• Friday, 27 December 2024
logo

كركوك تحت ضغط الثقافة الاحادية

كركوك تحت ضغط الثقافة الاحادية

تمتاز المدن ذات التعددية الثقافية بالحيوية والعطاء الثري والنموّ المتواصل. كركوك تستحق كل هذه الصفات الايجابية لكونها مدينة التعددية الثقافية بامتياز. السلطات العراقية صادرت هذا الحق واجهضت هذا الامتياز منذ عام 1920.

قبل عام 2003 شهد سكان المدينة وعموم المحافظة تطبيق سياسة فصل عنصرية منهجية، دعمت بموجبها السلطات في بغداد بكل ثقلها القانوني والاداري والمالي مساعي تهميش ثقافات كركوك المحلية وفرض ثقافة السلطة (لغة ومنهجا وهوية) على المدينة.

وضمن هذا المنحى فقد مارست السلطات طوال القرن الماضي من عمر الدولة العراقية شتى اساليب القهر والتمييز العنصري ضد العراقيين من غير العرب في كركوك، واتبعت سياسة شبه معلنة باسم "التعريب" ترجمت الى ممارسة سياسة الارض المحروقة ضد القرويون الكورد (تم تدمير 779 قرية كردية في المحافظة)، رافقه تهجير وترحيل الكورد من مركز المحافظة وبلداتها قسرا، وبموازاة ذلك حرمان الكورد من التوظيف والعمل وامتلاك العقارات وايجارها ووضع شتى العراقيل امام غير العرب في المدينة للتضيّق عليهم، رافقه تقديم شتى انواع التسهيلات للوافدين من المحافظات العربية العراقية من اجل انجاح سياسة استيطان مبرمجة تهدف تحويل كركوك من مدينة كوردستانية الى مدينة عربية.

سقوط نظام صدام عام 2003 شكل انعطافا مهما في مسار الاوضاع الاجتماعية والسياسية والادارية في كركوك وعموم العراق. تولى منذ سقوط نظام صدام حتى عام 2017 شخصيتين كورديتين مسؤولية منصب محافظ كركوك، حيث شهدت المحافظة خلال فترة حكمهما نموّا وتطورا مشهودين، وخلال تلك الفترة ايضا استطاعت قوات البيشمركة حماية كركوك من السقوط في يد تنظيم الدولة وغيرها من التنظيمات المتطرفة وتحويلها الى ساحة حرب مفتوحة.

احدى مآثر فترة الحكم الكوردي لكركوك هو التعامل الايجابي مع حالة التعددية الثقافية لسكان المحافظة، حيث تم اطلاق حرية التعليم بلغة الام للناطقين بالكوردية والتركمانية والسريانية، بعد عقود من فرض العربية كلغة وحيدة للتربية والتعليم، وباشرت العديد من المؤسسات الثقافية والاعلامية العمل تحت سقف حرية النشر والبث بكافة لغات المدينة، وجاء قرار مجلس المحافظة بكتابة لوحات الدلالة لجميع دوائر كركوك باللغات العربية والكردية والتركمانية والسريانية كتتويج لمجمل الجهد الاداري والسياسي للقوى الكردستانية التي تولت ادارة المحافظة.

محافظ كركوك الحالي بالوكالة والذي تولى السلطة بعد انسحاب القوات الكوردستانية من المدينة وتسليمها الى القوات العراقية منذ اكتوبر/2017 اخذ يقود السلطة متبعا سياسة فرض ثقافة احادية على المحافظة.

ومن مظاهر تلك السياسة محاولات اسباغ الطابع العربي على العمل المؤسساتي وتهميش لغات السكان الاصليين للمدينة وجعل العربية اللغة الوحيدة للتصريح والحديث في المؤتمرات الصحافية للمحافظة، بل ان اللوحة الخلفية للمؤتمرات الصحافية في مبنى المحافظة تبرز اسم المحافظة باللغة العربية لمرّات عديدة مع تهميش لا يمكن ان يكون بريئا للغة الكوردية (احدى لغتي العراق الرسميتين).

من يتولى مسؤولية ادارة محافظة كركوك بدءا من المديرون وصولا الى هرم السلطة في المحافظة، يجب ان يكون مشبعا بثقافة كركوك التعددية. هذه المحافظة قانونيا ودستوريا تعترف بأربعة لغات رسمية على مستوى المحافظة، اثنتان منهما (الكوردية والعربية) هما اللغتان الرسميتان للدولة العراقية، اضافة الى اللغتين التركمانية والسريانية.

ليس من الانصاف، بل هو بالضد من طبيعة الثقافة المحلية لكركوك، ان يتولى المسؤولية فيها شخص لا يجيد اللغات الثلاث الرئيسة (الكوردية، التركمانية، العربية) في المحافظة.

 

Top