سقوط الأسد.. روسيا خارج المنطقة وإيران "تضمّد"جراحها وتركيا "الفائز الأكبر"
ربط "معهد كوينزي" الأمريكي بين الفوضى التي تشهدها سوريا حاليا، وبين غزو العراق حيث اعتبر أن واشنطن هي التي أشعلت النار في المنطقة وشاهدتها تحترق من خلال تغيير الأنظمة، والربيع العربي، والحروب الاهلية، وتجديد الجماعات الارهابية.
وذكر التقرير الأمريكي انه في حال جاء مسافر عبر الزمن من العام 2024 الى الشرق الاوسط قبل 40 سنة مثلا، وذلك بنية الاطلاع على المستقبل، فقد لا يصدقه أحد.
واوضح التقرير ان المسافر الافتراضي كان سيتحدث عن اختفاء انظمة حكم معمر القذافي وصدام حسين وبشار الاسد، وكيف اصبحت دولهم منخرطة في فوضى امنية، او بحالة فشل الدولة أو تعاني من الخلل السياسي المزمن، بينما نجت مصر باعتبارها دولة "وكيلة" تابعة للولايات المتحدة وانقذها اتباع سياسة عدم القيام بشيء الأمريكية من المتطلبات الديمقراطية للربيع العربي.
وتابع التقرير قائلا إن الكثير مما جرى مرتبط بالولايات المتحدة وغزوها للعراق في العام 2003 والذي تمثل بتدمير نظام مستقر نسبيا، لكنه "شرير"، وظهر أنه العمود الفقري الذي كان يبقي معظم عالم "سايكس بيكو" معا.
وبحسب التقرير، فإن هذا الغزو هو الذي أطلق عملية استدعاء لجميع القادمين لكي يستولون على قطعة من العراق والمدى الذي يمكن أن يصلوا به، مشيرا الى ان العديد من نفس عناصر داعش والقاعدة سابقا الذين يقفون الآن في وجه سوريا، سوف يقاتلون بعضهم بعضا قريبا من أجل السيطرة هناك، بعدما كانوا استولوا تقريبا بدرجة كبيرة على دولة العراق بعد ان هرب جيش عراق ما بعد صدام، الذي دربته الولايات المتحدة وجهزته، من الميدان.
ولفت التقرير الى ان العراق تم التخلي عنه للإيرانيين ليتولوا زمام الأمور بعد ذلك، ويحولونه إلى دولة وكيلة بعد أن سعت الولايات المتحدة الى الحد من خسائرها بالتعاون مع ايران من اجل القضاء على معظم تنظيم داعش (الذي كان جرى إنشاؤه من فلول تنظيم القاعدة الذي دمرته الولايات المتحدة) في العراق، وذلك بالاضافة الى التخلي عن الكورد الذين توهموا بأن الولايات المتحدة مدينة لهم بدولة قومية بعد كل ذلك.
وتابع التقرير ان "الغطرسة الاميركية ادت الى الاطاحة بمعمر القذافي في العام 2011، مذكرا بأن غارات حلف "الناتو" الذي نال بتغطية إعلامية صاخبة والتمرد المدعوم من الغرب لم تؤدي في نهاية الأمر سوى الى نشوء دولة فاشلة في المنطقة الهشة.
واعتبر التقرير أن النقاد رأوا ليبيا وقتها بشكل خاطئ مثلما سيرون سوريا الان، بان سقوطها هو بمثابة ضربة للطموحات الروسية في المنطقة، من دون ان يحسبوا النتيجة السلبية لإطلاق العنان للفوضى في منطقة تستهلكها الحرب بالوكالة بين إيران والولايات المتحدة واسرائيل.
واضاف التقرير ان مشاهدة القذافي وهو يتعرض للاغتصاب على شاشة التلفزيون بعد أن تخلى عن أسلحته النووية، أكد للعالم أن كوريا الشمالية لن تفعل الشيء نفسه ابدا.
ولفت التقرير الى أن أحدا لن يفتقد عائلة الأسد، مذكرا بان هذه العائلة من مرحلة الأب حافظ الأسد، تدير سوريا منذ انقلاب العام 1970، مشيرا الى ان الاسد صور نفسه في البداية على انه اصلاحي.
وتابع التقرير أن الأسد رد على الاحتجاجات السلمية خلال الربيع العربي (الانتفاضات ضد الطغاة في كافة انحاء الشرق الاوسط والتي استخدموا خلالها الحرب العالمية الامريكية على الارهاب لقمع شعوبهم) من خلال حملات قمع وحشية، هو ما أشعل فتيل حرب اهلية هناك منذ العام 2011، خصوصا مع انضمام داعش والميليشيات الاسلامية المدعومة من الولايات المتحدة إلى المعركة للاطاحة بالاسد.
وحذر التقرير من أنه مثلما ترك العراق مفتوحا امام اي شخص يريد قطعة منه للاحتفاظ بها، فإن سوريا سوف تتفكك، مشيرا الى أن اسرائيل استولت بالفعل على اجزاء من الاراضي مقابل حدودها، ودمرت البحرية السورية ومخازن الصواريخ والمواد الكيميائية، والكثير من قواتها الجوية.
وذكر التقرير أن تركيا التي يعتقد انها تقف الى حد ما وراء سيطرة الإسلاميين الحاليين على سوريا، ترى أن امامها فرصة متجددة لتخليص نفسها من حركة الاستقلال الكوردية على حدودها في سوريا، مما ادى الى اشتباكات عنيفة مع القوات الكوردية المدعومة من الولايات المتحدة في الجزء الشمالي الشرقي من البلاد، مضيفا انه "للمفاجأة فإن هذا هو المكان الذي يوجد فيه كل النفط أيضا، فهل ستتخلى الولايات المتحدة عن الكورد مجددا؟".
وأشار التقرير إلى أن ما تبقى هو أن نرى ما ستقوله امريكا حيث ان هناك 900 جندي اميركي على الارض حاليا في سوريا، وتقوم الطائرات الحربية الاميركية بمهام قصف ظاهريا ضد داعش، والتي كانت ساعدت في الماضي القريب بشكل غير مباشر، الاسد.
وانتقد التقرير الرئيس الحالي جو بايدن قائلا انه "لم يعد مسؤولا بالفعل عن أي شيء"، وأنه استخدم حسن نيته كقائد أعلى للقوات المسلحة للقيام بتدخلين بشعين بالوكالة، حيث قاتل روسيا حتى آخر اوكراني، بالاضافة الى دعم إسرائيل في غزة.
ورأى التقرير أن الولايات المتحدة ليست وضع ملائم للاستفادة بطريقة ايجابية مما يجري، برغم الاعتقاد باعتدال هيئة تحرير الشام، موضحا أن أي عملية إعادة تأهيل سريعة في المستقبل للإرهابيين السوريين، ستكون مشابهة لأسلوب المخادع الممنوح لميليشيات النازيين الجدد الأوكرانيين.
وذكر التقرير أن الرئيس المنتخب دونالد ترامب اوضح انه لا يريد أي جزء من الحرب في سوريا، وهو ايضا ليس متحمسا لمواصلة الحرب في أوكرانيا، مشيرا الى ان ترامب حاول خلال ولايته الاولى سحب القوات الامريكية من سوريا وفشل، ومن المرجح أن يحاول القيام بذلك في وقت مبكر من ولايته الثانية. واعتبر التقرير أن هذه الخطوة ستكون "الشيء الصحيح الذي ينبغي عمله، ومن المحتمل أن يحظى بدعم واسع النطاق".
وخلص التقرير الى القول انه ما لم يتحقق معظم ذلك، فإنه علينا توقع ظهور دولة فاشلة أخرى في قلب الشرق الأوسط. وطرح التقرير تساؤلات من بينها هل ستنجح "هيئة تحرير الشام" في تشكيل حكومة مركزية موحدة لإبعاد الذئاب؟ وهل ستتحرك تركيا او وكيلها في سوريا ضد الكورد، وهل ستحميهم الولايات المتحدة أم تتنازل عن الأراضي؟.
ولفت التقرير إلى أن تركيا هي الفائز الحالي في هذا الصراع، بعد أن قضت على عدوها الأسد في الجنوب، كما يبدو أن روسيا خرجت من اللعبة، تاركة قواعدها البحرية والجوية الاستراتيجية هناك محل تساؤل، مضيفا ان ايران مع سقوط الأسد، بمقدورها أن تختار الجانبين في صراع الميليشيات، او بامكانها ان تنسحب لتضمد جراحها، بعد أن فقدت ايضا قوة حزب الله في الوقت نفسه.
وختم التقرير قائلا إنه "من المؤكد ان سافرنا عبر الزمن في الشرق الاوسط سيترك جمهوره في حيرة من أمره، على الرغم من أن واشنطن هي التي ستضطر الى تقديم بعض التوضيحات".
شفق نيوز