"بغداد مدنية".. مخاوف من دخول العراق في نفق التشدد الديني
سلّط موقع "المونيتور" الامريكي، يوم الثلاثاء، الضوء على تزايد القلق بين العراقيين بسبب محاولات الاحزاب الدينية فرض قيود ومنع الحفلات الموسيقية في العاصمة بغداد، وهو خطاب قد يكون بداية لفرض "الوصاية الدينية" على المجتمع العراقي المتنوع.
وذكر الموقع الامريكي في تقرير ان بداية الامر كانت مع إصدار جامعة باقر العلوم الدينية بياناً في 29 كانون الاول/ ديسمبر الماضي، نددت فيه بالحفلات الموسيقية في بغداد، وشددت على اهمية العمل بقوانين "تعزز الفضيلة وتمنع الرذيلة"، وذلك بعد ايام على تنظيم حفلات غنائية انتقدها رجال دين واحزاب اسلامية.
ولفت الموقع الى ان العراقيين "سخروا من رجال الدين والاحزاب الإسلامية"، متهمين اياهم "بامتلاك وتوفير الحماية للنوادي الليلية التي تنتشر فيها المخدرات والاتجار بالبشر" ومحاولة منع الحفلات العائلية "وتجاهل وجود نوادي المقامرة والمخدرات".
التشدد السلفي
ونقل التقرير تغريدة على "تويتر" لمقدم البرامج في قناة "العراقية" الفضائية، سعدون محسن ضمد، يقول فيها انه "فيما تخرج السعودية، رويدا، من ازمة التشدد السلفي، يدخلها العراق بخطوات ثابتة ومتلاحقة.. هنيئا للاسلام السياسي في العراق ما حققه من انجازات".
وذكّر التقرير بأن رجل الدين الشيعي جواد الخالصي، هاجم خلال خطبة الجمعة في 24 كانون الاول/ ديسمبر العام 2021، الحفلات الغنائية في بغداد داعيا الى توحيد الجهود لإغلاق هذه الاماكن، قائلا ان الشريعة الاسلامية تقتضي اللجوء الى الرفض وادانة واغلاق جميع الاماكن "التي تمارس فيها الفحشاء والرذيلة والفساد".
كما لفت التقرير الى ان الحملة ضد الحفلات الموسيقية انطلقت عندما احيا الفنان المصري محمد رمضان حفلا غنائيا في بغداد في 10 كانون الاول/ ديسمبر الماضي، قام خلاله بفك ازرار قميصه امام العائلات العراقية، وهو تصرف اعتبر بمثابة "مخالفة للاعراف والتقاليد العراقية" من جانب العديد من اللاعبين السياسيين ورجال الدين.
وكان رجل الدين الشيعي جعفر الابراهيمي الذي يوصف بانه "خطيب معتدل"، انتقد محمد رمضان قائلا انه مثل "القرود الفاضحة"، وهو توصيف اعتبره العديد من العراقيين بانه لا ينسجم مع اسلوبهم وحرياتهم الشخصية.
كما ان رئيس الحكومة الاسبق نوري المالكي ادلى بتصريحات مشابهة، واصفا محمد رمضان بانه "فاحش وفاسق وساقط"، مؤكدا انه ضد اسلوبه الفني الذي قدمه، وليس ضد الفن بشكل عام.
هيمنة التطرف
الا ان العراقيين، وخاصة اهالي بغداد، عبروا، بحسب الموقع الامريكي، عن خوفهم من هيمنة التطرف على حياتهم، وشنوا هجوما مضادا على رجال الدين وقادة السياسة والجماعات المسلحة، من خلال الدفاع عن الحفلات الغنائية باعتبار انها جزء من حرياتهم الشخصية التي يضمنها لهم الدستور.
وانتشر وسم (#بغداد-مدنية) على "تويتر" في محاولة من جانب الناشطين والفاعلين على وسائل التواصل الاجتماعي، للتأكيد على تنوع الهوية المدنية لبغداد، وفي تعبير عن التحدي للجماعات التي تسعى الى "السيطرة على الحياة العامة".
واشار التقرير الى ان عشرات الاشخاص تظاهروا في 16 كانون الاول/ ديسمبر الماضي، امام منتزه "سندباد لاند" في بغداد الترفيهي، للمطالبة بإغلاقه برغم انه لا يستخدم كمكان للحفلات الموسيقية سوى في مناسبات نادرة.
ونقل التقرير عن عنصر امني مسؤول عن تأمين محيط المنطقة، قوله ان "المتظاهرين ينتمون إلى حزب الفضيلة الإسلامي المتطرف، وحاولوا اضرام النار بأجزاء من المدينة بحجة اقامة حفلات فيها".
كما نقل التقرير عن مستثمر ينظم حفلات في بغداد، رفض الكشف عن هويته خوفا من تعرضه الى الانتقام، قوله ان "الهجوم الذي شهدناه كان غير مبرر. الحفلات الموسيقية لا تشكل اساءة لاي احد، الا انه يبدو ان هناك محاولات لفرض التطرف الديني على العراقيين".
ولفت التقرير الى مقطع فيديو تم تداوله يظهر رجل دين يقود التظاهرة ويصف الحفلات الموسيقية بانها "اعتداء على شرف العراقيين" وان "الامام الحسين، كان حريصا على نشر الفضيلة ومنع الرذيلة".
وتابع انه بسبب الاحداث، فإن إدارة "سندباد لاند" قررت الغاء الحفلات والعقود مع الشركات التي تنظمها، كما جرى الغاء حفلات اخرى في بغداد ومحافظة ذي قار، خوفا من وقوع اعتداءات مشابهة.
الإكراه والدين السياسي
ونقل التقرير عن رجل الدين الشيعي الشيخ مضر الحلو، قوله "هناك شيئان مضران جدا بالدين. الاول هو اجبار الناس على الايمان به، والثاني استغلاله (الدين) سياسيا".
ولم يقتصر الخطاب الحاد ضد اقامة الحفلات على رجال الدين الشيعة وحدهم، فقد انتقد امام جامع الحارث بن يزيد في محافظة الانبار عبد العزيز فواز الهيتي، المغني المصري محمد رمضان، وانما بلهجة اقل قساوة من نظرائه الشيعة.
لكن الناشط والمدافع عن الحريات في العراق حميد جحيش، قال ان "الاحزاب الاسلامية، ممثلة بالاحزاب والجماعات المسلحة، جربت اكثر من مرة فرض قناعاتها الدينية والايديولوجية على المجتمع في محاولة منها لتشكيل مجالس وهيئات للتدخل في الحريات الاجتماعية".
واوضح الناشط العراقي ان "تنامي المد العلماني وازدياد النشاطات الداعمة للحريات والثقافة والفن التي بشكل غير مباشر قوضت عمل الجماعات الاسلامية، دفعتها الى النزول للشوارع وامام المرافق لمنع إقامة الحفلات. ويبدو ان ذلك هو مقدمة لتشكيل لجان لتعزيز الفضيلة ومنع الرذيلة".
وخلص التقرير الى القول ان العراق مستقبلا "قد يشهد ظهور هيئات او مؤسسات دينية تحاول فرض وصايتها الدينية، خاصة في ظل تراجع الاحزاب والجماعات المسلحة في المشهد السياسي، وهو ما يعني ان هذه الاحزاب تسعى الى اثبات نفسها بأي وسيلة اخرى، وقد تلجأ الى خيار تشكيل لجان هدفها تعزيز الفضيلة والحد من الرذيلة".
شفق نيوز