من الحدود السورية إلى كركوك.. خمسة مليارات مجهولة تثير تكهنات التهريب والمضاربات
أثارت عملية ضبط مبلغ مالي كبير قدره خمسة مليارات ليرة سورية في محافظة كركوك استفهامات واسعة لدى الأوساط الاقتصادية والسياسية، حول مصدر هذه الأموال والغاية من وجودها داخل العراق.
وتزايدت التكهنات حول ارتباط الحادثة بأنشطة تهريب غير مشروعة أو تعاملات مالية خفية قد تحمل أبعاداً سياسية أو اقتصادية، إذ يرى مراقبون أن هذه الواقعة تعكس تحديات الرقابة على الحدود واحتمالات وجود شبكات منظمة تسعى لاستغلال الوضع الاقتصادي الإقليمي لتحقيق أهداف خاصة.
وأعلنت وزارة الداخلية العراقية مؤخرًا عن ضبط مبلغ مالي كبير يقدر بخمسة مليارات ليرة سورية، كانت مخبأة داخل شاحنة في محافظة كركوك شمال العراق، مع إلقاء القبض على سائق الشاحنة والشخص الذي كان برفقته، في خطوة أثارت جدلاً واسعاً.
وتتباين وجهات النظر حول ماهية هذه الأموال، إذ يرى البعض أنها قد تكون مرتبطة بخطط استثمارية في سوريا في مرحلة ما بعد تغيير النظام، بينما يعتقد آخرون أنها أموال مهربة تعود إلى شخصيات كانت على صلة بالنظام السوري السابق.
وفي الوقت نفسه، تتزايد المطالبات بتشديد الرقابة على الحدود وتعزيز الإجراءات الأمنية للحد من عمليات التهريب ومنع تكرار مثل هذه الحوادث التي تثير الشكوك حول أبعادها السياسية والاقتصادية.
وشهدت العملة السورية في السنوات الأخيرة تدهوراً حاداً يعكس عمق الأزمات السياسية والاقتصادية التي تضرب البلاد، ففي عام 2021، كان سعر صرف الدولار الأمريكي حوالي 3000 ليرة سورية، إلا أن الضغوط المتزايدة أدت إلى تدهور متسارع للعملة، ليصل سعر الصرف إلى 4000 ليرة في عام 2022.
وبحلول عام 2023، تصاعد التدهور بشكل لافت، حيث ارتفع سعر الدولار إلى 8000 ليرة في بداية العام، قبل أن يتجاوز 13 ألف ليرة بحلول منتصف العام، ما شكّل انعكاساً واضحاً لتفاقم الأوضاع الاقتصادية وفقدان الأمل في استقرار العملة المحلية.
بدوره، أكد ضابط في قوات الشرطة الاتحادية العراقية، أن «التحقيقات مستمرة بشأن شحنة الأموال التي تم ضبطها في كركوك، حيث كشفت المعلومات الأولية أن هذه الأموال دخلت العراق عبر الحدود السورية، متخذة مساراً شمل محافظتي الأنبار وصلاح الدين قبل أن تصل إلى كركوك، وذلك خلال الفترة الممتدة بين الأول والثامن من شهر كانون الأول / ديسمبر».
وأوضح الضابط الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، أن «الجهات الأمنية تعمل على تحديد الجهة المالكة لهذه الأموال والكشف عن الأطراف المسؤولة عن تهريبها إلى داخل البلاد، إذ تشير المعلومات الأولية إلى احتمال تورط شبكات تهريب منظمة أو شخصيات تجارية ذات ارتباطات اقتصادية بين سوريا والعراق».
ومع دخول عام 2024، شهدت الليرة انهياراً غير مسبوق، إذ بلغ سعر الدولار 15 ألف ليرة مع مطلع العام، ليتزايد الانهيار مع سقوط النظام في ديسمبر الماضي، بعد أن وصلت العملة إلى مستويات كارثية، حيث تخطى سعر الصرف حاجز 22 ألف ليرة للدولار الواحد.
بدوره، أوضح الباحث في الشأن الاقتصادي سرمد الشمري، أن «هناك توجهًا لدى بعض المضاربين في العراق لشراء الليرة السورية بالدولار، معتمدين على نظرية تقول إن الانخفاض الكبير في قيمة الليرة حاليًا قد يمثل فرصة لتحقيق مكاسب مستقبلية».
وأضاف الشمري ، أن «هؤلاء يعتقدون أن رفع العقوبات الدولية عن سوريا، قد يؤدي إلى استقرار العملة السورية وعودتها إلى مستويات أقرب للسعر الرسمي، لكن هذه توقعات غير مؤكدة، حيث يفترض المضاربون أن تخفيف الضغوط الاقتصادية على سوريا سيؤدي إلى تحسن شامل للوضع المالي هناك، وهو أمر يصعب تحقيقه في ظل الأزمة الاقتصادية العميقة التي تعانيها البلاد».
وتزايدت المطالبات بضرورة تعزيز الرقابة على الحدود العراقية لمواجهة ظاهرة التهريب والأنشطة غير القانونية التي باتت تشكل تهديدًا للأمن والاقتصاد.
وعلى الرغم من الجهود المبذولة لتحصين الحدود، إلا أن العديد من المقاطع الحدودية لا تزال تعاني من ضعف في التحصين، مما يوفر ثغرات يستغلها المهربون لتحقيق أهدافهم.
باسنيوز