• Tuesday, 21 May 2024
logo

الاعتراف بالفشل فضيلة

الاعتراف بالفشل فضيلة

طارق كاريزي

 

ربما يتساءل المرء بمزيد من التعجب عن السبب وراء استمرار التظاهرات في المحافظات العراقية ذات الاغلبية الشيعيَة ضد حكومة عراقية تقودها القوى والاحزاب الشيعية منذ سقوط نظام صدام.

حقيقة فهناك الكثير من المنطقية في سؤال بهذا المنحى. وبموازاة ذلك، هناك حيّز واسع من المبررات والدوافع التي تجعل المواطن العراقي في جنوب الوطن ذي الاغلبية الشيعية ينزل الى الشارع ويندد بأعلى صوته بالسلطات المحلية على مستوى المحافظات والاتحادية على مستوى عموم العراق.

لعل مسببات الوضع العراقي المتردي من حيث تراجع الخدمات الاساسية وتفشي الفساد الاداري والمالي وسيادة المحسوبية السياسية والتفاوت في الفرص المتاحة امام المواطنين، امور يحس بها المواطن بعمق ويدفع ضريبتها على حساب كرامة العيش والرفاهية المنتظرة في بلد غارق في الخيرات.

طيب، وما سبب تفشي الفساد وتراجع الخدمات وانعدام العدالة في تمتع المواطنين بحقوقهم؟

نظرة سطحية للواقع السياسي العراقي تظهر لنا رخاوة المشهد وتشابك مراكز القوى وانعدام مشروع وطني جامع، مع خرق مستمرّ لأسس الدستور من قبل القوى السياسية والمجاميع المسلحة. فالصراع الذي يجري تحت مظلة الديمقراطية في جوهره صراع على تقاسم النفوذ وتوزيع خيرات البلد وفق مشيئة القوى السياسية المتنفذة في البرلمان (مجلس النواب). وهذه الامور غير خافية على المواطن العراقي مما يزيد من الحنق والغضب في الشارع ضد الحكومة التي تقودها هذه القوى.

العراق دخل بقواه السياسية الحالية حلبة الديمقراطية، والاداء مازال دون المستوى بدرجات. فالرفاهية التي تعيشها الطبقة السياسية وحاشيتها واتباعها جعلتهم يعيشون العزلة وهم ينعمون بخيرات البلد من دون وجهة حق جعلتهم في منأى عن الواقع الحياتي للمواطن العراقي الذي يعاني من حرمان كبير ونقص فاضح في الخدمات الاساسية.

احد قادة الكتل السياسية زار في غضون الاسابيع الاخيرة مدينة كركوك الكوردستانية واعرب عن انبهاره بنظافة المدينة وقال بصريح العبارة "لم أكن اتوقع كركوك بهذه الدرجة من النظافة!" نعم، صحيح فكركوك التي شاهدها كانت نظيفة، لكنه هل تحمل سيادته عناء زيارة احد احياء المدينة او احد اسواقها قبل ان يطلق تصريحه الرّنان هذا؟

عندما كانت السلطة في كركوك حتى عام 2017 بيد الخيّرين من ابنائها، فقد كانت المحافظة في حالة تطور دائم وهي تتطلع اللحاق بصنويها اربيل في الشمال والسليمانية في الشرق، لكن منذ الاطاحة بالسلطات الشرعية في المحافظة، باتت كركوك تسير على وقع ايقاع العمل والادارة في بغداد الاتحادية، هذه الادارة التي تلقى الرفض والادانة في الشارع الشيعي قبل غيره من الشوارع العراقية.

قالت العرب "الاعتراف بالذنب فضيلة"، واقع حال العراق يدفعنا الى القول بأن الاعتراف بالفشل أيضا فضيلة. فالواقع السياسي العراقي مازال بعيدا عن نبض الشارع، والصراع البيني بين القوى والكتل السياسية هو الاكثر فعالية من حيث التحكم ببوصلة العمل السياسي الذي يتحكم بدوره بالأداء الحكومي، ورغم جهارة صوت الشارع العراقي المندد بالواقع الحياتي للمواطنين، لكن الطبقة السياسية مازالت في منأى من التعاطي مع هذا الصوت.

عدم الاعتراف بالفشل سيزيد من احتمالات تردي الاوضاع في العراق، وليس هناك عراقي خيّر يتمنى ذلك.

 

 

باسنيوز

Top