• Friday, 29 March 2024
logo

شعوب الشرق الأوسط والقلق المشروع

شعوب الشرق الأوسط والقلق المشروع

صلاح بدرالدين

   امام جميع الحروب ، والصراعات ، والمواجهات العسكرية، التي شهدتها ومازات تعاني منها  بلدان ومناطق الشرق الأوسط ، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ، مرورا بحقبة الحرب الباردة ونهايتها ، وظهور أنظمة فاشية ، ودكتاتورية ، وشوفينية، وتصاعد إرهاب الإسلام السياسي  في مختلف الارجاء ، وموجات الهجرة ، والتهجير القسري ، وحصول عمليات تغيير التركيب الديموغرافي القسري في الكثير من البلدان ، خصوصا في الدول المتعددة القوميات ،والأديان ، والمذاهب ، واقتراف جرائم الإبادة الجماعية لاسباب عنصرية وسياسية ، كما حصل في ظل نظامي البعث في العراق ، وسوريا تحديدا ، نقول أن شعوب وبلدان المنطقة ان استطاعت مواجهة كل ذلك ، والتعامل معها رغم الالام ، والكوارث ، والنكبات الإنسانية ، فانها جميعا ومن دون استثناء أنظمة ، وبلدانا ، وشعوبا ، وحركات سياسية ، تتشارك في المرحلة الراهنة بالقلق العميق على الحاضر ،والمستقبل .

   أسباب داخلية ، وخارجية

  لاشك ان الأسباب الرئيسية لذلك القلق على الحاضر ، ومايخبئه المستقبل ، تعود بالدرجة الأولى الى تحكم النظم ، والحكومات غير الديموقراطية ، على مقاليد الحكم في غالبية الدول ، وعجزها عن حل مهام التحرر الوطني ، وإرساء النظام السياسي الديموقراطي السليم ، وإنجاز القضيتين الديموقراطية ، والاقتصادية ، الى جانب هزالة الحركات الديموقراطية المعارضة ، وفشلها في تنظيم الصفوف ، وفرض الإرادة الشعبية ، مما افسح ذلك المجال لبروز ، وسيطرة الأفكار الغيبية ، وثقافة الجهل والتخلف ، وقطعان الإسلام السياسي واجنحته الإرهابية ، وكذلك التيارات المغامرة في الحركات القومية ، والوطنية ،التي ترفع الشعارات البراقة ، وتتواطؤ بالوقت ذاته مع الدوائر الحاكمة في الأنظمة المستبدة .

  ومن جملة الأسباب الداخلية عجز ، أو تقصد الأنظمة الحاكمة في حل القضايا القومية ، خاصة وان بلدان الشرق الأوسط من اكثر البلدان بالعالم باحتوائها على العديد من الشعوب ، والاقوام ، والقوميات المحرومة من الاعتراف بوجودها ، وحقوقها الأساسية، وحقها المشروع بتقرير المصير ، مما يخلق ذلك مشاعر الغبن وعدم الرضا ، لدى سكان معظم تلك البلدات ذات التعددية القومية  .

  وفي ظل الأوضاع الراهنة بالمنطقة، وبسبب التدخلات العسكرية الخارجية ، والنفوذ الواسع لقوى الخارج ، والتبعية الاقتصادية لبلدان المنطقة ، وكذلك لكونه المتكفل لامن وسلامة الأنظمة من شرور الارهاب ، كما حصل في محاربة التحالف الدولي لداعش منذ أعوام وحتى الان ، وكذلك مواجهته حتى لفصائل معارضة فئوية ، وطائفية ضمن التركيب الاجتماعي لبعض الدول ،  الى جانب السلوك المشين ، المتوحش للمراكز الراسمالية العالمية تجاه البلدان والشعوب الضعيفة ، الفقيرة ، فان الداخل فقد الاستقلالية ، وارتهن مصيره للخارج الذي يتحكم ، ويقرر مايراه مناسبا لمصالحه القريبة والبعيدة ، دون أي اعتبار لارادة دول ، وشعوب المنطقة   .

   الكرد في المشهد الشرق اوسطي الراهن

  إقليم كردستان العراق يشكل المركز الكردستاني الوحيد بالمنطقة المتفاعل مع ما هو سائد في المشهد الراهن ، وتشعر قيادته بنوع من القلق بسبب تطورات المواقف الدولية ، والانسحاب الأمريكي من أفغانستان بتلك الطريقة غير السوية ، وذلك حرصا على الإنجازات ،و والمكاسب ، لكونه الكيان الفدرالي المعترف به بالدستور العراقي ، وله مؤسسات تشريعية ، وتنفيذية منتخبة ديموقراطيا ، والمقبول عراقيا ، وإقليميا ، ودوليا ، ويتمتع بنظام فيدرالي متطور ، وتحالفات داخلية بين مختلف المكونات القومية ، والدينية ، والمذهبية ، والتيارات السياسية المتنوعة التي تحظى بدعم شعبي  .

  دوافع القلق. نابعة بشكل رئيسي من عدة احتمالات أولها – في حال توالي الانسحاب الأمريكي من العراق ثم سوريا ، فان أعباء مواجهة تنظيم داعش ستكون كبيرة على الإقليم خاصة وانه يعتبر شعب الإقليم من الأعداء ، ثانيا – انطواء نفوذ أمريكا والغرب عموما ، سيؤدي الى استشراس القوى والمجموعات الميليشياوية ، الطائفية العنصرية المسلحة ، وتزايد خطورتها على الإقليم الكردستاني ، وكذلك على مصير العملية السياسية ،. في كل العراق . ثالثا – قد يؤدي ذلك الى ازياد اعتداءات جمهورية ايران الإسلامية على شعب كردستان ، وحتى تركيا . رابعا – قد يؤدي ذلك الى قيام مسلحي – ب ك ك – وبدفع من ايران ، أو سوريا ، او الميليشيات العراقية ، الى اقتراف حماقات جديدة ضد شعب الإقليم والإنجازات الفيرالية .

   قد تكون تلك الاحتمالات – السلبية – بخصوص إقليم كردستان تبدو مستبعدة للوهلة الأولى على ضوء الاستقبال الحافل للسيد رئيس إقليم كردستان الى بريطانيا ، وقبلها الى فرنسا ، ولكن علينا تحديد الأمور كماهي ، حيث ان الدولتان الصديقتان لم تتجاوزا القضايا البروتوكولية في الزيارتين ، ولم يصدر عنهما سابقا والان ، أي تصريح ،أو وثيقة سياسية تؤكد على حق تقرير مصير إقليم كردستان ، او الالتزام بامنه ، وسلامته ، راهنا ، ومستقبلا .

  قيادة إقليم كردستان ولكونها صريحة مع شعبها ، وشفافة في مواقفها تدرك جيدا ان هناك قلق من التطورات الخارجية بعد الانسحاب الأمريكي المفاجئ من أفغانستان ، وقد ظهر ذلك بجلاء في كلمة السيد رئيس حكومة الإقليم خلال تدشين بناء القنصلية الامريكية في أربيل ، عندما قال : نحن سعداء بعلاقتنا مع الولايات المتحدة المتحدة الامريكية ، والشراكة العملية في مواجهة داعش وجميع صنوف الإرهاب ، واننا نشكر الحلفاء على كل أوجه المساعدات ، ولكنني طلبت من السفير الأمريكي بالعراق بان يعلنوا عن الموقف السياسي الملتزم تجاه الإقليم ليتوازن مع الجانب العملي ولكن السفير أجاب : ان الجواب هو اننا نبني اكبر قنصلية في العالم بكردستان العراق ؟! .

Top