العراق: مركز ناشئ لتجارة المخدرات وتهديد متنامٍ لأوروبا
على مدى السنوات الأخيرة، تحوّل العراق من نقطة عبور عرضية إلى مركز رئيسي لتجارة المخدرات غير المشروعة، حيث أصبح ممرًا رئيسيًا للتهريب ومكانًا لتصنيع بعض أنواع المخدرات، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات تعاطيها داخليًا.
هذا التحوّل لم يُشكّل تهديدًا داخليًا للعراق فقط، بل امتد تأثيره ليصل إلى القارة الأوروبية، مما جعله تحديًا دوليًا ملحًا يتطلب تضافر الجهود لمحاربته.
العراق ممر ومركز لتجارة المخدرات
يتمتع العراق بموقع جغرافي استراتيجي جعله بوابة أساسية لنقل المخدرات من البلدان المنتجة في آسيا الوسطى، مثل أفغانستان وإيران، إلى أسواق الاستهلاك الكبرى في أوروبا.
الطرق البرية عبر العراق وصولاً إلى تركيا تُعتبر المسار الأساسي للهيروين القادم من أفغانستان، بينما تُستخدم موانئ البصرة كقناة لنقل المخدرات عبر الخليج العربي.
لا يقتصر الأمر على كون العراق ممرًا فحسب، بل ظهرت في السنوات الأخيرة مؤشرات على تحوله إلى مركز لتصنيع المخدرات، وخاصة الميثامفيتامين المعروف بالكريستال ميث.
تُستخدم المناطق الجنوبية والحدودية مع إيران لإقامة معامل صغيرة لتصنيع هذا المخدر، نظرًا لضعف الرقابة الأمنية في تلك المناطق. هذا التطور يعزز من خطورة الوضع، إذ يتيح للسوق المحلية والعالمية الحصول على إمدادات ثابتة من هذه المواد القاتلة.
إلى جانب مراكز التصنيع التي تم ضبطها في محافظة السليمانية، والتي ثبت ضلوع شخصيات متنفذة في حزب الاتحاد الوطني الكوردستاني بالإشراف عليها.
التعاطي في العراق
يُعتبر تعاطي المخدرات ظاهرة متزايدة في العراق، حيث أصبح الشباب الفئة الأكثر تضررًا.
تشير تقارير رسمية إلى أن عدد المدمنين تجاوز 500 ألف شخص، مع تسجيل معدلات مرتفعة في المحافظات الجنوبية مثل البصرة. ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، إلى جانب الانفلات الأمني، ساهم في تفاقم المشكلة.
وتُظهر الإحصاءات الرسمية حجم المشكلة المتفاقمة. في عام 2023، صادرت السلطات العراقية أكثر من 10 أطنان من المخدرات، معظمها من الكريستال ميث والكبتاغون. على الرغم من هذه الجهود، تُشير التقديرات إلى أن نسبة كبيرة من المخدرات المهربة لا تزال تصل إلى وجهتها النهائية.
أما داخليًا، فإن الإدمان يُلقي بظلاله الكئيبة على المجتمع العراقي، مع تزايد الجرائم المرتبطة بتعاطي المخدرات، بما في ذلك السرقات والعنف. بالإضافة إلى ذلك، تتزايد الضغوط على النظام الصحي والاجتماعي في العراق نتيجة تفشي هذه الآفة.
تهديد الأمن الأوروبي
لم تعد تجارة المخدرات في العراق تهدد العراق وحده، بل أصبح لها تداعيات خطيرة على أوروبا.
تشير تقارير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة إلى أن العراق يُستخدم بشكل متزايد كمنصة لتهريب الهيروين والكريستال ميث نحو تركيا ومنها إلى أوروبا.
مادة الكبتاغون، التي تُعد شديدة الخطورة، تُهرب أيضًا عبر العراق باتجاه الخليج وأوروبا، مما يزيد من القلق الدولي حول هذا التهديد العابر للحدود.
ومؤخراً، أفاد خليل محمد، القيادي السابق في حزب العمال الكوردستاني PKK ، أن فريق سري من الاتحاد الأوروبي قام بإعداد أدلة فيديو عن PKK والعديد من مسؤولي الاتحاد الوطني الكوردستاني، وكيف أصبحت المخدرات التي في أيديهم تهديداً لأوروبا أيضاً.
السليمانية
تُعتبر مدينة السليمانية واحدة من المراكز المهمة لتجارة المخدرات في العراق، نظرًا لموقعها الجغرافي الذي يربط بين الحدود الإيرانية والتركية. معابر مثل برويزخان وباشماخ تُستخدم بشكل مكثف لتهريب المخدرات.
تشير تقارير أمنية إلى تورط جهات سياسية محلية في تسهيل هذه العمليات، بما في ذلك أفراد في حزب الاتحاد الوطني الكوردستاني.
إضافة إلى ذلك، تتهم تقارير دولية حزب العمال الكوردستاني باستخدام تجارة المخدرات لتمويل عملياته المسلحة. يُعتقد أن الحزب يلعب دورًا رئيسيًا في تهريب الهيروين عبر العراق إلى تركيا ومنها إلى أوروبا، ما يجعل الأمر تهديدًا متعدد الأبعاد يمس الأمن الإقليمي والدولي.
وتفيد معلومات خاصة من مصادر مطلعة داخل مدينة السليمانية، ان حزب العمال الكوردستاني PKK وبالتعاون والتنسيق مع القادة الجدد للاتحاد الوطني الكوردستاني وعلى رأسهم بافل طالباني رئيس الحزب، هرّب 47 ألف كيلوغرام من الكوكايين الى اوروبا بين عامي 2018 و2019 فقط، بالإضافة الى تعاون الجانبين في مجال غسيل الأموال، وPKK معروف بتهريب المخدرات عبر المناطق الحدودية التي يسيطر عليها، ويمارس ذلك منذ عقود ويحصل من وراء ذلك على أموال طائلة.
ويشير مراقبون إلى أن العراق أصبح نقطة محورية في تجارة المخدرات، ما يشكل تهديدًا للأمن الداخلي والإقليمي والدولي. لمواجهة هذا التحدي، يجب اتخاذ خطوات جادة، بما في ذلك تعزيز الرقابة على الحدود، وتكثيف التعاون مع المجتمع الدولي لتفكيك شبكات التهريب، وإطلاق برامج شاملة لعلاج الإدمان وإعادة التأهيل.
باسنيوز