• Thursday, 21 November 2024
logo

الكوردي يدفع ضريبة الوجود... الكوردستاني يدفع ضريبة النجاح

الكوردي يدفع ضريبة الوجود... الكوردستاني يدفع ضريبة النجاح
ليس من الضروري العودة الى الاحداث التاريخية لقرن قبل الآن، حين قامت القوى العظمى برسم خرائط الدول والكيانات السياسية وفق مشيئاتها وطبقا لمصالحها. فهذا التاريخ ليس ببعيد والغالبية ملمون بتفاصيلها، ومن ليس لديه الالمام الكافي، فالمصادر كثيرة وبجميع اللغات.
قليلة هي الامم التي حرّمت مثلما حرّم الكورد من حق السيادة، مع ان هناك نيف من الاوطان المقسمة في العالم، لكن لا وطن عانى الذي عانته كردستان من ويلات التقسيم وتنوعه.
هوية الكوردي مصادرة. والصدمة الكبرى يشهدها الكوردي عندما يرحل (بغض النظر عن دواعي رحيله وهجرته) لاجئا الى بلدان الغربة، حين يسأل "من اي بلد انت؟"
الاجابة النابعة من ضمير الكوردي ومشاعره العفوية المفصحة عن الذات ومن صميم قناعته تقول "كردستان."
السائل يغوص مبحرا في سرد اسماء مجموعة من بلدان الـ(ستانات) مرددا اياها الواحدة تلو الاخرى، فيكرر السؤال مستفسرا هل انت من: افغانستان، باكستان، تركمنستان، كازاخستان، قيرغيزستان، اوزبكستان، طاجيكستان ام اي ستان آخر؟
يذهل الكوردي حين لا يجد وطنه بين سيل بلدان الاستانات! فيقول في ذات نفسه: ماذا حصل، ترى هل قدمت من كوكب آخر، ام ان وطني يقع في المريخ؟
عندما تتشابك الامور ويحصل الارباك المعرفي والتواصل المجدي بين السائل والمجيب، يلجأ المحقق او المدقق او الحقوقي الموكل بمتابعة ملف اللاجئ الكوردي القادم من كوردستانه المقسّمة الى اربعة كوردستانات، نعم يلجأ المسؤول عن اعداد ملف البت بمصير الكوردي اللاجئ الى خارطة العالم ويقول للكوردي:
تفضل وارني بلدك، وطنك الذي قدمت منه؟
طبعا لا وطن للكوردي في الخارطة السياسية للعالم السابق واللاحق للكورونا. الخارطة لا تسعف الكوردي لجهة التعريف بوطنه كردستان، ولا يحصل المحقق الموكل بامر ملف لجوء هذا الاجنبي القادم من بلاد الجبال الشاهقة والموطن الاول للسلالة البشرية الثانية على معلومة قانونية ملموسة او سند قانوني يملأ بها حقل الوطن الاول لطالب اللجوء.
حل اضطراري يفرض نفسه دون رغبة الكوردي وارادته، اذ عليه ان يقبل بتقسيم وطنه وانتماءه وجسده وروحه بين اربعة هويات، هي ليست بالتأكيد هويته الحقيقية، بل انها هويات قسرية فرضت عليه رغما عنه ليكون تركيا تارة، وايرانيا تارة اخرى، او عراقيا وسوريا في الختام.
هل باستطاعة الآخرين ان يفهموا هذه المعانات الكوردية؟
لا اعتقد..!
لقد تكونت دولة العراق الحديثة بضربة حض بريطانية، دمج جزء من الوطن الكوردي مع جزء من مشرق العالم العربي، واعلنت الدولة الهجينة التي أبت التحول الى وطن رغم مرور قرن على رسم الخارطة.
الشعب الذي لا عاصمة له، بالتأكيد لا سيادة له. بغداد تلك العاصمة العتيدة التي بناها المنصور، فيما الباني مدان في حاضرها السياسي. اذن كيف لبغداد ان تتحول الى عاصمة للكردي الذي الف الحرية وانس الحياة الكريمة في احضان جباله؟
لا بغداد، لا انقرة، لا طهران ولا دمشق، لم تكن عواصم كوردية، بل هي عواصم بهويات معلنة ومعروفة لدى الجميع، وما الكوردي وهويته في هذه العواصم، الا حيز في الهامش.
والنتيجة، السيادة الكوردية مفقودة.. وشعب بلا سيادة، لا حياة ولا مستقبل له؟
الكوردي الذي فرض الانكليز عليه الهوية العراقية، حاول تلمس السيادة في العاصمة العتيدة بغداد، الا انها جاءت عرجاء ناقصة بل ومذلة.
من اجل السيادة وحق العيش الكريم، انتفض الكوردي وثار ضد البريطانيين قبل ثوراته ضد سلطات العهدين الملكي والجمهوري، وظل طوال عمر الدولة العراقية حتى هذه اللحظة يطالب بالسيادة على ارضه.
ردا على ثورات المطالب الكوردية العادلة، انطلقت التسميات والشتائم ضد الكوردي، فتحول هذا الثائر الى عاص (وجمعها عصاة) ومتمرد ومخرب واخيرا انفصالي.
كل مطالب بالحرية يجد الاحرار يساندونه وان كان باضعف صور الايمان من المساندة، الا الكوردي حين يطالب بالحرية، فالكل يدينونه ويقدحونه ويهاجمونه ويدمرون الحرث والنسل وكل ما في دار وطنه من اسباب ومستلزمات الحياة ونعم الله..
أية تراجيديا انسانية هذه!
طوال قرن من عمر الدولة العراقية، دفع الكوردي ثمن وجوده خرابا ودمارا وتدميرا وقتلا وابادة، علاوة على جراحات ارض محروقة وبلد محرّم و... الخ، والحبل مازال على الجرّار.
اما الآن، فالكوردي العراقي (اقولها العراقي وانا على قناعة تامة بان العراق لم يتحول الى بلد يركن فيه العربي للراحة والامان والاطمئنان، فكيف بالكوردي؟) مدان لانه حقق النجاح!
المعلومات التالية هي نتاج اقوال اناس صرحوا بها بعد زيارات ميدانية، او هي لاهل الدار وهم ادرى بشعابها:
انا شخصيا لم يتيسر لي زيارة بغداد منذ عام 2004، فهذه المدينة التي انستها منذ ستينيات وسبعينيات القرن الماضي كمدينة حضارية تتمتع بحياة راقية، رايتها في آخر زيارة لي وكانها ثكنة عسكرية.
احد الادباء العرب قال لي: زرت البصرة اثناء مشاركتي في مهرجان المربد، وقد هالني الذي شاهدته، العشّار الذي هو رمز سموّ المدينة وعنوانها، تحول الى بقعة يصعب التحديق فيها من شدة الاهمال.
المنتفضون من ابناء الجنوب يقدمون الف دليل على تردي الخدمات وسوء البنية التحتية وسيادة الفساد الاداري والمالي في محافظاتهم.
الصورة في كوردستان، في اقليم كوردستان مختلفة تماما.
هذا التفاوت بين المشهدين يزعج القادة السياسيين العراقيين، لذلك هم في بحث دائب من اجل العثور على ادنى ثغرة للاضرار بكردستان وشعبها.
تحكم المسؤولين (دون تغطية دستورية وبالضد من الاتفاقيات السياسية) بحصة كوردستان من الموازنة العامة، بل وحجب المرتبات الشهرية حتى عن موظفي كوردستان، ما هو الا تعبير عن قصر نظر سياسي ستكون نتائجة وخيمة على من يقررها وينفذها.
قادة الدولة العراقية في المؤسستين التشريعية والتنفيذية يعاقبون كوردستان واهلها.. والذنب هو النجاحات التي حققتها كوردستان..
خلاصة تأريخ قرن من عمر الدولة العراقية يقول:
معاداة الكورد لم تجد نفعا للعراق والعراقيين، حرمان الكورد والكوردستانيين من حقوقهم، سيكون له ردات فعل غير محمودة ونتائج لا تحمد عقباها.
الصراع السياسي بين الاحزاب والقوى السياسية، وكذلك بين التشكيلات الادارية، امر له وجهته ومدياته، لكن معاقبة المواطنين لا مبرر له ولا يمكن تحميل المواطنين تبعات الصراعات السياسية واختلافات الرؤى بين اربيل وبغداد.
هل نسي الساسة العراقيون ام تناسوا الحقيقة التي ادلى بها نسبة 93% من شعب كوردستان يوم 25/ايلول/2017؟
الغريب في الامر ومن باب المقاربة نقول، واصلت الحكومة العراقية دفع مرتبات موظفي المناطق التي سقطت في قبضة تنظيم الدولة. هذا في حال اوضاع كانت فيها الحكومة العراقية مشغولة بكامل طاقاتها العسكرية (مع اسناد دولي وكوردستاني) في حرب حامية الوطيس مع التنظيم المتشدد. ودفع مرتبات الموظفين مهما كانت الظروف، ليس منة، بل هو حق قانوني والتزام دستوري.
طيب، مهما تكن الخلافات بين بغداد وكوردستان، هل من المنطق قطع مرتبات موظفي كوردستان؟ هل من مبرر قانوني او معطى دستوري يجيز مثل هذا الاجراء؟ ام ان الكوردي مدان والكوردستاني لا حق له في الوجود والحياة الكريمة؟
Top