• Thursday, 21 November 2024
logo

أعرف جيدا ماذا يريد الصدر

أعرف جيدا ماذا يريد الصدر
عندما التقيت بالسيد مقتدى الصدر في النجف بتاريخ 9-7-2017 قلت له" لقد كتبت عنك ثلاث مقالات، فضحك قائلا: ولماذا ثلاثا، وليس أربعا، وها أنا اليوم وبعد مضي ثلاث سنوات أكتب المقال الرابع، والذي دفعني الى كتابته تقلبات الرجل وأطواره السياسية، لا ريب أن الرجل من عائلة معروفة أصيلة، فهو الابن الأصغر للمرجع الديني محمد صادق الصدر الذي اغتيل مع اثنين من أولاده سنة 1999، سطع نجمه بعد سقوط نظام البعث سنة 2003، وقعت مواجهة بين أتباعه والقوات الأمريكية بعد أن أغلقت صحيفته (الحوزة الناطقة) الناطقة باسمه لمدة شهرين، لكونها تحرض على الإرهاب، وقد أسس الصدر جيش المهدي سنة 2003، لتتحول المواجهة الى معركة حقيقية بينه وبين القوات الأمريكية سنة 2008 في مدينة النجف، ولقد حاولت القوات الأمريكية القبض عليه لاتهامه باغتيال المرجع الشيعي المعروف عبد المجيد الخوئي، إلا أن السيد علي السيستاني تدخل فأنهى الصراع باتفاق بين الطرفين، شكل مقتدى الصدر حكومة منافسة لحكومة مجلس الحكم التي أسستها أمريكا، لكنها فشلت، لا أريد لمقالي أن يتحول الى ترجمة لحياته، فالطور الأول من حياته السياسية بدأ بمقاومة الاحتلال الأمريكي، ولهذا أسس جيش المهدي، ولقد اتهم الصدر وجماعته بعمليات تطهير مرعبة ضد السنة خاصة بين سنة 2006-2007، لكنه فشل في تحقيق مرامه السياسية، فبدأ بالدخول في العملية السياسية، إلا أنه في سنة 2004 تبرأ من حكومة اياد علاوي وأتهمها في كونها غير شرعية، شارك في جميع الحكومات بقوة، وكانت حصته من المناصب حصة الأسد، وفي النهاية ينسحب، وهذا ما فعله مع المالكي والعبادي وعادل عبد المهدي، وفعله الآن وأنا أكتب هذه السطور مع محمد توفيق علاوي عندما رشحه، فربما إن لم يعتذر توفيق علاوي أو فشل في تشكيل حكومته سيأخذ حصته ثم يتخلى عنه في وسط الطريق،
في سنة 2007 بدأ الصدر بتغيير سياسته، حيث بدأ بمعاداة ايران، ولأول مرة نسمع شعارات في بغداد وهي(ايران برة برة، بغداد تبقى حرة) في سنة 2008 قام بحل جيش المهدي، وخاصة بعد أن قام نوري المالكي بحملة عسكرية ضد جماعته في البصرة سنة 2008، وفي سنة 2010 تصالح الصدر مع المالكي، وكان من خيرات هذه المصالحة حصول المالكي على ولاية ثانية، مع أن أياد علاوي كان أولى بها لكونه نال من المقاعد أكثر من المالكي، في سنة 2013 تخلى الصدر عن المالكي وأيد مظاهرات السنة في المحافظات الغربية وخاصة في الأنبار ضد حكومة المالكي، في سنة 2014 سقطت الموصل بين داعش، حيث قام بتأسيس سرايا السلام للدفاع عن العتبات المقدسة، وقد استقروا في مدينة سامراء، في سنة 2017 قام بتوطيد العلاقة مع دول الخليج حيث زار السعودية والإمارات في السنة نفسها، وطالب بحل الحشد الشعبي، وشكل تحالفا عابرا للطائفية حيث تحالف مع الحزب الشيوعي والتيار المدني للمشاركة في انتخابات 2018، سمي بتحالف سائرون، نال من المقاعد ما يؤهله لتشكيل الحكومة، فتحالف مع البناء ورشحوا السيد عادل عبد المهدي كرجل توافقي يناسب المرحلة التي يمر بها العراق، وكدأبه أخذ حصة الأسد من المناصب، ثم تخلى عنه في نصف الطريق، فهو مع الحكومة في المغانم، وضدها في المغارم، واليوم بعد أن استقال السيد عادل عبد المهدي، اتفق الصدر مع العامري لترشيح محمد توفيق علاوي لرئاسة الوزراء، علما أن عادل عبد المهدي قد جاء بالطريقة نفسها، فمالفرق بين الرجلين، مع أن عادل أكثر خبرة وتجربة وسياسة وحنكة ودبلوماسية ونضالا من علاوي المتدين العقائدي المنعزل الضعيف الذي قضى أكثر حياته خارج العراق رجل أعمال وتاجرا وليس سياسيا.
هذه الأطوار السياسية المختلفة في حياة الرجل دليل واضح أنه لا يستقر على قرار، ولا مبدأ ثابتا له، فهو يلعب لعبة سياسية خطيرة، وأعتقد أنها أسقطته أرضا، لن يستطيع القيام مرة أخرى، فقد كان يعتقد جازما أنه سيكون الرجل المنقذ للعراق، وكان يتصور أنه بإمكانه أن يتحول الى مرشد أعلى، نعم كان في السابق يتحكم في الشارع تحكما عجيبا، يحرك الملايين في لحظة، وقد رأيت بأم عيني كيف احتل المنطقة الخضراء والبرلمان في عهد العبادي، وقد هدد مرارا وتكرارا، ولكنه الآن لا يستطيع فعل شيء، وعندما خرجت المظاهرات كان يتصور أن يمكن بسهولة ركوب الموج، وقد كان يصدر تعليماته لهم، ويغرد باستمرار، وهو في ايران، ثم عاد، وأراد الدخول في ساحة التظاهرات معتقدا أنه سيستقبل كما استقبل الخميني في طهران سنة 1979، وأنه سيرشح شخصا ويشكل حكومة، لكنه في وقع في صدمة وحيرة، حيث طرد من الساحة، وأراد الذهاب الى مدينته النجف، فتم طرده هناك، مما جعله في صدمة قوية، وتبين له وللجميع أن الشعب العراقي (الشيعة خاصة) قد وصل الى مرحلة الغليان والسخط من هذه الطبقة التي لم تقدم شيئا لهم، ولهذا يرفضون أي شخص يأتي عن طريق هذه الأحزاب السياسية وخاصة الإسلامية، وخلال هذه الفترة وهي أربعة أشهر، تم ترشيح كل من السوداني والسهيل والعيداني، وتم رفضهم جميعا، لأنهم ينتمون الى تلك الأحزاب، واليوم وقد تم ترشيح علاوي، لكنه هو الآخر قد جاء عن طريقها، ولهذا أعتقد أن الشارع لن يهدأ به، وسيخفق محمد توفيق علاوي أو يعتذر أو ربما لن يتمكن من تشكيل الحكومة خلال المدة الدستورية وهي ثلاثون يوما، مع أن الشعب يدرك أن الرجل لم يأت عن طريق الشعب، وقد تم رفضه كما رفضوا غيره سابقا، فهو أي توفيق علاوي جاء باتفاق بين سائرون للصدر وتحالف البناء للعامري، وبمباركة ايرانية، ويأتي الصدر ليغرد مجددا أن هذا الرجل اختيار الشعب، وهو ليس كذلك، مع أن بعض الأحزاب الشيعية لم تكن موافقة، وبدأ الصدر يغرد مهددا المتظاهرين، بأن يعودوا الى بيوتهم، وقد أفرغت جماعته (سرايا السلام) بقوة المطعم التركي الذي كان مركزا مهما للمتظاهرين، وطالبت القوات الأمنية بمواجهة كل من يمنع فتح المدارس والكليات والمعاهد والجامعات ومؤسسات الدولة ودوائرها، وأعتقد أن هذه الدعوة ستكون بداية - لا سامح الله - لحرب أهلية بين الشيعة أنفسهم، وقد أخطأ الصدر في ترشيحه لعلاوي، لأنه خالف شروطه السابقة التي أعلنها في تغريدته لكل من يصبح رئيسا للوزراء، وهي: لم يتبوأ منصبا سابقا، ليس مزدوج الجنسية، ليس فاسدا، ليس طائفيا، ليس مرشحا من قبل الأحزاب، ليس ضعيفا، الذي أريد أن أصل إليه، إن مقتدى الصدر يعيش في حالة اضطراب وحيرة، حيث كان يريد أن يتحول الى مرشد أعلى فلم يتحقق، وأراد أن يصبح المرجعية العربية العراقية، لكنه لم يستطع، ورغب بشدة أن يتحكم في المتظاهرين، لكنه فشل، وتجلت صدمته عندما دعا الى مليونية لإخراج القوات الأمريكية من العراق، لكن أعدادا قليلة حضرت ولسويعات وبأموال مدفوعة وأوامر صارمة، وسبب ذلك أنه دعا الى مليونية من طهران، ومعه فصائل مسلحة متهمة بقتل المتظاهرين، وهم المعروفون بالطرف الثالث، كعصائب أهل الحق والنجباء وحزب الله وغيرها من الفصائل الكثيرة، انتهى الصدر وانتهت شعبيته وتأثيره في الشارع العراقي، واليوم نسمع شعارات بين المتظاهرين تردد: يا مقتدى شيل ايديك هذا الشعب ما يريدك، فالخيار الوحيد الذي تبقى له، هو في تصوري أن يصبح الممثل الحقيقي لولاية الفقيه في العراق، وخاصة أن ايران تعيش في حالة ضعف وانهيار بعد مقتل سليماني، ولهذا تحاول ايران أن تصنع شخصية يمكن الاعتماد عليها في المستقبل، فهي أدركت أخيرا وخاصة بعد خروج المتظاهرين بهذه الصورة غير المتوقعة (وهي أساسا ضد النفوذ الإيراني وتدخلاتها الصارمة)، أن الحل الأنجع هو أن يقوم بدور قاسم سليماني شخص من العراق، ولعل الصدر يكون البديل الأفضل، ولهذا تخلت دول الخليج عن الصدر، وخاصة السعودية، بعدما أدركت أن هذا الرجل لا يمكن التعويل عليه مستقبلا، والحقيقة أن إيران لم تعد تعتمد على تلك الفصائل المسلحة المتهمة بقتل المتظاهرين، لأنها مرفوضة عراقيا، ولم تعد تعول على الأحزاب السياسية التي أصبحت مرفوضة من قبل الشيعة أنفسهم، فلعل مقتدى الصدر يكون خير بديل لهذه المرحلة ليكون بيده مقاليد الأمور في العراق للمرحلة الراهنة، وللقادمة حتى يجدوا بديلا أفضل منه، ولقد سألت السيد عمار الحكيم: كيف يمكن لمقتدى الصدر أن يكون في ايران وهو يفعل خلاف ما تريده إيران في العراق؟ فلم يعطني جوابا مقنعا، والحقيقة أن هذا تكتيك سياسي تقوم به إيران لمرحلة استراتيجية قادمة، حتى يستقر العراق، لأنها على قناعة أن مقتدى الصدر رجل المرحلة الراهنة، ولكني على قناعة أن إيران مع كونها دولة قوية ومؤثرة لكنها فشلت في كسب الشعب العراقي، كانت تكسب القادة، وليس الشعب، ولهذا بدأ الشعب ينتقم ويرفض كل شيء له صلة بإيران، وعندما رفض المتظاهرون جميع المرشحين لا لكونهم غير أكفاء ولكن لأن لإيران يدا في ترشيحهم عن طريق تلك الأحزاب السياسية المعروفة بولائها لإيران.
Top