• Friday, 22 November 2024
logo

تهافت مجلس النواب العراقي

تهافت مجلس النواب العراقي
عندما تم ترشيحي للدورة الثالثة لمجلس النواب العراقي على قائمة الحزب الديمقراطي الكوردستاني سنة 2014 فرحت كثيرا، لأنه كان في مخيلتي أشياء وأفكار وتصورات عن البرلمان، لكونه أرقى وأعلى مؤسسة في الدولة، ولكونه يجمع أفضل الناس وخيرتهم ومثقفيهم ومتحضرهم وساستهم المرموقين، وكنت قد أعددت لنفسي مشاريع فكرية وحضارية وثقافية وسياسية وقانونية، تخدم جميع مكونات الشعب العراقي، وخاصة شعب كوردستان.
انتهت الإنتخابات وفزت فيها بفضل من صوت لي، فلما سافرنا الى بغداد ودخلنا القاعة الكبرى لأداء اليمين الدستورية، وفجأة تحولت القاعة الى فوضوى، حيث بدأت المزايدات بين النواب من أول يوم تمهيدا للإنتخابات القادمة أي بعد أربع سنوات، وبدأ العراك بالأيدي وكان البعض خبيرا حيث استغل هذا الوضع لكي يصبح بطلا بين ناخبيه، وضاع صوت العقل والحكمة بين هذه الفوضوى، وعندما رأيت هذا المنظر المقزز وغير الحضاري قلت في نفسي: لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما قبلت أن أصبح نائبا في هذه الفوضى، على أية حال عدنا الى كوردستان وتشجنع الوضع وتورم، ثم هدأت وبدأت الحوارات لتشكيل الكتلة الأكبر، واتفق الفرقاء على تحديد يوم لجلسة البرلمان الأولى لاختيار هيئة الرئاسة، وتم عقد الجلسة باختيار الدكتور سليم الجبوري رئيسا لمجلس النواب العراقي عدد الأصوات(190)، لم يكن السنة موفقين باختيار هذا الرجل الضعيف سياسيا والقوي إداريا، فقد جلب للسنة الخذلان والمذلة والهوان، فعاقبه قومه في ديالى في الإنتخابات الأخيرة، لأنه مع كونه كان رئيسا للبرلمان، وقد انشق عن الحزب الإسلامي الإخواني، وشكل لنفسه حزبا جديدا، لكنه لم يستطع نيل مقعد في البرلمان في الإنتخابات النيابية الأخيرة، والحقيقة أن الرجل كان متهما بتهمة الإرهاب، لكن بصفقة سياسية أغلق ملفه، ليصبح على قمة أعلى سلطة تشريعية في البلد، كل ذلك لإقصاء أسامة النجيفي السياسي السني القوي.
أما حيدر العبادي فتم ترشيحه نائبا أول للرئيس، حيث نال الرجل (188) صوتا من مجموع(264) مع(76) صوتا باطلا، وقد حصل على أصوات قليلة، فلم يكن الرجل مرغوبا من قبل السنة والكورد وحتى بعض الشيعة، وحتى في الإنتخابات لم يحصل إلا على أصوات قليلة أهلته ليصبح نائبا بشق الأنفس، ثم بين عشية وضحاها اختير العبادي لرئاسة الوزراء لإقصاء المالكي، مع أن العبادي لم يكن يصدق أن يصبح نائبا، ولا نائبا للرئيس، فكيف برئاسة الوزراء فقد كان ترشيحه لرئاسة الوزراء حلما تحقق، ولهذا وقع الرجل في غرور طاغ، مما أوقعه هذا الغرور السياسي في مذلة وخذلان حيث لم ينل تحالفه(النصر) ما ناله تحالف (السائرون) في الإنتخابات النيبايبة الأخيرة لسنة 2018، مع كونه كان رئيسا للوزراء، وقائدا عاما للقوات المسلحة يتبجح النصر على داعش، وأنه أنقذ اقتصاد العراق من الإنيهار، وحافظ على وحدة العراق كما كان يقعقع دائما على الإعلام.
وبعد اختيار العبادي لرئاسة الوزراء – الذي كان نائبا أول لرئيس البرلمان- تم ترشيح همام حمودي القيادي في المجلس الأعلى الإسلامي بزعامة عمار الحكيم(قبل انشقاق المجلس الأعلى وتشكيل تيار الحكمة الوطني من قبل عمار الحكيم) ليكون النائب الأول لرئيس البرلمان، هذا الرجل كان يرى نفسه أكبر من البرلمان وأكبر من سليم الجبوري، لكونه شيخا وقطبا من أقطاب الشيعة، والرجل طائفي في الصميم، وعلاقته بإيران الثورة – وليس ايران الدولة- علاقة روحية قوية جدا، ولهذا كان يهابه نواب الشيعة ويحترمونه، بينما يسخرون من الرئيس ونائبه الثاني، لكونهما ضعيفين في الشخصية والمكانة السياسية، ومع انشقاق عمار الحكيم عن المجلس الأعلى الإسلامي الذي كان يرأسه، وتشكيل تيار الحكمة الوطني، بقي همام حمودي في منصبه واختير رئيسا للمجلس الأعلى الإسلامي، وبخروج عمار الحكيم أصبح المجلس الأعلى الإسلامي في خبر كان، وفشل فشلا ذريعا في الإنتخابات الأخيرة، وباختصار دفن عمار الحكيم المجلس الأعلى الإسلامي وهو لا يزال حيا، ولم ينتظر موته الحقيقي، والحقيقة أن عمار الحكيم استطاع النجاة من ماض لا يتشرف به، ولهذا حاولوا في البداية إصلاح اسم الحزب فحذفوا(الثورة) لدرء شبهة الثورة الخمينية، لكن ذلك لم يكف، فتخلص من أيدلوجية ايران، لكنه لم يتخلص من دولة ايران ، بخلاف مقتدى الصدر الذي قرر قبلهم التخلص من كلتيهما(الأيدلوجيا والدولة)، ولكنه هو الآخر لم يستطع ففي الإنتخابات الأخيرة غرد كثيرا خارج سرب البيت الشيعي، لكنه في النهاية أرغم من قبل ايران الثورة على التحالف مع من كان يحسبه من الطائفيين الوقحين، لذا من السهل التخلص من ايران الثورة ولكن من الجنون التخلص من ايران الدولة، وايران ستبقى تتعامل مع الشيعة بعقل الثورة، ومع غيرهم بعقل الدولة، ومن مصلحة العراق أن تتعامل معه ايران بعقل الدولة لا بعقل الثورة، فإيران لا زالت تملك تأثيرها الكبير على الساحة السياسية العراقية بقوة، وخاصة على البيت الشيعي.
بقي النائب الثاني، ومعلوم أن هذا المنصب من حصة الكورد، وحصريا من حصة الحزب الديمقراطي الكوردستاني، وكان مرشحنا جاهزا لتسلم هذا المنصب، ولكن المرحوم السيد نوشيروان مصطفى زعيم حركة التغيير، طلب من السيد الرئيس مسعود البارزاني منح هذا المنصب لهم، ويبدو أن هذا الطلب جاء بناء على ترضية البعض في حزبه، لكونه كان يعاني من هذه المشكلة باستمرار، فهي حسابات حزبية داخل حركته، ومعلوم أن البارزاني لا يرفض طلبا كهذا، وخاصة وهو يبحث عن توافق كوردستاني قبل الذهاب الى بغداد، ففلسفة البارزاني المعروفة هي توحيد البيت الكوردي وخطابه قبل الحوار مع بغداد، تم منح هذا المنصب- النائب الثاني لرئيس البرلمان- لحركة التغيير واختير السيد آرام شيخ محمد، والحقيقية التي لا مجمجة فيها أن حركة التغيير لم تكن موفقة باختيار هذا الرجل، حيث كان ينقصه النضج السياسي والثقافة الفكرية والسياسية والتجربة القليلة في مجال العمل السياسي، ولقد سبب الرجل للمؤسسة إحراجا وللكورد خذلانا في كثير من مواقفه الحزبية الصرفة، ناهيك عن سلوكياته غير الناضجة وغير المتزنة، ونحن في كتلة الحزب الديمقراطي الكوردستاني بقينا ندافع عنه بكل ما أوتينا من قوة، لا لشخصه ولكن لأنه يمثلنا في هذا المنصب، والغريب المؤسف أن كتلة التغيير كانت تقول باستمرار أن هذا المنصب من استحقاقنا الإنتخابي، وكنا نلام باستمرار من قبل الكتل الأخرى وخاصة الكوردستانية على منح هذا المنصب لحركة التغيير، لقد كان قرار الحزب الديمقراطي قرارا وطنيا ولم يكن حزبيا، ولكن ماذا نفعل بحركة لا تعرف قيمة المواقف الوطنية؟.
بقي الحديث عن شخصية أخرى من الشخصيات السياسية الكوردستانية التي خذلت شعب كوردستان، وهو السيد فؤاد معصوم، لم يكن الرجل يصدق أنه سيصبح رئيسا لجمهورية العراق، لذلك لم يكن يتصرف كرئيس للجمهورية بل كان يتصرف كموظف في بغداد عينه الشيعة مؤقتا بعقد لأربع سنوات، تم ترشيحه حلا وسطا لفض النزاع بين برهم صالح ونجم الدين كريم اللذين كانا يتنافسان على منصب رئاسة الجمهورية، والحقيقة أننا في كتلتنا كنا نريد فوز برهم صالح لكن خلافات الإتحاد الوطني الكوردستاني الداخلية الحادة والمستمرة على أعلى المستويات فرضت علينا أن يتم ترشيح فؤاد معصوم، لأنه لو لم يتم اختياره لربما خسرنا هذا المنصب، وذهب لغيرنا من الكتل الأخرى غير الكوردستانية، لأن السقف الزمني انتهى، فلا بد من اتخاذ قرار نهائي، إذن نحن في كتلتنا كانت فلسفتنا دوما توحيد الخطاب السياسي والبيت الكوردي لتحقيق مصالح شعبنا في كوردستان.
إذن أضحت المعادلة السياسية غير طبيعية وغير متوازنة، رئيس مجلس النواب العراقي سني ضعيف، والنائب الثاني له كوردي ضعيف، ورئيس وزراء شيعي ضعيف ورئيس جمهورية كوردي ضعيف، والمحصلة النهائية لهذه المعادلة، مؤسسات هشة، حكومة هزيلة، جيش مؤدلج، مليشيات مسلحة طائفية قوية، فساد مستشر، عصابات إجرامية متسلطة، تدخلات إقليمية منظمة، قرارت مسيسة، تشريعات طائفية، صفقات تجارية مخفية، استهدافات سياسية وشخصانية.
دعني أركز على مجلس النواب العراقي، هذا المجلس الذي يعد أرقى المجالس وأروعها وأعظمها وأحسنها وأفضلها، تحول الى مجلس للعزاء وقراءة الفاتحة والبيانات المملة والمخلة والمواقف البطولية للمزايدات السياسية، وعرض العضلات، فقد وجدت البعض يصارع زميله من أجل أن يحظى بتلاوة بيان، مع أن لغته المليئة بالأخطاء الكارثية تدفعنا للخروج أحيانا من القاعة أو الانشغال بهاتفنا حتى لا نسمع هراءه أكثر، أتذكر مرة أن بيانا لكتلة لم يقرأ لأنه لم يتفقوا فيما بينهم من سيحظى بقراءته، والأدهى من ذلك القوانين التي كانت ترسل من قبل الحكومة أو المقترحات التي كانت تؤتى بها من قبل النواب كانت أبعد ما يكون عن مطالب الشعب العراقي، لا أنكر أنه من الضروري تشريع أي قانون ولكن هناك أولويات في كل مؤسسة تشريعية لأي دولة، فالقوانين والمقترحات كانت إما طائفية محضة كقانون الحشد الشعبي الذي يعد من أكبر فضائح مجلس النواب العراقي، وغدا هذا القانون وصمة عار في جبين مجلس النواب العراقي إلى أبد الآبدين ودهر الداهرين، وإما قوانين أو مقترحات شخصانية كقانون الجنسية المزدوجة أو ربما قرارات يتخذها مجلس النواب العراقي وهي قرارت عنصرية شارك في صياغتها جميع الكتل النيابية من الشيعة والسنة والتركمان، مثل قرار منع رفع علم كوردستان في كركوك، أو مقترحات حزبية ضحلة كمقترح قانون تعطيل برلمان كوردستان الذي قدمه بعض نواب كتلة التغيير مع اعتراض كثير من نواب الكتلة تلك، أو قرارات سياسية صيغت وراء الكواليس من قبل دول إقليمية مثل تلك القرارات المجحفة التي اتخذها مجلس النواب العراقي ضد إستفتاء كوردستان، كغلق المطارات والمنافذ الحدودية، علما أن الساسة العراقيين لم يكونوا ضد الإستفتاء بقدر الدول الإقليمية، ولكن بسبب الضغوط التي مورست بحقهم، وقفوا ضد الإستفتاء موقفا عدائيا لا يمكن تصوره، ووصل التطرف السياسي ببعض نواب التحالف الشيعي إلى رفع دعوى ضد النواب الذين شاركوا في الإستفتاء لمحاكمتهم وارتكباهم الخيانة العظمى، لأنهم هددوا وحدة العراق ونكثوا عهدهم عندما أدوا اليمين الدستورية كما زعموا، وقد كان كاتب هذه السطور من ضمن القائمة، مع أن الإستفتاء عملية ديمقراطية، ما أشد تناقضاتهم، يخشون على وحدة العراق وهم سبب انهيار وحدته، يخشون من الفراغ الدستوري ولا يخشون على دستور تم تفريغه لمدة خمس عشرة سنة، يتحدثون عن اللحمة الوطنية ونجد لحم الأبرياء مشويا على نار المليشيات الوقحة، يتحدثون عن الإخوة العربية الكوردية، وهم يمارسون سياسة التعريب في كركوك ومناطق أخرى، يتحدثون عن الأمة الإسلامية التي نجدها فقط في شعارات الإسلاميين وخطاباتهم النارية الملتهبة، يتحدثون عن الفساد وهم غارقون في الفساد.
وبخصوص موضوعة الإستفتاء فقد أدركت ذلك من خلال لقاءاتي معهم مدى تأثير تلك الضغوط الدولية والإقليمية على ساسة العراق، ولا ننس أن أكثر ساسة العراق عادوا الإستفتاء لأنه صادف مرحلة ما قبل الإنتخابات، فكل سياسي استغل الفرصة لمعاداة الإستفتاء حتى ينال أصوات الناخبين، لكن تجلى للعيان أن الشعب العراقي أوعى من ساسته، فكشف دجلهم وكذبهم، وفيما يخص لقاءاتي مع ساسة العراق فقد وجدت العجب العجاب وخاصة مع عمار الحكيم، فلولا تدخل الحاضرين حيث أنهوا حوارا حادا وقاسيا بيننا بخصوص الإستفتاء، وحصل ذلك أيضا مع همام حمودي رئيس المجلس الأعلى الإسلامي الذي كان من أشد المعادين للإستفتاء، بينما حواري مع ابراهيم الجعفري كان رائعا، وقد كان الرجل يطرح الموضوع بموضوعية وهدوء وقناعة، فلم يصدر منه شيء يقلقنا ويؤلمنا، وهكذا كان حواري مع هادي العامري، حيث كان لطيفا ومنطقيا، أما السيد مقتدى الصدر فقد كان الحوار معه في غاية الصراحة والجدية والبيان عندما التقيت به في مدينة النجف، ولم يعترض الرجل على الإستفتاء لكنه رأى أن الوقت غير مناسب، ومواقف هؤلاء القادة الذين التقيت بهم عكست على نوابهم في مجلس النواب العراقي، فمجلس النواب العراقي تحول الى أداة حزبية وطائفية وسياسية لبعض الجهات، فجهة سياسية معينة شرعت قوانيها لصالحها، وأخرى أصدرت بواسطة مجلس النواب قرارات لصالحها، فجميع الأحزاب السياسية استفادت من مجلس النواب العراقي عدا الحزب الديمقراطي الكوردستاني فقد كان الخاسر الأكبر من المعادلة، ليس بسبب ضعفها، بل بسبب المؤامرة الجماعية عليها، لأن ضعف الحزب الديمقراطي الكوردستاني في تصورهم ضعف لكوردستان، وإن كنت لا أنكر أن كتلتنا لم تكن في المستوى المطلوب، حيث كان حضور رئيس الكتلة ضعيفا في البرلمان وفي الاجتماعات والمناسبات، ولم يكن قادرا في حسم بعض الخلافات بين نواب الكتلة، وبسبب ذلك خسرنا لجنة الإعمار والخدمات، مع الدعم المادي والمعنوي الكبير الذي كان يحظى رئيس الكتلة من قبل القيادة، لكونه قياديا، حتى تم تكليفي برئاسة الكتلة، ولكن كانت الفترة قصيرة، ولم أحظ بدعم مادي ولوجستي كما ينبغي، ولكن مع ذلك أديت واجبي قدر المستطاع، فهو شرف عظيم أن أكون رئيس كتلة نيابية لحزب عريق يرأسه رجل عظيم وهو السيد مسعود البارزاني.
ولعل مثالا واحدا يعطينا صورة واضحة لما كان يجري في كواليس مجلس النواب العراقي، اقترب عمر المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات من نهايته، فأكثر الأحزاب السياسية العراقية على اختلافها أرادت مفوضية جديدة للإنتخابات تحل محل القديمة، والهدف ليس احتراما للتوقيتات الدستورية، فهي أكثر الأحزاب خرقا للدستور، ولكن لأنها لا تملك ممثلا فيها، فوجود الممثل في المفوضية في نظر هذه الأحزاب المصرة على تغيير المفوضية لكي يزور لها في الإنتخابات، لا لكي يحفظ الإنتخابات من التزوير، فأقول للتاريخ: عندما كانت المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات برئاسة الحزب الديمقراطي الكوردستاني كانت الإنتخابات نزيهة سليمة ديمقراطية ولا أحد يعترض عليها، وعندما شكل مجلس النواب العراقي المفوضية الجديدة - وفق رغبات بعض الجهات السياسية التي أرادت أن تحصد مقاعد البرلمان حصدا، وتقصي من تشاء وتأوي من تشاء - وقعت الكارثة، وتكشفت الحقيقة أن هدف هؤلاء كان انتقاميا، وقد حاولنا وجهات أخرى سياسية أن تبقى المفوضية القديمة لأن الوقت لايسمح، والمفوضية الجديدة لا تملك خبرة ولا تجرية فهي فتية، لكن لا حياة لمن تنادي، فالهدف واضح، وبعض الجهات السياسية الكوردية كانت تعمل ليل نهار لإقصاء ممثلنا، وأثناء مقاطعتنا لجلسات البرلمان بسبب سياساته الطائشة بحق شعب كوردستان أستغلوا فرصة غيابنا لتغيير ممثلنا، واستبدلوه بممثل عن حركة التغيير، ولكن بما أن نية هؤلاء كانت التزوير، انقلب السحر على الساحر، ولا يفلح الساحر حيث أتى، ففلسفة كتلة التغيير في بغداد كانت قائمة على أن المناصب أولى من حقوق شعب كوردستان، وقد أثبتوا ذلك فعليا.
شكلت المفوضية الجديدة وبدأت الإنتخابات وظهر للجميع عمليات التزوير في كثير من المحافظات العراقية، ووصلت قيمة المقعد الواحد في البرلمان العراقي -حسب مداخلة إحدى المرشحات(نائبة سابقة) الى مليوني دولار، وهذا أمر طبيعي فالذي أنفق مليوني دولار لكي يفوز في الإنتخابات مستعد لأي يدفع الثمن نفسه لكي ينال مقعدا في البرلمان، وقد فعل ذلك بعض مرشحي الكتل الكوردستانية في الإنتخابات الأخيرة، وليكن القاريء على بينة أن هذا المبلغ الذي يدفعه أحدهم ليس لأنه سينال المبلغ نفسه عن طريق الراتب الذي سيتقاضاه في البرلمان، ولكن لأنه سيحصل على حصانة دبلوماسية وقضائية لكي يستطيع القيام بصفقات تجارية، وبيع وشراء، وابتزاز واستجواب للوزراء والمسؤولين، ألم يطلب نائب مستجوب(بكسر الواو) في دورتنا هذه من وزير مستجوب (بفتح الواو) مليوني دولار لكي يتنازل عن استجوابه، فلم يتنازل فكان جزاءه سحب الثقة منه، وتمت إقالته، ووزراء آخرون بقوا في مناصبهم بعد عقد صفقة مع المستجوبين، وهناك من لجأ الى أساليب أخرى أبقتهم في مناصبهم، والحق أقول: من أقيل من الوزراء في هذه الدورة ليس بسبب فسادهم، بل كان استهدافا سياسيا وشخصيا، وأقول بلا تردد، جميع الإستجوابات قاطبة من غير استثناء في دورتنا كانت سياسية وشخصية وحزبية، فلم يكن الهدف كشف الفاسدين، وخدمة المواطنين العراقيين، لأنه لا يمكن للفاسد أن يحاسب فاسدا، فنواب كل بلد نخبته المنتخبة، فهم بمثابة الملح للطعام، فكيف بالطعام إذا الملح فسد، يؤسفني القول أن أفسد الناس في العراق هم النواب، اللهم إلا قليل من النواب الذين استطاعوا أن يحفظوا مكانتهم وأخلاقهم، حيث لم تتلطخ أيديهم بالفساد، ولا تورطوا في ملفات الفاسدين، وبهذا أصبحت هذه المؤسسة وبالا على العراق، ومأوى للفاسدين، ووكرا للفساد والابتزاز، ومن هنا ستدرك أيها القاريء لماذا هذه المنافسة والصراع والنزاع على مقاعد البرلمان، وقد حان الوقت أن تلغى هذه المؤسسة، ويحل محلها مجلس تشريعي آخر يتم اختيار النواب على أسس موضوعية علمية ثقافية فكرية سياسية، بعيدا عن الأطر العشائرية والأيدلوجية والطائفية والقومية والحزبية، وبعدد قليل حسب سكان كل محافظة، فوجود مجلس يتكون من (328) نائبا لا يجلب للبلد إلا الفوضوى والفساد، أعرف نوابا من جميع الكتل بلا استثناء لم ينطق كلمة في البرلمان، ولا شارك في لقاء على الإعلام ولا كتب مقالا في صحافة، أليس عدمه أفضل من وجوده، إذا أردنا برلمانا حقيقيا فلا بد من اختيار شخصيات مقبولة، لا أن يكون ملجأ للهاربين والعاطلين والفاسدين والإرهابين والمطلوبين، ومأوى للطائفيين والمليشياويين والقومجيين والعملاء والمتطرفين والسوقيين والفاشلين والراسبين.
فوجود مجلس النواب بهذه الصورة واستمرارها بهذه الطريقة، والعمل بالأغلبية السياسية - كما رأينا ذلك في كثير من القوانين والمقترحات والقرارات والمواقف – يفرغ العملية السياسية من مضمونها، ويضرب التوافق السياسي عرض الحائط، والتوازن في مهب الريح، فلو أمطرت بغداد علينا مناصب - مع أن هذه المناصب ليست صدقة بل هي استحقاقنا الدستوري- ولو كان عدد نوابنا أكثر من مائة نائب لم يغير من الأمر شيئا، فلا يستقيم الظل والعود أعوج، لا بد أن يكون هناك مجلس يتعامل فيه مع شعب كوردستان كأمة، وليس وفق عدد مقاعد البرلمان، فسنبقى أقلية باستمرار وفق مقاعدنا، ولن نستطيع فعل شيء لأمتنا، فلو أصبح العراق دولة فدرالية حقيقية لما حدثت هذه المشاكل، بمعنى آخر لو أصبح العراق على سبيل المثال ثلاثة أقاليم أو ستة أقاليم لكان وضعه أفضل بكثير، حيث كان بإمكاننا تشكيل مجلس الأقاليم بدل مجلس النواب، ووقتئذ ييكون لكل إقليم برلمانه وتشريعاته وقوانينه ودستوره الخاص به، مع الاحتفاظ بحقوق الدولة الفيدرالية كما هو معلوم في كثير من بلدان العالم، ووقتئذ سننجو من الأغلبية السياسية (الطائفية) والقوانين الطائفية والقرارات السياسية، ولولا معارضة السنة للنظام الفدرالي في بداية الأمر لأصبح العراق دولة متقدمة، فما دمر مناطق السنة إلا ساسة السنة أنفسهم، حيث تم ترضيتهم من قبل دول إقليمية بمصالح حزبية وشخصية ضيقة لكي لا يتحدثوا عن الفدرالية، وبعض ساسة السنة رفضوا الفدرالية لأنهم كانوا يحلمون بعودة العراق المركزي كما عهدوا في زمن صدام حسين، وأتذكر أن أحد قادة السنة قال لي: لم نكن نجرأ أن نتحدث عن الفدرالية بسبب موقف بعض قادتنا، وتحدث عن موقف المرحوم عدنان الدليمي الذي كان عدائيا جدا للفدرالية، ولم يكن الرجل يعلم أن الفدرالية تعني الإتحاد، والغريب أنه رغم معارضته الشديدة للفدرالية، فقد لجأ الى الإقليم الفدرالي ومرض في إحدى مستشفياته، ومات فيه سنة 2017.
انتهت الدورة الثالثة لمجلس النواب العراقي في 30-6-2018، وستبدأ الدورة الرابعة بعد الفرز اليدوي والمصادقة على نتائج الإنتخابات من قبل المحكمة الفدرالية، وقد تعيد المحكمة الإتحادية الإنتخابات مرة أخرى مع إنتخابات مجلس المحافظات إن كانت نسبة الفروقات كثيرة في الفرز اليدوي، فهذه الدورة الجديدة وهي الرابعة كسابقتها لن تفعل شيئا، ولن تغير من الأمر شيئا، فسنسمع جعجعة ولا نرى طحنا، أعتقد أن مجلس النواب العراقي سبب المشاكل بخلاف جميع دول العالم الديمقراطية حيث نجد البرلمان صمام أمام البلد، ولن يكون المجلس القادم إلا عقبة أخرى في طريق تقدم البلد وحلحلة المشاكل وإعادة التوازن، يمكن في حالة واحدة أن يعيد المجلس تأثيره قليلا، وهو أن اتفاق الكتل النيابية جميعا على أي قانون أو مقترح أو قرار أو موقف قبل دخول قاعة البرلمان كما كان يحصل في السابق، وهذا صعب للغاية في هذه المرحلة، حيث وصلت العملية السياسية مرحلة الجمود والخمود والركود، إن لم تصل في النهاية الى طريق مسدود.
Top