا 141 دولة أخرى.
على دول المنطقة أن تحضر نفسها لحرب طويلة لبوتين في أوكرانيا، وهي حرب بدأت بإضعاف روسيا من الأسبوع الأول. فالروبل خسر أكثر من 30 في المئة من سعره وعصا العقوبات بدأت تخيف شركات عالمية من التعامل مع موسكو وشراء النفط الروسي. على دول الخليج خصوصا أن تدرك حجم العقوبات وإمكانية أن تلحق شركات وشخصيات عربية لها اتصالات مباشرة مع أثرياء روسيا ممن يتم حجز يخوتهم اليوم.
حتى الصين التي بحسب مسؤولين غربيين طلبت من بوتين تأخير الغزو إلى ما بعد الأولمبياد الشتوية التي استضافته، لم تكن تتوقع هذا المسار للحرب ولا تريد تخريب علاقتها مع الأوروبيين. شبكة أن.بي.سي تتحدث عن 6 آلاف قتيل بين الروس في أسبوع واحد والمعدات المحترقة تملأ صفحات وسائل التواصل الاجتماعي. بعض الجنود نفذوا من المحروقات والأطعمة، ماذا سيقول بوتين لأهل هؤلاء وهم لا يعرفون أصلا لماذا يحاربون في أوكرانيا.
حرب أوكرانيا-روسيا قد تعجل الاتفاق الإيراني، كون طهران لن تريد انتظار تصعيد ضخم في المواجهة يجهض المفاوضات. أما واشنطن فهي لن تتردد في رفع عقوبات في مرحلة لاحقة لضخ النفط الإيراني في السوق وفي حال التزمت طهران بالاتفاق. فأمام الرفض السعودي لطلب واشنطن وباريس بزيادة الإنتاج والاخلال باتفاق أوبك+، تتجه الأنظار إلى إيران وفنزويلا.
أما تركيا والتي تجمعها رئيسها رجب طيب أردوغان علاقة ودية مع بوتين، تدرك فداحة خطوته باختيار الحرب على حدود حلف شمال الأطلسي، وتحولت سريعا بموقفها لتتفادى هي الأخرى عقوبات الكونغرس لشرائها منظومة أس-400 الدفاعية.
بوتين اليوم ورغم علاقته الشخصية والقريبة من الكثير من زعماء المنطقة ومع إسرائيل ورئيس وزرائها نفتلي بينيت، ستتراجع أسهمه والخناق الاقتصادي حوله كلما طالت الحرب وحتى ولو احتل كييف وخيرسون وماريوبول وباقي مدن أوكرانيا. وبالتالي، فإن دول المنطقة أمام خيارات جدية لا يكفي فيها "الحياد"، وولى عنها زمن "عدم الانحياز"، وهي بحاجة للتأقلم مع واقع ما بعد دخول بوتين أوكرانيا واستعصاء خروجه منها.
باسنيوز