اقليم كوردستان.. جغرافية القوة والتأثير
نوري بيخالي
على الرغم من أنّ الجذور التاريخية للعلاقات الكرردستانية الفرنسية تعود إلى ستينيات القرن الماضي، أي أيام ثورة أيلول المجيدة ودور البارزاني الخالد في توطيد هذه العلاقة وتسخيرها في خدمة القضية الكردية. وأن عملية دحر داعش الإرهابي على أيدي قوات بيشمركة كردستان، بقيادة الرئيس مسعود البارزاني، كانت منعطفاً تاريخياً في تغير تعامل العالم مع إقليم كردستان ووضعهم أمام مسؤولية تاريخية تجاه شعب كوردستان. فإن نجاح سياسة السيد نيجيرفان البارزاني في جلب انتباه العالم نحو إقليم كردستان وتأمين الدعم والمساندة الدولية له، والتي هي امتداد لهذه المراحل التاريخية، مداً وجذراً، عوض إحساس شعب كردستان بحرمانه من الدولة التي هي من أبسط حقوقه الذي ناضل من أجلها عقوداً، وقدم الغالي والنفيس.
الجميع يتذكر وكأنه اليوم، في أوج الأزمات التي تلت أحداث 16 أكتوبر2017، حيث فرض حصار سياسي واقتصادي إقليمي ودولي على إقليم كوردستان، استطاع السيد نيجيرفان البارزاني فتح آفاق أرحب بوجه إقليم كردستان وفك القيود المفروضة عليه، وكانت باريس في طليعة العواصم التي فتحت أبوابها على مصراعيها بوجه الإقليم وأصبحت منفذاً له. إذن يبقى العامل الأقوى في استمرار هذه العلاقات وترسيخها في يومنا الحاضر وجعلها علاقات مؤسساتية، هو السياسة الدبلوماسية الناجحة لسيادته والتي تؤدي في نهاية المطاف بإقليم كردستان إلى بر الأمان.
لكن بغض النظر عما إذا كان الدعم الدولي المستمر لإقليم كردستان مبعث الطمأنينة لشبعه، ستبقى المصالحة السياسية ووحدة الصف الكردستاني والعمل المشترك وتعزيز أسس التعايش السلمي بين مكونات إقليم كردستان هي ضمان إبعاد إقليم كوردستان من المخاطر والتهديدات، أسس ومبادئ عمل ويعمل السيد نيجيرفان البارزاني جاهداً من أجل تحقيقها.
إن العالم اليوم يعاني من فراغ القادة في المنطقة، وربما سبب فشل الكثير من سياسات واستراتيجيات الدول التي تتصارع على مصالحها في منطقة الشرق الأوسط، لا سيما بعد الأحداث المريرة والدموية التي سميت بالربيع العربي، هو غياب القادة التي لديها القدرة على الإمساك بزمام الأمور.
ومن هذا المنطلق، يمكننا القول إن أحد أسباب اهتمام دول العالم، ومن ضمنها فرنسا، برئيس إقليم كردستان في منطقة تفتقر إلى قيادات ملمة بمهام المرحلة ومدركة لمجريات الأحداث، هو شخصيته القوية وإدراكه بماهية الصراعات الدائرة وكيفية التعامل معها، كل حسب ما تقتضيه الحاجة.
إن السياسة التي يتبعها السيد رئيس إقليم كردستان من الاعتماد على القوة الناعمة (الدبلوماسية) والحفاظ على التوازن في العلاقات والتمسك بالقيم والمبادئ التي تشاركها الإنسانية معاً والإصرار على حل المشاكل بين بغداد وأربيل سلمياً على طاولة المفاوضات، ووفقاً للدستور، من أجل إعادة الأمن والاستقرار للمنطقة، جعلت منه موضع ثقة واهتمام العالم.
إذاً، لقد بات جلياً بأن الدول الغربية، من ضمنها فرنسا، تتعامل مع إقليم كردستان على أساس جغرافية القوة وتأثيرها على استباب الأمن والاستقرار في المنطقة وانعكاساتها الإيجابية على الأمن العالمي. وأن الحضور البارز لإقليم كردستان على الساحة السياسية العراقية والإقليمية والعالمية ودورها في المعادلات مرتبط بالدرجة الأولى بالثقل السياسي والأهمية الجيوبوليتيكية للإقليم، وليس كما يدعي البعض بأن العالم ما زال ينظر إليه نظرة تعاطف وتراحم.