جمهوريّة الخوف: يُعتقلون لأنهم يتضامنون معنا
ولعل اختطاف الناشطين ياسر السليم و عبد الحميد البيوش ...! هو أكبر دليل على خلق بيئات انطوائيّة مقطوعة الأوصال والعودة بها إلى ما قبل ١٤٠٠ عام.
في زمن الإستبداد، كان ثمة من يكتب التقارير بحق من يتحدث عن النظام في معاقبته وتهميشه للكورد، وأيضا كانوا سرعان ما يكتبون تقريراً عن الكل الذي كان مخالفاً لمنطق النظام وأدوات حكمه.
ومع إنطلاق الثورة، صار الكل يقيّم الآخر ومواقفه، والكل هذا إن لم يتمكن من إلحاق الأذى بالآخر كونه لا يملك أداة الاتصال مع الجهة الحاكمة إلّا أنّه لا يقصرّ في تشويه صورته للعامة ويشكك به ويبقى منبوذاً.
ولا نستغرب أنّه صحيح إنّ في كل مرحلة تاريخيّة، ]تواجد من هو حارسٌ للنظام ومن هو جاسوس، ومن هو حاميّ ، والنظام السوريّ استطاع في الفارق الزمني القصير أن يؤسس واقعاً مخابراتيّاً مخيفاً؛ وما أن استلم القوميين العرب الحكم ما بعد الخمسينيات حتى بدأوا يغيروا من الواقع كونه منتعش وحالة من النقاشات الحرة في الملتقيّات، والنوادي، والأمسيّات وفي المجالس الخاصة إلى حالة" الكتم"، حالة لا يستطيع أحد أن يكون حراً؛ لذلك كان يلازم في كل مشهد ما هو"المسكوت عنه"، وإن تجرأ الإنتاج الإدبي في الخوض في ما هو "المسكوت عنه" إلا أنّ في الحيّز السياسي بقي طي الكتمان، لم يتجرأ المشهد السياسيّ الحديث في ما هو "المسكوت عنه " في السياسة. هذا المشهد هو كان سائداً في مرحلة ما قبل الثورة، وبقي مفعوله مستمراً في الثورة بطريقة أخرى، حيث في زمن الإستبداد أسس النظام لنفسه المثقفين الخاصين به وكانوا هؤلاء المثقفون يطغون على المشهد؛ في زمن الثورة كان لكل شخص من المعارضة ثلة من ناقلي الأخبار وكتابة التقارير، وصار الوضع خطيراً مع طغيان الفصائل المسلحة، حيث ليس هناك محاكم تسير فيها القضايا العدليّة المناسبة.
في الثمانينيات من القرن المنصرم، كان من يريد لحاق الأذى بجاره أو منافسه سرعان ما يكتب تقريراً اويجري مكالمة مع جهة أمنيّة ويتهمه بـ"الإخوان المسلمين" وبلمحة بصر يزج بهذا المنافس أو الخصم بالسجن ويذهب به لسنوات طوال وقد لا يرجع. في زمن الثورة تم استبدال المفردة بالتخوين، حيث في منطقة النظام كان المزعوج ، أو المختلف معه، منه يعتبر"إرهابي" وفي منطقة المعارضة كانوا يسمونه "الشبيّح". أما في منطقة الإسلاميين فالوضع أكثر خوفاً حيث المختلف سرعان ما يلصق به "المرتد" وعقوبة الرد في الإسلام القتل!
بقي القول، إن ما يعيشه السوريين فهو صعب إلى حد لا يطاق، العمالة تنتج عمالة أكثر ولاءاً، وسرعان ما يتحول هذا العميل إي أداة ليس لنقل الخبر والتجسس فحسب إنّما تصبح أداة الفعل أيضاً، فإذا كان في زمن الإستبداد عمالة للإستخبارات ورفع التقارير فإن في زمن الثورة العمالة تحولت إلى سوطٍ للطاعة، ولهذا لم يخطأ من وصف سوريا بـ" جمهوريّة الخوف"؛ ويبدو انّ ذاك الوصف كان بدايّة النهايّة للتعايش الحر المبني على العلاقات بين الأفراد والمجتمعات من خلال روح التضامن.
وحكمة المقال تفيد"لا دولة تبنى أركانها إن كانت روح التضامن والتفاعل والصداقة غائبة"!
باسنيوز